أميركا في حالة إنكار

بواسطة | مايو 5, 2024

بواسطة | مايو 5, 2024

أميركا في حالة إنكار

حالة من الصدمة والذهول لا تزال تعيشها الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية، بسبب الانتشار الواسع للحراك الطلابي الذي انتشر ووصل إلى أكثر من مئة جامعة أميركية كبيرة وصغيرة، من بينها أرقى الجامعات مثل هارفارد وبرينستون وييل وميتشغان وكاليفورنيا وبراون وجورج واشنطن وغيرها من الجامعات.

ورغم اتساع نطاق المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، التي ينفذها طلاب الجامعات الأميركية من شرق البلاد إلى غربها، لا تزال الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية تعيش حالة إنكار، ولا تعترف بأن ثمة مشكلة حقيقية تواجهها فيما يتعلق بالدعم العسكري غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل.

حالة الصدمة والمفاجأة من هذه الانتفاضة الطلابية مردها إلى عدة عوامل، أهمها حالة الانتشار السريع للاحتجاجات والمظاهرات بشكل لم يكن يتوقعه أحد، خاصة بعد مرور سبعة أشهر على الحرب في قطاع غزة؛ وثانيها انتشار السردية الصهيونية في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأميركية على مدار عقود، والاعتقاد بأنها انتصرت وتوطدت وتوطنت بالفعل في هذه المؤسسات وصار لا يمكن اقتلاعها، فإذا بالانتفاضة الطلابية قد جاءت كي تهشّم هذه السردية، عطفا على جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

ثالث العوامل هو حالة القلق والذعر لدى الصهيونية الأميركية من جيل الشباب، الذي يقود هذه الانتفاضة السلمية، وهو جيل أفلت من هذه السردية التي كانت تقدم إسرائيل دولة على أنها ضحية ومظلومة في محيط من الأعداء، ولعل هذا هو سبب جنون وهيستريا التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات، وهناك سعي حثيث لإخمادها ووقفها بأسرع وقت ممكن.

حتى الآن، يمكن القول إن ثمة طريقتين تم التعاطي بهما مع الاحتجاجات والاعتصامات؛ الأولى هي الحوار والتفاوض والاستماع إلى مطالب المحتجين، وتتضمن أولا فك الارتباط بين الجامعات الأميركية وإسرائيل من خلال وقف وتصفية الاستثمارات التي تقوم بها هذه الجامعات، سواء بشكل مباشر في إسرائيل أو من خلال وضعها في شركات لديها أنشطة تجارية واقتصادية ومالية في إسرائيل؛ وثاني المطالب هو الكشف عن الاستثمارات التي تقوم بها هذه الجامعات بشكل عام، وهذا يعتبر حقاً أصيلاً في الثقافة الأميركية تطبيقا لمبدأ الشفافية، خاصة وأن الطلاب يدفعون مبالغ باهظة للحصول على الخدمة التعليمية في هذه الجامعات، حيث إن التعليم الجامعي ليس مجانياً بأميركا، وبالتالي يحق للطلاب أن يحصلوا على كافة المعلومات الخاصة باستثمارات جامعاتهم. المطلب الثالث للمحتجين هو المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل عقاباً لها على جرائمها في حق الفلسطينيين، والرابع والأخير هو عدم اتخاذ أية إجراءات تأديبية أو عقابية باتجاه الطلاب والأساتذة والموظفين الذين يشاركون في الحراك الطلابي كنوع من الانتقام.. كل هذه المطالب مقدمة مقابل أن ينهي الطلاب احتجاجاتهم واعتصامهم.

وحتى الآن نجح الحراك الطلابي في انتزاع هذه الحقوق في ثمانية جامعات هي براون ونورث إيسترن ومينسغوتا وفيرمونت ورتجرز وإيفرجرين وكاليفورنيا – ريفيرسايد وهاملين بولاية مينسوتا؛ حيث وافقت إدارات هذه الجامعات على التعاطي بإيجابية مع مطالب المحتجين والمتظاهرين مقابل أن يقوموا بإنهاء احتجاجاتهم وفض اعتصامهم.

الطريقة الثانية، هي المواجهة عن طريق العنف والخشونة والتشويه، وهي التي تم التعامل من خلالها مع بعض الاحتجاجات والاعتصامات، وذلك على غرار ما حدث في جامعة كولومبيا، التي استدعت رئيستها “نعمت شفيق” الشرطة كي تقوم بفض الاعتصام، وهو ما أطلق شرارة الحراك الطلابي في بقية الجامعات الأميركية. وقد رأينا على مدار الأيام الأخيرة استخداماً للعنف في التعاطي مع المحتجين بطريقة صادمة لم يتوقعها أحد، كما حدث في جامعات كولومبيا وتكساس وفيرجينيا وويسكونسن ماديسون وغيرها؛ كما امتنعت الشرطة عن حماية طلاب جامعة كاليفورنيا- لوس أنجليس، الذين هاجمتهم مجموعات صهيونية بشكل هيستيري وأصابت بعض المتظاهرين.

ومن ضمن تكتيكات هذه الطريقة أيضا تشويه الحراك، وتوجيه كافة أنواع الاتهامات السخيفة للمشاركين فيه، مثل أنهم يحصلون على أموال للقيام بهذه التظاهرات والاحتجاجات، وأنهم مدفوعون بأجندات وأطراف خارجية، وأنهم تابعون لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، أو أنهم محرومون جنسيا، أو أنهم مغرّر بهم ولا يفهمون شيئا عن الموضوع، أو أن الطلاب الذين يقودون الحراك ما هم سوى مجموعة من الغوغاء الجامحين.. وهي الاتهامات نفسها التي توجهها الأنظمة السلطوية لكل مخالفيها ومعارضيها.

كذلك من ضمن تكتيكات هذه الطريقة استخدام النفوذ والضغط المالي ضد الطلاب المحتجين، وهناك أكثر من رجل أعمال صهيوني أو متصهين أعلن عن وقفه للتبرع وتمويل الجامعات التي تتبع أسلوب الحوار والتفاوض مع الطلاب المحتجين، ناهيك عن التربص بالطلاب والتوعد بعدم توظيفهم في المستقبل بعدما يتخرجوا.. وأخيرا، القيام بالضغط السياسي على الجامعات.

كل هذه الإجراءات تكشف حجم التوتر والقلق الذي سببه الحراك الطلابي في الأوساط السياسية والإعلامية بأميركا، وذلك بعد أن باتت كل الأنظار متجهة إليه؛ ورغم ذلك فإن هذه الاجراءات لم تفتّ في عضد هؤلاء الطلاب، ولم تؤثر في عزيمتهم وإصرارهم على استكمال مظاهراتهم واحتجاجاتهم حتى يتم تحقيق مطالبهم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...