“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 17 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 17 نوفمبر, 2024

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه “العرب العثمانيون”، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة .

فالإسلام ليس مجرد رسالة تُوجه إلى فئة أو عرق معين، بل هو رسالة كونية تتجاوز حدود الجغرافيا واللغة والثقافة، وتخاطب الإنسان كإنسان .وقد قام الإسلام على مبدأ التوحيد، ومن معاني توحيد الله سبحانه وتعالى توحيد البشر جميعاً تحت مظلة المبادئ الإلهية السامية، كالعدالة والكرامة الإنسانية.. هذه الفلسفة الجلية العلية تتجلى في الآية القرآنية: {يا أيُّها النَّاس إنَّا خلقناكم من ذكَرٍ وأُنثىٰ وجعلناكم شعوبًا وقبائل لِتعارفوا إنَّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم} [سورة الحجرات: 13]. فنجد هنا إلغاء التفاضل العرقي لصالح التفاضل الأخلاقي والروحاني، الذي يتجاوز حدود المادة والعرق.

والتاريخ السياسي الإسلامي حافل بأمثلة تبين كيف احتضن الإسلام شعوباً من أعراق وثقافات متعددة، وأذاب الحواجز التي كانت تفصل بينهم؛ فالأتراك -مثلاً- لم يجدوا في الإسلام مجرد دين، بل إطاراً حضارياً أعاد تشكيل هويتهم، ما مكنهم من الإسهام في بناء الحضارة الإسلامية كقادة وسلاطين. والأكراد -كذلك- حملوا لواء الإسلام عبر شخصيات تاريخية عظيمة مثل صلاح الدين الأيوبي، الذي حرر القدس ووحد المسلمين. وكذلك العجم والفرس، لم يكونوا مجرد متلقين للإسلام، بل ساهموا في إثراء الفكر الإسلامي عبر علوم الفقه والفلسفة والكيمياء، ما يؤكد أن الإسلام لم يضع حدوداً ثقافية أو عرقية أمام الإبداع والمشاركة.

ولا ننسى الهنود والأفارقة، فقد مثل الإسلام لهم نقطة تحول كبرى!. ففي شبه القارة الهندية، ألغى الإسلام التقسيم الطبقي الذي فرضته بعض التقاليد الهندية القديمة، وقدم بديلاً قائماً على المساواة والعدالة. وفي أفريقيا، حرر الإسلام الإنسان الأفريقي من قيود الاستعباد الثقافي، وأعاد إليه كرامته، فبرز علماء وقادة أفارقة في التاريخ الإسلامي.

هذه العمومية لم تكن مجرد شعارات، بل تمثلت في ممارسات المعلم الأول، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كسر جميع الحواجز العرقية في مجتمعه؛ فقد جعل من بلال بن رباح، وهو عبد سابق ذو بشرة سوداء، سيدنا جميعاً و رمزاً لكرامة الإنسان!. وكذلك استقبل النبي الأعظم سلمان الفارسي، الذي كان غريباً عن شبه الجزيرة العربية، واحتضنه كأحد أفراد أسرته الروحية.

فما زال الإسلام بحضارته ومنطلقاته وفلسفته يؤكد أن اختلاف الأعراق ليس مدعاة للتفرقة، بل للتعارف والتعايش السلمي، والسعي لبناء وديمومة الحضارة الإنسانية .

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...