
احتجاجات فرنسا
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 12 يوليو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 12 يوليو, 2023
احتجاجات فرنسا
تمثل الاحتجاجات القوية التي تشهدها فرنسا أهم حدث أوروبي على الإطلاق اليوم، خاصة مع توسع الاحتجاجات إلى دول أوروبية مجاورة مثل بلجيكا وسويسرا؛ وهذه ليست المرة الأولى التي تعرف فيها باريس احتجاجات اجتماعية بهذا العنف أو بهذه الخصائص، لكن السياق الأوروبي والفرنسي حول مستقبل الهجرة والمهاجرين، وصعود أطروحات اليمين المتطرف على الساحة الأوروبية، يمثلان عناصر جديدة تشي بأن ردة الفعل الشعبية والرسمية الأوروبية لن تكون هذه المرة كسابقاتها.
من جهة مقابلة تشكل ردة الفعل العربية الشعبية والنخبوية تجاه هذه الاحتجاجات وتباين المواقف منها، عنصرا هاما يساعد على فهم كيفية تمثّل العرب لأنفسهم مهاجرين في السياق الأوروبي.
أعقب هذه الحادثة خروج المحتجين الشباب من سكان الضواحي خاصة، للاحتجاج عبر أعمال الحرق والعنف ومهاجمة قوات الشرطة
الشرارة والحطب
في يوم الثلاثاء، 27 من الشهر الجاري، رصدت دورية لشرطة المرور الفرنسية سيارة يقودها شباب يافعون، فلحقتها وطالبت السائق بالتوقف تحت تهديد السلاح؛ وحين رفض السائق الامتثال لأوامر الشرطي أطلق عليه الرصاص مباشرة في الصدر ليلقى حتفه سريعا.
بعدها صرحت الشرطة بأن الشرطي أطلق النار في إطار الدفاع عن النفس، بعد أن حاول السائق “نائيل” دهس الشرطي بسيارته؛ لكن مقطع فيديو يوثق الحادثة انتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر أن الشرطي لم يكن في حالة دفاع عن النفس، وأن نية القتل كانت مبيتة بعد سماع صوت الشرطي الآخر وهو يطلب منه إطلاق النار على السائق. فبين رواية الشرطة والإعلام الرسمي، وبين الحقيقة التي كشفها المقطع المصوَّر، كانت الصدمة التي أنتجت الشرارة مشعلة الاحتجاجات التي لا تزال تعم فرنسا.
أعقب هذه الحادثة خروج المحتجين الشباب من سكان الضواحي خاصة، للاحتجاج عبر أعمال الحرق والعنف ومهاجمة قوات الشرطة، ثم تطورت الأحداث بعد ذلك إلى نهب المحلات وإحراق المرافق العمومية والسيارات. تواصلت هذه الأعمال ملحقة بالممتلكات خسائر فادحة، لكنها أيضا خلقت حالة من الرعب والهلع بين السكان بسبب العنف الشديد، الذي تميزت به ردود أفعال شباب يافع لم يتجاوز عشرين سنة في الغالب.
ردود الفعل الفرنسية
تباينت ردود الفعل واختلفت، لكنه يمكن حصرها في ثلاثة مستويات أساسية:
أما المستوى الأول فتمثله ردود الأفعال المتطرفة، التي تنقسم بدورها إلى ردة فعل سياسية لقوى اليمين المتطرف، وهي التي أسست خطابها السياسي على معاداة المهاجرين، خاصة أولئك القادمين من أفريقيا، وبشكل أخص المسلمين من المغرب العربي؛ إضافة إلى ردة الفعل الشعبية التي ترى في المهاجرين خطرا على الهوية الفرنسية، وأنهم يحاولون فرض ثقافات وسلوكات بديلة، تهدد مشروع الاندماج الذي طرحته النخب الفرنسية وتبنته الحكومات المتعاقبة.
يظهر المستوى الثاني في خطاب سياسي يساري، يرى أن المهاجرين جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الفرنسي، وأنهم لا يشكلون خطرا على الهوية الفرنسية، بل إنهم رافد أساسي من روافد تجديد المشهد الفرنسي اجتماعيا واقتصاديا وديمغرافيا؛ وبناء عليه يرى أصحاب هذا الموقف أن التهميش الاجتماعي والبطالة وعدم تكافؤ الفرص هي الأسباب الأساسية لطفرات العنف التي تظهر من حين لآخر بين شباب المهاجرين.
يُحمّل الموقف الأول الحكومة الفرنسية مسؤولية التساهل مع العنف الاجتماعي والسكوت عن أعمال التخريب، نظرا لما يراه سياسة هجرة فاشلة انتهجتها، ويطالبها بصرامة أكبر تصل إلى حدِّ طرد المهاجرين من البلاد. أما الموقف الثاني فيُحمّل الحكومة والطبقة السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، إذ يرى أن سياسة التهميش والإقصاء المتعمدة للمهاجرين، وحشرهم في مناطق سكنية معزولة، قد أدى إلى ردات الفعل العنيفة التي كانت منتظرة.
