التذوق الأدبي
بقلم: أيمن العتوم
| 24 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 24 يوليو, 2023
التذوق الأدبي
يقول بعضنا: نقرأ، كأننا نقرأ حُجُبا، أو كأننا نقرأ طلاسم.. ويقرأ آخرون كأنهم يقرؤون خبرا في صحيفة أو إعلانا في زاوية!.
كلاهما يقرأ بلسانه، وعقلُه غائب، ووجدانُه ذائب؛ وقراءة النص الأدبي، شعرا أو نثرا، إن فقدت التذوق الأدبي تحولت إلى طلاسم كما قال الفريق الأول، وإلى حروف جامدة كما قال الفريق الثاني؛ فإذا أردت أيها المريد أن أدلك على دروب إذا سلكتَها حزت هذه الملَكة، فتعال أخبرك.
التذوق حالة وجدانية لا يمكن أن يكون لها قانون محدد، وإن كان يحكمها بالفعل قانون، ولكنه قانون ذوقي مستمد من الاسم تماما.
على المرء أن يدخل أولا مراتع الشعر الجاهلي، فيقرأ كل شاعر مدة، أو ينوع بين كل شاعر وآخر؛ وكل شاعر من هؤلاء الشعراء يُعَدّ لبنة، إنها لبنة صلبة.. مجموع هؤلاء الشعراء بعد أنْ يقضي معهم سنة كاملة على الأقل، سيشكل له بناء، وهذا البناء كامل متكامل متنوع، متعدد الغرف والممرات، غير أنه على باب المدخل تواجهك لبنات الشعراء الذين قام عليهم هذا البناء، إنها -كما قلت- كلها لبنات صلبة صلدة، ولكن بينها فروقا جلية، فلبنة امرئ القيس صلبة إلى خشونة ووعورة، ولبنة عنترة صلدة غير أنّها ملساء، ولبنة الشنفرى أشد اللبنات خشونة مع صلادتها، وهكذا..
ثم يزعم المريد أنه تذوق الشعر، وأصبح يحوز هذه الملَكة، غير أنه ما زال في البناء الجاهلي، وهو على أوليته ومتانته ورسوخه في الأرض ليس البناء الوحيد؛ فإذا خرج من ذلك البناء، وتجول في فضاء الشعر ومرابع الأدب فسيرى أَبنية أُخرى، بعضها أضخم من البناء الأول، وبعضها أصغر؛ سيجد بناء شعر صدر الإسلام، وبناء الشعر الأموي، وبناء الشعر العباسي، وبناء الشعر الأندلسي.
وإذاً فعليه أنْ يدخل كل بناء منها بمقدار حتى يتذوق ما فيه من جمال.. سيجد أن بناء الشعر العباسي -مثلا- أكبر من بناء الشعر الجاهلي وأكثر ألوانا، فبينما كانت حجارة الجاهلي تتراوح بين الأسود والرمادي، صار عندك هنا من كل لون، ولكن الحجارة ذاتها التي قام عليها البناء، أشدّ ليونة وأكثر ملوسة؛ فإذا دخلتَ بناء الشعر الأندلسي، وجدتَه قد فاق في ألوانه كل بناء، ولكن حجارته قد رقّت حتّى كادت أن تتكسر بين يديك، ووجدتَ ثَمَّ على كل شرفة عددا من الأزهار، ومن تحت كل مشربية تتدلى أعداد من البَهار.
فإذا تم له التّجوال ثلاثة أعوام إلى خمسة على الأقل بين هذه الأبينة، سيكون ذوقُه في الاختيار قد حَكُم، فيأخذ من كل بناء بخمسمئة بيت على الأقل، وقد يأخذ من بناء أكثر من غيره أو أقل، بحسب تلك الذائقة التي تشكلتْ مع الزمن. إن هذا الحفظ سيتيح له أن يقبض على الخيط الذي ينظم أسلوب البَنَّاء الذي قام على كل بِناء، فإن البَنّاء الذي قام على الشعر الجاهلي غير الذي قام على العباسي، غير الّذي قام على شعر الصعاليك، وهكذا.. إنه بلا شك سيكون آنئذ قادرا، بعد هذه السنوات، على أن يحكم أنّ هذا البيت يعود إلى البناء الفلاني دون الآخر، وإن اختلطتْ عليه بعض النسوج، وحينها سيعرف أن الذي قال:
أُنبِئـتُ أن أَبا قابوس أَوْعَـدَني .. وَلا قرار على زأر من الأَسد
هو مصدر الذي قال:
أُنْبِئتُ أن رسول الله أَوعـدني .. والعفو عند رسول الله مأمول
وسيدرك أن العقل الذي نطق عن:
وقوفا بها صحبي عليَّ مَطِيّهم .. يقولون لا تهـلك أسى وَتجمَّـل
هو العقل ذاته الذي نطق عن:
وقوفا بها صحْبي علَيَّ مطيّهم .. يقـولون لا تهـلـك أسى وتَجلّـَد
فإذا تم لك الحفظ، جاءك الفهم والتأمل، وقد قدمت الحفظ على الفهم، لأن الحفظ يمكّنك من القبض على النسيج، والفهم يمكّنك من رؤية تفاصيل ذلك النسيج. إن فهم البيت الشعري يُدخلُك فضاءه الذي هو فضاء الحائك الذي حاكه وصاغه، ولا أجمل في هذه المرحلة من التجوال في فضاءات هؤلاء العباقرة!. ستجد أن لهم عقولا تختلف، يضرب فيهم شعاع النور المناطق المعتمة فيُضيئُها، وستدرك أن عقولهم تتيح لك أن تركض في تلك السهوب بكل ما فيها من أسرار، دون أن يصعد في وجهك أي جدار من أي نوع.
فإذا تم لك التأمل، فاقرأ أيها المريد ما حفظتَ قراءة جهرية، ترنّم بما قَرّ في جعبتك، ألقِ هذا الشعر على طلابك، في الشارع، في المقهى، بصوت عال ومن دون خجل، وألقِه في أي جمهرة من الناس طلبوا منك ذلك أم لم يطلبوا؛ فإذا وجدتَ نفسك خالِيا منهم فألقِه على نفسك أمام المرآة.. فإذا مضيت فصرتَ في صعيد من الأرض ليس فيها غير الشجر والحجر والسماء، فألقِه على هؤلاء فإنهم يسمعونك أكثر من البشر ويتجاوبون معك، وتتردد صدى كلماتك في قلوبهم.
فإن وعيتَ ذلك كله تمّتْ لك الذائقة الأدبية إن شاء الله.
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر للتعامل مع زوجة أبيه، ولن يعرف قيمة الدكتورة فوزية عبد الستار، إلا من يجد نفسه مضطراً للاشتباك مع إبراهيم الهنيدي. الأولى كانت رئيسة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب المصري حتى برلمان 1995، والثاني هو رئيس اللجنة...
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
0 تعليق