غزة والاستبسال في النزال
بقلم: جعفر عباس
| 28 فبراير, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 28 فبراير, 2024
غزة والاستبسال في النزال
المقاومة الفلسطينية في غزة تكسر صورة الجيش الإسرائيلي المقدرة، مع ملاحظة الإعلام الغربي. حيث يبرز الصمود الغزاوي قدرة الفلسطينيين على التكيف والصمود.
صمود غزة يكسر أسطورة الجيش الإسرائيلي – دروس في المقاومة والعزيمة
الإعلام الغربي في معظمه شاهد زور على حرب إسرائيل على غزة، إلا أن بعض أدواته رغم هذا تعترف بين الحين والحين، بأن أهل غزة كسروا أسطورة الجيش الإسرائيلي “الذي لا يقهر”!
فها هو الجيش الذي هزم عدة جيوش عربية في غضون أيام معدودة عام 1948، يواصل شن عدوانه الكاسح والغاشم على جيب فلسطيني قليل المساحة والسكان، منذ أكثر من أربعة أشهر، ويعجز عن تحقيق غايته المعلنة، ألا وهي إعادة استعمار غزة وتهجير معظم سكانها. وقد توقفت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية طويلا عند ما أسمته الـ resilience الغزاوي، والكلمة تعني الصمود والقدرة على التكيف والتأقلم واستعادة القدرات، ولكن أكثر ما لفت انتباهها ليس قدرات الغزاويين القتالية فحسب، بل كيف تقاسم أهل غزة على اختلاف مهنهم وقدراتهم الأعباء.
ففي ما تبقى فيها من مستشفيات، صار متوسط ساعات العمل للكادر الطبي 21 ساعة في اليوم، وسيارات التاكسي في غزة تحولت بقرارات من أصحابها إلى مركبات إسعاف الجرحى ونقل الموتى، بينما يمارس آلاف المتطوعين مهام الدفاع المدني، أما الصحفيون والمصورون الفلسطينيون، فقد ضربوا المثال في التفاني المهني بوجودهم على خطوط النار، وبدفع أكثر من مائة منهم ضريبة المهنة من دمائهم ودماء أقاربهم.
بدورها كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حقيقة أن صمود حركة “حماس” أثار دهشة الاستخبارات الأمريكية، التي لم تتوقع أن يعجز الجيش الإسرائيلي بعديد قواته البالغ 1.705.00 ومعهم 465.000 من جنود الاحتياط، عن سحق المقاومة في غزة التي يتراوح عدد حاملي السلاح فيها بين 30.000 و40.000؛ وشتان ما بين السلاح اليدوي لدى كتائب القسام، وبين ما لدى جيش يملك 648 طائرة مقاتلة وآلاف الدبابات والمدافع الثقيلة والخفيفة. ونسبت الصحيفة إلى مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قوله “بعد فشلنا في تحقيق الهدف، ليس علينا أن نفوز، بل علينا الآن ألا نخسر”؛ بينما قال الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي كان قائدا للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط “لقد أظهرت حماس أنها لا تزال قادرة على القتال بشكل مذهل”.
استبسال وصمود غزة نسف جوهر عقيدة الجيش الإسرائيلي، وهي الدفاع عن الدولة اليهودية، فإذا بهذا الجيش يعجز عن هزيمة مسلحي حركة حماس، وهم ليسوا أكثر من مجموعات صغيرة من المدنيين، ظلوا يعيشون في “جيب” غزة الذي ظل خاضعا لحصار ثلاثي (إسرائيلي- مصري- فلسطيني) زهاء 15 سنة، وكان قبلها – ومنذ عام 1967- نسيا منسيا.