أما الموقف الثالث فهو موقف وسطي، يربط مسؤولية ما يحدث بفشل النموذج الاجتماعي الفرنسي بالشكل الذي صيغ به منذ ستينات القرن الماضي، ولا يرى أعمال العنف التي نشهدها إلا إنذارا ودليلا على هذا الفشل؛ ويعتبر أن ذلك يوجب وضع سياسات اجتماعية جديدة تمنع تجدد هذه الهزات. هذا الموقف يُحمِّل الشرطة من جهة مسؤولية العنف المتصاعد، لكنه لا ينفي مسؤولية أولياء المهاجرين في مزيد الإحاطة بأبنائهم، فهم ليسوا دائما ضحايا للظلم المسلط عليهم.
لكن كل ردود الأفعال والمواقف السياسية تشترك في الإقرار بأنه لا يمكن لفرنسا أن تتقدم في هذا المسار نفسه؛ لأن أحداث 2005 التي تشابه إلى حدّ كبير أحداث اليوم، تؤكد أن جذور المشكلة عميقة جدا. فقد أدى، آنذاك، مقتل شابين من مالي وتونس “زياد وبونا” بعد مطاردة الشرطة إلى انفجار أعمال عنف كبيرة، بعدها وعدت الحكومة بالنظر في سياسة الاندماج والهجرة دون أن يحدث بعد ذلك تغيير يُذكر.
الخاصية الأساسية التي تميز الموقف العربي العام، هي عدم قدرته على التفريق بين المطالب الاجتماعية التي تحدث في إطار نظام ديمقراطي يكفل حق التظاهر والتعبير
العرب واحتجاجات فرنسا
الموقف العربي الشعبي من احتجاجات فرنسا على قدر كبير من الأهمية، لأنه يسمح برصد تصوّر العرب لأنفسهم باعتبارهم مهاجرين في السياق الأوروبي؛ ولا نقصد بذلك العرب المقيمين في فرنسا، بل موقف الشعوب المقيمة في البلاد العربية نفسها.
رأى كثيرون أن هذا العنف وهذه الاحتجاجات فعل ثوري يؤدب الغطرسة الفرنسية، ويعاقبها على أفعالها في بلاد العرب التي احتلتها وعبثت بأمنها، وهو موقف عاطفيّ يعوّض الهزيمة الحضارية والتاريخية؛ فلا علاقة سببيّة بين التاريخ الفرنسي والجزء الاستعماري منه، وبين الاحتجاجات العنيفة اليوم، التي جاءت ردة فعل على فشل نظام اجتماعي معين، وإن كان مصدر هذه الاحتجاجات في جزء منه مرتبطا بالهجرة والمهاجرين.
قبل احتجاجات الأحياء كانت احتجاجات السترات الصفراء، التي شهدت أعمال عنف واسعة امتدت إلى أشهر طويلة؛ كما أن إجراءات الحكومة بشأن نظام التقاعد قد تسببت في مظاهرات ضخمة في كامل مدن فرنسا، وتخللتها أعمال عنف ونهب. وهو ما يؤكد ما ذهب إليه أغلب المحللين في فرنسا، من أنّ الاحتجاجات الأخيرة ليست إلا مؤشرا على أزمة اقتصادية واجتماعية تستوجب حلولا سياسية عاجلة.
أما الموقف المقابل فقد كشف عن جهل عميق بالسياق الفرنسي، حيث رأى أصحابه أن العرب المهاجرين هناك هم سبب للعنف والتطرف، بل ذهب بعضهم إلى المطالبة بترحيل الأجانب إلى بلدانهم؛ وبقطع النظر عما تحمله هذه الرؤية من طابع عنصري فاقع، فإنها تكشف عن جهل هؤلاء بأن من قام بالاحتجاجات فرنسيون من الجيل الثالث والرابع، وأنهم درسوا وتربوا في المدارس الفرنسية، وهم نتاج لنظام اجتماعي وثقافي وسياسي ظالم.
إن الخاصية الأساسية التي تميز الموقف العربي العام، هي عدم قدرته على التفريق بين المطالب الاجتماعية التي تحدث في إطار نظام ديمقراطي يكفل حق التظاهر والتعبير، وبين الاحتجاجات العربية التي تحدث في سياق القمع والاستبداد والديكتاتورية؛ وهذا ما أسقط مختلف القراءات في الخلط والتعميم.. السياق الفرنسي مختلف تماما عن السياق العربي، ولهذا فإن كل مقارنة بين السياقين دون مراعاة فرق الحرية هي مقاربة غير موضوعية.
ما يُطرح في فرنسا اليوم، هو ضرورة مراجعة شاملة وجذرية لقضية الهجرة والمهاجرين من جهة، وإعادة النظر في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للجاليات الفرنسية من أصول أفريقية ومغاربية من جهة أخرى؛ وهو المخرج الوحيد الذي يمكن أن يساهم في منع صعود اليمين المتطرف وأطروحاته العنصرية، لأن السكوت عن الوضع القائم قد يهدد البلاد بهزات أعنف في المستقبل.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق