الأدب بين المتعة والحقيقة!
بقلم: أدهم شرقاوي
| 30 سبتمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم شرقاوي
| 30 سبتمبر, 2023
الأدب بين المتعة والحقيقة!
عن الحُبّ تحت فُوَّهات البنادق كتبتُ روايتي الأولى “نبض”؛ وكنتُ وما زلتُ كارها للحرب، ولكني أفهم هذا العالم جيدا، وأعرف أن وقوع الأشياء ليس مرهونا بمدى حبنا أو بغضنا لها.. ستقع أشياء كثيرة نكرهها، وستفوتنا أشياء كثيرة نحبها!.
وعلاقة الإنسان بهذه الحياة ليست علاقة حب، وإنما هي علاقة فهم العوامل المؤثرة فيها، والأشياء التي تحرّكها؛ إن أحببتَ الحياة فلن تتزوجها، وإن كرهتها فلن تطلّقها، أنتَ تخضع لها نهاية المطاف، بغضِّ النظر عن مشاعرك تجاهها؛ والعقلاء فيها يحاولون أن يكونوا لاعبين فيها، لا مجرد أوراق لعب! على أنّ الحرب التي أكرهها، أفهم تماما أنها قد تكون خيارا وحيدا للساسة أحيانا، ولو كنتُ أحدهم لربما خضتُها على مبدأ “مجبرٌ أخاكَ لا بطل”.
وبالعودة إلى رواية “نبض”.. كان عندي مشوار طويل رفقة زوجتي لزيارة أهلها في شمال لبنان، ونحن نسكن جنوبه، فأخذتْ زوجتي الرواية معها لتقرأها في الطريق. قرأتْ جزءا منها في طريق الذهاب، وكانت سعيدة بالأحداث، وتخبرني أنها أحبّتْ البطلة كثيرا، وأن الحوارات بينها وبين حبيبها ذكية وممتعة؛ وفي طريق العودة كانت تكمل ما تبقى لها من فصول.. بينما كنتُ أنا أقود السيارة وأُردد أذكار المساء، شيء من الصمت كان مخيما، قطعه صوتها الممزوج بالأسى: كنتُ أعرف أنكَ ستقتلها!
نظرتُ إليها فإذا عيناها ممتلئتان بالدموع، وملامح الحزن بادية على وجهها، كأني قتلت “نبض” في الواقع بإطلاق النار على رأسها، ولم أقتلها على الورق فقط!. قلتُ لها يومذاك: كان بإمكاني أن أُغيّر الأحداث، وأصنع نهاية سعيدة، أزُفُّ بها نبض إلى حبيبها، ولكنكِ لن تكرهي الحربَ كما جعلتُكِ تكرهينها الآن.. أما دموعكِ، وإن كانت عزيزة عليَّ، فتعني أني نجحتُ ببلوغ هدفي!. لقد جعلتُ “نبض” صديقتكِ، وجعلتُكِ تُحبّينها كبعض أهلكِ، ثم قتلتها فأحزنتُكِ؛ أنا روائي أقيمُ الجنائز حيث يجب، ولست صاحب قاعة أفراح، ولا أكترث إن لم يتزوج الأبطال في نهاية الرواية، ما دام كثير من العشاق لا يتزوجون لأن الحرب تسرق من الناس أحبابهم.
منذ قرابة شهر طلبتْ مني أن أُرشّح لها رواية لتقرأها، رشّحتُ لها رواية “الساعة الخامسة والعشرون” للكاتب “قسطنطين جيورجيو”.. كنتُ كل يوم أجلس لأكتب على الشرفة، فتجلس بجواري تقرأ الرواية، وكل مرّة تقرأُ فيها تخبرني أن الرواية ليست جميلة، إنها مليئة بالمواقف القاسية، والشخصيات الظالمة!. وكنتُ كل مرّة أطلب منها أن تكمل الرواية، فأكملتْها لا من باب المتعة، وإنما من باب الفضول لتعرف ما الذي سيحدث. وبعد أن انتهت منها كتبتْ في صفحتها في الفيسبوك أن الرواية لم تعجبها، للأسباب التي كانت تذكرها لي سابقا، أنها مليئة بالظلم، والقسوة، والفقد، والقتل!.
بالمناسبة، الرواية جميلة جدا، ولكن الحياة أحياناً قبيحة؛ والحبكة الروائية فيها مُذهلة، غير أن الحياة أكثر غرابة!. تسلسل الأحداث فيها مشوّق، حتى وإن كنا نعرف تلك الحقبة من الزمن، وما دار قبل وبعد دخول الحلفاء إلى ألمانيا.
كل ما في الأمر أن في الدنيا أشخاصا خيّرين كزوجتي، يكرهون أن يروا الظلم، والفقر، والمعاناة، وإن سلموا هم منها! وزوجتي من الرِّقة بمكان أنها تسعد بخبر زواج حبيبة بحبيبها، ولو كانا في الهند؛ ولا تحتمل أن ترى مشاهد الموت، ولو ِلقطّة دُهست في الشارع!
أنا وإن كنتُ الشطر الآخر منها، فكل حبيبين حبّة، إلا أنني أفهم جيدا أن الحياة معترك، وأن الأدب ليست وظيفته جلب المتعة بقدر ما هي كشف الحقيقة، والحقيقة دوماً مؤلمة!.
وظيفة الروائي أن يضع يده على الجرح وإن كان هذا يُحدِث ألما، وأن يُعرّي البشاعة وإن بدا الأمر سوداويّا! الأدب نهاية المطاف فعل إيقاظ الناس، لا حقنهم بإبر مُخدِّرة، والروائيّ البارع هو الذي يجعلك تحب بعض شخصيات روايته، ويجعلك تكره بعضهم أيضا! ومتى فعل ذلك فقد نجح في عمل أدبيّ يضجّ بالحياة!.
قال لي صديق مرَّة: أكره جدا أدوار “محمود المليجي” إنه يُقدِّم شخصيات شريرة بلا رحمة.. فقلتُ له: هذا يعني أنه ممثل بارع، وأنه نجح في إيصال الرسالة الذي تم بناء هذه الشخصية لأجلها!.
لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
0 تعليق