غزة والاستبسال في النزال

بواسطة | فبراير 28, 2024

بواسطة | فبراير 28, 2024

غزة والاستبسال في النزال

المقاومة الفلسطينية في غزة تكسر صورة الجيش الإسرائيلي المقدرة، مع ملاحظة الإعلام الغربي. حيث يبرز الصمود الغزاوي قدرة الفلسطينيين على التكيف والصمود.

صمود غزة يكسر أسطورة الجيش الإسرائيلي – دروس في المقاومة والعزيمة

الإعلام الغربي في معظمه شاهد زور على حرب إسرائيل على غزة، إلا أن بعض أدواته رغم هذا تعترف بين الحين والحين، بأن أهل غزة كسروا أسطورة الجيش الإسرائيلي “الذي لا يقهر”!

فها هو الجيش الذي هزم عدة  جيوش عربية في غضون أيام معدودة عام 1948، يواصل شن عدوانه الكاسح والغاشم على جيب فلسطيني قليل المساحة والسكان، منذ أكثر من أربعة أشهر، ويعجز عن تحقيق غايته المعلنة، ألا وهي إعادة استعمار غزة وتهجير معظم سكانها. وقد توقفت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية طويلا عند ما أسمته الـ resilience الغزاوي، والكلمة تعني الصمود والقدرة على التكيف والتأقلم واستعادة القدرات، ولكن أكثر ما لفت انتباهها ليس قدرات الغزاويين القتالية فحسب، بل كيف تقاسم أهل غزة على اختلاف مهنهم وقدراتهم الأعباء.

ففي ما تبقى فيها من مستشفيات، صار متوسط ساعات العمل للكادر الطبي 21 ساعة في اليوم، وسيارات التاكسي في غزة تحولت بقرارات من أصحابها إلى مركبات إسعاف الجرحى ونقل الموتى، بينما يمارس آلاف المتطوعين مهام الدفاع المدني، أما الصحفيون والمصورون الفلسطينيون، فقد ضربوا المثال في التفاني المهني بوجودهم على خطوط النار، وبدفع أكثر من مائة منهم ضريبة المهنة من دمائهم ودماء أقاربهم.

بدورها كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حقيقة أن صمود حركة “حماس” أثار دهشة الاستخبارات الأمريكية، التي لم تتوقع أن يعجز الجيش الإسرائيلي بعديد قواته البالغ 1.705.00 ومعهم 465.000 من جنود الاحتياط، عن سحق المقاومة في غزة التي يتراوح عدد حاملي السلاح فيها بين 30.000 و40.000؛ وشتان ما بين السلاح اليدوي لدى كتائب القسام، وبين ما لدى جيش يملك 648 طائرة مقاتلة وآلاف الدبابات والمدافع الثقيلة والخفيفة. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قوله “بعد فشلنا في تحقيق الهدف، ليس علينا أن نفوز، بل علينا الآن ألا نخسر”؛ بينما قال الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي كان قائدا للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط “لقد أظهرت حماس أنها لا تزال قادرة على القتال بشكل مذهل”.

استبسال وصمود غزة نسف جوهر عقيدة الجيش الإسرائيلي، وهي الدفاع عن الدولة اليهودية، فإذا بهذا الجيش يعجز عن هزيمة مسلحي حركة حماس، وهم ليسوا أكثر من مجموعات صغيرة من المدنيين، ظلوا يعيشون في “جيب” غزة الذي ظل خاضعا لحصار ثلاثي (إسرائيلي- مصري- فلسطيني) زهاء 15 سنة، وكان قبلها – ومنذ عام 1967- نسيا منسيا.