تحوز إسرائيل جيشا لديه عتاد شديد التطور، ولكنه فضلُ زادِ الولايات المتحدة، التي يشاع أنها الأقوى عسكريا في العالم المعاصر، وهذه فرية من أساطير الآخرين، تم الترويج لها بعد الحرب العالمية الثانية؛ بينما وقائع تلك الحرب تفيد بأن الجيش السوفييتي، الذي تولى القتال بمفرده في الجبهة الشرقية، كان أفضل بلاء من الجيش الأمريكي، الذي قاتل في الجبهة الغربية مسنودا بعدد من جيوش حلفائه، وفاز الجيش السوفييتي بشرف دخول برلين، ودك آخر قلاع النازية وحمل هتلر على الانتحار.. ثم عجز الجيش السوفييتي بدوره عن هزيمة مجموعات قليلة العدد وهزيلة العتاد في أفغانستان، ما يقوم شاهدا على أن العزيمة أقوى شكيمة من السلاح.
وحشد الأمريكان مئات الآلاف من الجنود في فيتنام ولاوس وكمبوديا، في مواجهة كتائب من الفلاحين لا تملك الطائرات أو السفن الحربية أو الدبابات، ومع هذا هزمت الأمريكان هزيمة ساحقة ماحقة. وظلت الولايات المتحدة تناصب كوبا العداء طوال ثمانية عقود، وتجيش الجيوش للسيطرة عليها، وباءت محاولاتها بالخسران المبين.. ثم انظر كيف خابت مساعي الأمريكان في الصومال والعراق وأفغانستان، رغم قنابلهم وصواريخهم الذكية، وكيف باتوا يلعقون جراحهم فيها ويتدبرون أمور الخروج منها بما تبقى لهم من ماء وجه.
الطائرات والصواريخ عالية الدقة تفيد في الترويع خلال الحروب، ولكن الانتصار فيها لا يكون إلا بالقوات الأرضية؛ والسلاح لا يحارب، بل التعويل في الحروب على حاملي السلاح، ولهذا فأوكرانيا التي لا تملك معشار مع لدى روسيا من عديد وعتاد، صامدة في وجه العدوان الروسي، لأنه لا حافز أقوى من الدفاع عن الأرض وإنسان الأرض. ولهذا أيضا، فمدنيون بلا حظ من العلوم العسكرية والعتاد الحربي الثقيل في غزة، صامدون في وجه عدو مسلح حتى الأسنان.
فشل إسرائيل في تحقيق هدفها محو قطاع غزة من الخارطة الفلسطينية، سيجعل شرائح واسعة من الإسرائيليين تدرك أنها تعيش في بلد غير آمن، بل حقيقة الأمر هي أن اليهود الذين استوطنوا في فلسطين تحت لافتة إسرائيل، يعتبرون إسرائيل فندقا مطرزا بالنجوم، ويقينا سيفقد هذا الفندق العديد من نجومه في نظر سكانه، الذين يرون أن حُرّاس الفندق عاجزون عن حمايته.. وبإزاء انتفاضة الرأي العام العالمي المناصر لفلسطين، فكما قامت إسرائيل بموجب تصويت أممي، فسيأتي حتما يوم يتم تحجيمها فيه بموجب قرار أممي، وسيكون ذلك حتما في المستقبل القريب، عندما تفقد واشنطن معظم أنيابها وأظافرها، بنهوض النمور الآسيوية، وفي طليعتها الصين.
من آيات بداية السقوط العمودي للولايات المتحدة، أن تؤول مقاليد الأمور فيها إلى شخص يعاني من إعاقة ذهنية وأخلاقية كدونالد ترامب، ثم رجل كجو بايدن، يقول أمام الملأ إنه بحث أمر حرب غزة مع الرئيس المكسيكي السيسي، ويضع يده في يد شخص غوغائي (نتنياهو) يخرق كل قانون وعُرف إرضاء لنرجسيته.. ولأن القطة السوداء لا تلد سوى هرٍ أسود، فسيأتي في سدتي السلطة في واشنطن وتل أبيب، من هم من العجينة نفسها لهذا الثلاثي، ليكملوا المشوار إلى أسفل على “المزلقان”، ومتى تضاءلت قوة ونفوذ واشنطن فإن شمس إسرائيل إلى أفول.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق