صامدون

بواسطة | أبريل 8, 2024

بواسطة | أبريل 8, 2024

صامدون

منذ ما يقرب من ثمانية عقود، والعدوّ الصهيوني يرتكب المجازر، ويقتل ويذبح ويسجن، ولا يترك كبيرة إلا ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، ومع ذلك ما زال الشعب حتى هذه اللحظة يخرج له من بين الجنبات مقاوِمًا، ومن تحت شقوق الأرض مناضلاً، ويبرز لهم رعبًا في الساحات، وطيفًا مُفزِعًا في الخلوات.. وهنا يأتي السؤال الذي تحاول هذه المقالة الإجابة عنه: ما الذي جعل شعب فلسطين حيًّا وقضيته حيّة إلى اليوم، بعد هذه العقود الثمانية من الاحتلال والاقتلاع والتهجير والتطهير العرقي، مع أن غيرهم من الشعوب أُبيدوا إبادة كاملة أو شبه كاملة ولم يعد لهم وجود؟ (الهنود الحمر في أمريكا، والسكان الأصليون في أستراليا، وسكان ناميبيا في مطلع القرن العشرين على سبيل المثال).

لذلك أسبابٌ كثيرة، أوجزها في خمسة؛ أوّلها أنّ الشعب الفلسطيني حفظ له القرآن وجودَه، فكان المسجد الأقصى آية في كتاب الله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركْنا حوله}، وتَبِع ذلك أن الدفاع عن الأقصى هو دفاع عن مسرى رسول الله وعن دين الله وعن كتابه، فكان هذا القرآن أول الركائز التي أقامت لهذا الشعب وجوده.

وثانيًا: بعض أحاديث الرسول التي كانت ترى بنور الله أن هذه البلاد ستكون في قبضة أعداء الله في حقبة ما، فسَنّ لها الرسول شِرعةً من أجل أن تظلّ حيّة في وجدان المسلمين وشعورهم، ليس في وجدانهم فحسب بل وفي واقع حياتهم، وذلك من خلال حديثَين؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رُوي عن ميمونة، مولاة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قالت: قلتُ يا رسول الله أَفْتِنا في بيت المقدس قال: أرض المَحْشر والمَنْشَر ائْتُوه فصلُّوا فيه، فإن صلاة فيه كأَلْف صلاة في غيره، قلتُ أرأيت إن لم أستطع أن أتحمَّل إليه، قال فتُهْدي له زيْتًا يُسْرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه. [سنن ابن ماجة].. والحديث الآخر: “لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى”؛ فجعل أجرًا كبيرًا لمن صلى فيه، ولمن شدّ الرحال إليه، فكان ذلك رباطًا وثيقًا بيننا وبينه إلى يوم الدين.

وثالثًا: إننا أمّة اقرأ، ومن بوابة القراءة دخلنا إلى تاريخنا وتاريخ آبائنا وأجدادنا، فكان هذا التاريخ محفِّزًا لنا من أجل أن نسير على خطا المجاهدين والفاتحين.. التاريخ الذي يقول لنا على لسان السلطان عبد الحميد الثاني على سبيل المثال في ردّه على (هيرتزل): “إنني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض وروّاها بدمه”.

ورابعًا: إن ذاكرة الشعب المؤسسة على الكتابة لا تموت.. فنحن نروي لصغارنا وأطفالنا قصة نضالنا، والشعوب التي تروي حكايتها لا تموت؛ أما التي لم تكتب ولم تَرْوِ فما أسهل أن تندثر مع الزمن!

وخامسًا: هذه الحاضنة العربية الإسلامية وحتى الإنسانية من الشعوب، التي تؤمن بقدسيّة فلسطين فتقف مع أهلها في نضالهم الطويل، فأصحاب القضايا المتشابهة يجتمعون ويتّحدون في وجه جزّاريهم.

لهذه الأسباب الخمسة لم تمت قضية فلسطين، ولم يُمحَ شعبها، وسيبقَون ونبقى معهم صامدين بإذن الله تعالى حتى يوم يأتي وعد الله.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...