المناصب تُجمِّل!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 9 سبتمبر, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 9 سبتمبر, 2023

المناصب تُجمِّل!

يقول “محمد كرد علي” في مذكراته:
قال لي رجل اختلط بأحد ملوك الشرق، إنه رآه لمَّا ضاع ملكه، أصبح كالطفل، وضعف تفكيره.. فقلت له: لقد كان كذلك طيلة عمره، وإنما كان سلطانه يستره!.
المناصب تُجمِّل أصحابها، وقد يجلس الصغير على الكرسي الكبير، فلا ينتبه أحد إلى حقيقة حجمه، لأن للكرسي رهبة تشغل الناس عن حقيقة الجالسين عليها، ولكن متى ما غادروها انكشفت عورة قدراتهم، وبان عوار إمكاناتهم، وبدت ضآلة مضمونهم!.
الأقلام دروع حصينة يختبىء خلفها الناس!. كثير من كلام الزهد لم يكتبه زاهد، وكثير من قصائد العشق نظمها لاهٍ، أغلب منشورات اللصوص هي عن الأمانة، وما أكثر كلام الغادرين عن الوفاء!. كثيرا ما يتذمَّر الذين لهم ألف وجه من ارتداء الناس للأقنعة، فلا تنخدعوا، يحدث أن يكون الناس في وادٍ وكلامهم في وادٍ، لم تعرف البشرية وسيلة للتخفي أنجح من الكتابة!.
يقول الجاحظ: الفرزدق زير نساء، وليس له في هذا بيت شعر واحد؛ وجرير عفيف، لم يعشق امرأة قط، ولكنه أغزل الناس شعرا!. وأزيدكم أنا من الشّعر بيتا، وفي المزمار نغمة.. عندما كان عمر بن أبي ربيعة على فراش الموت، أخذ يسأل الله المغفرة؛ فقيل له: بعد كل الذي كان منك؟ فأمسك إزاره وقال: والله ما فككته على حرام!.
اللاعب البطل الذي يُحمَل على الأكتاف ويعتلي منصات التتويج، ليس بالضرورة بطلا في الحياة، ثمة أبطال حملهم الناس بينما كان الذين عاشروهم يتمنون لو داسوهم بالأقدام! وكثير من الذين يُطلوِّن علينا في مواقع التواصل ويعلموننا كيف نعيش، حياتهم مزرية!. ليس الذي يعطي منصبه وقلمه وشهرته انطباعا عنه بأنه جيد هو بالضرورة إنسان جيد، وليس الذي نحكم عليه بالسوء لظاهر أمره هو بهذا السوء فعلا!.
هناك عصاة كُثر يحبون الله ورسوله، ولكن الشيطان غلبهم على أنفسهم، وبذرة الخير فيهم باقية، أساؤوا بحق أنفسهم ولكنهم ما أساؤوا بحق الآخرين!.
في الشام أيام الدولة العثمانية، لاحظ إمام مسجد السوق ضيقه على المصلين، فخطب يوم الجمعة، وحثّ المصلين التجار على بذل المال فلم يتصدق أحد! وعندما خرج من المسجد غاضبا لقيه جار المسجد، تاجر القماش الثري السِّكِّير، وسأله عن سبب غضبه، فأخبره، فنادى التاجر على مساعده أن يحضر كيس النقود، وكان النقد يومذاك ذهبا، وقال للشيخ: ادعُ اللهَ لي بالهداية! فقال له الشيخ: أخاف أن تصير مثلهم!.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...