عن الذين لا يعرفهم عمر!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 27 يوليو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 27 يوليو, 2024

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة.

قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟

‏فعد السائب أسماء من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين!. فبكى عمر، وقال: وما ضرهم ألا يعرفهم عمر؟ إن الله يعرفهم!

***

في غزّة الألوف من الذين لا يعرفهم أحد، ولكن يكفيهم أن الله يعرفهم!

مئات الكيلومترات من الأنفاق حفرها الذين لا يعرفهم إلا رب عمر، عشرات ألوف الصواريخ صنعها الذين لا يعرفهم إلا رب عمر، أطنان من قذائف الياسين، اختلطت حشواتها المتفجرة بعرق رجال لا يعرفهم إلا رب عمر، ألوف من عبوات الشواظ صنعت بينما كنت تلهو! صنعها رجال لا يعرفهم إلا رب عمر.. وقناصة الغول، فخر الصناعة القسامية، صنعها رجال لا يعرفهم إلا رب عمر!

أنت لم تشاهد إلا المشهد الأخير من الحكاية، ولكن رب عمر كان شاهدا على كل شيء!. أنت لم تر إلا بسالة الالتحام والمواجهة، ولكن رب عمر كان شاهدا على آلاف ساعات التدريب، أنت لم تر إلا ثبات قوات النخبة، ولكن رب عمر كان شاهدا على سنوات من غرس العقيدة والإعداد الفكري والنفسي!

أنت رأيت صمود الناس، ولكن رب عمر كان شاهدا على عقود من برامج تحويل غزة من مدينة إلى مسجد!. أنت رأيت صفوة الحفاظ، وألوفا يسردون القرآن في جلسة واحدة، ولكن رب عمر كان شاهدا على الجهد والوقت والمال الذي بُذل لترى أنت هذا المشهد!

أنت رأيت الشهيد الساجد، إن لله عبادا شاء أن يُظهرهم، وله عباد شاء أن يخفيهم.. ألوف لم يوثق أحد لحظة استشهادهم، لم يسجل أحد آخر أصواتهم وهم يقولون: اللهم خذ من دمنا حتى ترضى.. ولكن يكفي أن رب عمر رأى وسمع!

شباب كمين الزنة.. أنت لم تر إلا أياديهم، ولكن رب عمر يعرفهم، ومعهم مئات من أبطال الكمائن الأخرى، غادرنا أبطالها خفافا دون أن تسلط عليهم الأضواء، ودون أن يأخذوا نصيبهم من التصفيق، هكذا هي بعض البطولات قدرها أن تبقى خبيئة إلى أن يُظهر رب عمر أصحابها على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، يبعثون بجراحهم، اللون لون الورد، والريح ريح المسك!

***

يحدثنا الإمام الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام” بفخر أنه كان في جيش هارون الرشيد عشرون ألف مجاهد لا يكتبون أسماءهم في ديوان الجند، ولا يأخذون مرتباتهم، كي لا يعلمهم أحد إلا الله!

لله غزة، ولله قسامها، والله إن بعضهم كانوا يحفرون طوال الليل، فإذا أذن الفجر، خرجوا بغبارهم إلى المساجد، ثم عادوا إلى بيوتهم، فناموا ساعتين، ثم استيقظوا وذهبوا إلى جامعاتهم ووظائفهم!

أنت لا تعرفهم، ولكن رب عمر يعرفهم!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

2 التعليقات

  1. مصطفى علي

    جزاكم الله خيراً، دكتور أدهم، وأحسن إليكم، وسدد الله رميكم وجعل سهامكم الثاقبة في قلوب الطغاة وزبانيتهم ممن جلبوا الذل والهوان لوطننا الغالي.

    وأسأله تعالى أن يوفق مسعاكم .. ويرزقنا وإيّاكم الإخلاص والصدق في القول والعمل. وأن يُنعم علينا وعليكم وعلى أهلنا في غزة وفي سوريا بفرجٍ وفرحٍ قريبين.

    إنّه ربّي وليّ ذلك والقادر عليه

    الرد
  2. ماجد البرغوثي

    حفظك الله

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...