تحوز إسرائيل جيشا لديه عتاد شديد التطور، ولكنه فضلُ زادِ الولايات المتحدة، التي يشاع أنها الأقوى عسكريا في العالم المعاصر، وهذه فرية من أساطير الآخرين، تم الترويج لها بعد الحرب العالمية الثانية؛ بينما وقائع تلك الحرب تفيد بأن الجيش السوفييتي، الذي تولى القتال بمفرده في الجبهة الشرقية، كان أفضل بلاء من الجيش الأمريكي، الذي قاتل في الجبهة الغربية مسنودا بعدد من جيوش حلفائه، وفاز الجيش السوفييتي بشرف دخول برلين، ودك آخر قلاع النازية وحمل هتلر على الانتحار.. ثم عجز الجيش السوفييتي بدوره عن هزيمة مجموعات قليلة العدد وهزيلة العتاد في أفغانستان، ما يقوم شاهدا على أن العزيمة أقوى شكيمة من السلاح.

وحشد الأمريكان مئات الآلاف من الجنود في فيتنام ولاوس وكمبوديا، في مواجهة كتائب من الفلاحين لا تملك الطائرات أو السفن الحربية أو الدبابات، ومع هذا هزمت الأمريكان هزيمة ساحقة ماحقة. وظلت الولايات المتحدة تناصب كوبا العداء طوال ثمانية عقود، وتجيش الجيوش للسيطرة عليها، وباءت محاولاتها بالخسران المبين.. ثم انظر كيف خابت مساعي الأمريكان في الصومال والعراق وأفغانستان، رغم قنابلهم وصواريخهم الذكية، وكيف باتوا يلعقون جراحهم فيها ويتدبرون أمور الخروج منها بما تبقى لهم من ماء وجه.

الطائرات والصواريخ عالية الدقة تفيد في الترويع خلال الحروب، ولكن الانتصار فيها لا يكون إلا بالقوات الأرضية؛ والسلاح لا يحارب، بل التعويل في الحروب على حاملي السلاح، ولهذا فأوكرانيا التي لا تملك معشار مع لدى روسيا من عديد وعتاد، صامدة في وجه العدوان الروسي، لأنه لا حافز أقوى من الدفاع عن الأرض وإنسان الأرض. ولهذا أيضا، فمدنيون بلا حظ من العلوم العسكرية والعتاد الحربي الثقيل في غزة، صامدون في وجه عدو مسلح حتى الأسنان.

فشل إسرائيل في تحقيق هدفها محو قطاع غزة من الخارطة الفلسطينية، سيجعل شرائح واسعة من الإسرائيليين تدرك أنها تعيش في بلد غير آمن، بل حقيقة الأمر هي أن اليهود الذين استوطنوا في فلسطين تحت لافتة إسرائيل، يعتبرون إسرائيل فندقا مطرزا بالنجوم، ويقينا سيفقد هذا الفندق العديد من نجومه في نظر سكانه، الذين يرون أن حُرّاس الفندق عاجزون عن حمايته.. وبإزاء انتفاضة الرأي العام العالمي المناصر لفلسطين، فكما قامت إسرائيل بموجب تصويت أممي، فسيأتي حتما يوم يتم تحجيمها فيه بموجب قرار أممي، وسيكون ذلك حتما في المستقبل القريب، عندما تفقد واشنطن معظم أنيابها وأظافرها، بنهوض النمور الآسيوية، وفي طليعتها الصين.

من آيات بداية السقوط العمودي للولايات المتحدة، أن تؤول مقاليد الأمور فيها إلى شخص يعاني من إعاقة ذهنية وأخلاقية كدونالد ترامب، ثم رجل كجو بايدن، يقول أمام الملأ إنه بحث أمر حرب غزة مع الرئيس المكسيكي السيسي، ويضع يده في يد شخص غوغائي (نتنياهو) يخرق كل قانون وعُرف إرضاء لنرجسيته.. ولأن القطة السوداء لا تلد سوى هرٍ أسود، فسيأتي في سدتي السلطة في واشنطن وتل أبيب، من هم من العجينة نفسها لهذا الثلاثي، ليكملوا المشوار إلى أسفل على “المزلقان”، ومتى تضاءلت قوة ونفوذ واشنطن فإن شمس إسرائيل إلى أفول.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...