الدنيا كالمسجد.. ميدان عبادة!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 20 مايو, 2023

بقلم: أدهم شرقاوي

| 20 مايو, 2023

الدنيا كالمسجد.. ميدان عبادة!

روى ابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن الجوزي في عيون الحكايات: إن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها سبعة ملوك كلهم ذرية بعض، فقال: أبقي من نسل الملوك الذين ملكوا هذه المدينة أحد؟
فقالوا: نعم، رجل يكون في المقابر!.
فدعا به، فقال له: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟
فقال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت عظامهم وعظام عبيدهم سواء؟
فقال له: هل لك أن تتبعني، فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة؟
فقال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك!
فقال الإسكندر: وما بغيتك؟
قال: حياة لا موت فيها، وشباب ليس معه هرم، وغنى لا يعقبه فقر، وسرور لا مكروه فيه!
فقال: ليس عندي هذا!
فقال له: امض في شأنك أيها الملك، ودعني أطلب هذا ممن هو عنده، ويمكله!
فمضى الإسكندر وهو يقول: هذا أعقل من رأيت!.

معالجة المرضى بمخافة الله عبادة للطبيب، وحراسة الحدود بتقوى الله عبادة للجنود، وشق الطرق وإنشاء الجسور بمراقبة الله عبادة للمهندس، وصدق المواعيد وإتقان العمل برضى الله عبادة للحداد والنجار والميكانيكي!.

القصة جميلة لا شك، وقد يجد فيها الوعاظ ضالة منشودة، وإذا ما رواها خطيب في حضرة الموت، وتزهيد الناس في الدنيا فإنها تقع في قلوب السامعين موقعا حسنا؛ غير أني ضد تكريس مفهوم الانطواء، واعتزال الحياة تحت مسمى الزهد في الدنيا!.
نعم على الإنسان أن يفهم حقيقة أن الدنيا زائلة، وأننا مهما طال المطاف راحلون عنها، وأننا لن نصطحب معنا إلا أعمالنا، ولكن هذا المفهوم يتحقق حين نخوض غمار الدنيا ونجعلها في أيدينا لا في قلوبنا، أما الانطواء والتقوقع فهذه عبادة العاجزين التي لا يقوم بها دين ولا دنيا!.
لو لم يكن عثمان بن عفان تاجرا ثريا فمن أين له أن يجهز جيش العسرة، وينال الوسام النبوي الرفيع: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم؟!.
ولو لم يكن خالد بن الوليد فارسا مقداما يخوض غمار الحرب فمن أين له أن يهزم الجيوش، وينال اللقب الرفيع: سيف الله المسلول؟!.
ولو لم يكن حسان بن ثابت حاذقا في الشعر، عالما باللغة، فمن أين له أن يكون وزير إعلام الإسلام، وينال ذاك الحث النبوي العظيم: اهجهم وروح القدس معك؟!.
أبو بكر كان زاهدا ولكنه حين ارتدت العرب أشهر سيفه ولم يبن له صومعة!.
وعمر بن الخطاب كان زاهدا، ولكنه كسر إمبراطوريتي فارس والروم، ووضع التأريخ الهجري، وأنشأ الدواوين، وأقام البريد ونظام الرسائل!.
معالجة المرضى بمخافة الله عبادة للطبيب، وحراسة الحدود بتقوى الله عبادة للجنود، وشق الطرق وإنشاء الجسور بمراقبة الله عبادة للمهندس، وصدق المواعيد وإتقان العمل برضى الله عبادة للحداد والنجار والميكانيكي!.
فمن لعمارة الدنيا إذا انزوينا في الصوامع، ومن لرفعة هذه الأمة إذا أغلقنا الجامعات وأقمنا بدلا منها الزوايا والتكايا؟!.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...