فقر الشعوب وتأثيره على الرأي العام

بقلم: احسان الفقيه

| 27 يونيو, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: احسان الفقيه

| 27 يونيو, 2023

فقر الشعوب وتأثيره على الرأي العام

لم يكن الحزب النازي في ألمانيا يتجاوز أعضاؤه 389 ألف نسمة، حين استطاع أن يحصد سبعة ملايين صوتا في انتخابات عام 1930م، ليصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، قبل أن يقفز بعدها بعامين ليصبح الحزب الأول بنيله نسبة 37.3%. والفرق الكبير بين عدد أعضاء الحزب وأعداد الناخبين، مثَّل آنذاك أصوات العمال العاطلين، الذين زاد عددهم على ستة ملايين، في ظل الكساد الكبير الذي اجتاح البلاد.
المناخ الاقتصادي السيئ والفقر والعوز والأحوال المعيشية المتردية التي تداهم الشعوب، من أكبر العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام؛ فعند غياب العدالة الاجتماعية، وسيطرة القلة الطاغية على ثروات البلاد، وسوء توزيعها على الشعوب، مع ما يترتب على ذلك من تضخم وبطالة وجوع وضعف للقوة الشرائية، حينها تتحدد اتجاهات الرأي العام وفقا لهذا المناخ الاقتصادي البائس، ويصبح الفقر هو المنظار الذي يرى الناس من خلاله كل القضايا والمسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأي مشروعات تقوم بها الدولة حينئذ، يتم تناولها على أنها “ديكور” لتحسين وجه النظام، إن لم تجد الجماهير لهذه المشروعات صدى في حياتها الواقعية، مهما سعت الدولة للتأكيد على الثمرات المستقبلية لهذه المشروعات؛ بل قد يغدو اللص في هذه الحالة بطلا شعبيا لدى هذه الجماهير الغاضبة، لأنه يتوجه إلى سرقة الأثرياء وأصحاب النفوذ الاقتصادي.
فالجوع دليل مُضلل ومرشد سيئ للشعوب، والشعب الجائع لا يقتنع بالمنطق، ولا يصغي لصوت العقل إنما لصوت البطن، وكل القيم الوطنية -التي تحاول الأنظمة تغفيل الشعوب بها- قد تذهب سُدى أمام الصراع المستمر الذي يكابده الناس من أجل توفير أدنى متطلبات الحياة؛ لذلك يقول غاندي: “قد تغدو كسرة خبز لجائع كلَّ ما يؤمن به من معتقدات”.
وأمامنا مشروعان مطروحان، نستطيع من خلالهما معرفة تأثير المناخ الاقتصادي على اتجاهات الرأي العام.

قوة الاقتصاد الإسرائيلي قائمة على عوامل عديدة من أهمها فتح الأسواق الغربية على مصراعيها، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، للصادرات الإسرائيلية، إضافة إلى الدعم الغربي بصفة عامة

الأول: المشروع الصهيوني
ارتكاز المشروع الصهيوني على البعد الديني وأسطورة أرض الميعاد، لا يعبر عن إيمان كل اليهود الذين استوطنوا فلسطين وأتوا إليها من بقاع شتى في الأرض، فقد طرحت عدة دول بلدانا غير فلسطين لتكون وطنا قوميا لليهود، منها الأرجنتين ودول إفريقية، والفئة المؤسسة التي تولت ِكبْر المشروع كانت علمانية، والأصوليون اليهود بالأساس يرفضون فكرة إقامة وطن يجمع اليهود، لاعتقادهم أن الشتات عقاب إلهي لا ينبغي التصدي له. نعم، هناك من يتحرك وفقا للوازع التلمودي، لكن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يعتمد وجودهم في هذه الأرض على المناخ الاقتصادي المتميز مقارنة بالعديد من الدول الأوربية؛ وعلى الرغم من تعرض الاقتصاد الإسرائيلي -شأن كل اقتصادات العالم- إلى مداهمة التضخم النسبي وانخفاض معدلات النمو من حين لآخر، إلا أنه في الجملة يعد اقتصادا متماسكا، فلم تصله موجات التضخم الأمريكي والأوربي، كما أنه ينمو في أوقات تتباطأ فيها الاقتصادات الغربية.
قوة الاقتصاد الإسرائيلي قائمة على عوامل عديدة من أهمها فتح الأسواق الغربية على مصراعيها، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، للصادرات الإسرائيلية، إضافة إلى الدعم الغربي بصفة عامة، والتعويضات التي تحصلت عليها الحكومة الإسرائيلية التي ابتزت العالم الغربي بدعوى الهولوكوست، وكذلك أموال المهاجرين الأثرياء.
من هنا ندرك سبب انعدام تكوين رأي عام إسرائيلي مناهض للقيادة السياسية، وذلك على الرغم من وجود العنصرية والتمييز، والمخاوف التي لا تنتهي حيال صواريخ المقاومة التي تنطلق من غزة، أو العمليات الفردية الاستشهادية التي يقوم بها أفراد في القدس والضفة وغيرهما.
نعم هناك احتجاجات فئوية، وأخرى على بعض مسالك القيادة السياسية، لكنها لا ترقى لتكوِّن رأيا عاما معارضا للقيادة الإسرائيلية؛ والسبب هو الاستقرار الاقتصادي، وتمتع المواطن الإسرائيلي بأحوال معيشية جيدة، ولذلك نجد اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي مستقرة إلى حد كبير تجاه ملف القضية الفلسطينية ومفرداتها والعلاقة مع العرب.

المشاريع السياسية تتهاوى أمام الجوع؛ والرأي العام يتشكل بعدة عوامل أبرزها المناخ الاقتصادي، ويتجه إلى السخط على الأنظمة ويتبنى مواقف مضادة لكل رؤاها وسياساتها مهما بدت إصلاحية، كلما وجد التهديدات أمام أمنه الغذائي

الثاني: المشروع الإيراني
مما لا شك فيه أن إيران بعد ثورة الخميني لم تعد هي إيران الشاه، وصار لها ثقل أكبر في موازين القوى الإقليمية، وصارت تلعب دورا محوريا في المنطقة، وتخوض مع خصومها حروبا عن طريق الوكلاء في العديد من بقاع الدول العربية، وتعاظم تأثيرها الثقافي عن ذي قبل، وغدا ملفها النووي مصدر رعب يؤرق دول العالم، وأصبحت رقما صعبا في المعادلة الدولية.
لكن ذلك بأسره، لم يكن كفيلا بقيادة الرأي العام نحو اتجاهات مناصِرة أو راضية عن القيادة الإيرانية، فاحتجاجات الإيرانيين ضد حكومة الملالي لا تتوقف، والاضطرابات لا تنقطع بسبب تردي الأحوال الاقتصادية في ظل الإنفاق المغدق على مشروع تصدير الثورة، وسياساتها الخارجية التي أدت إلى فرض القيود على إيران؛ فالواقع يشير إلى وجود رأي عام مناهض للنظام الإيراني، الذي يرد بدوره على الاحتجاجات بالقمع والعسف، ما يضع البلاد على حافة الهاوية من حين لآخر، خاصة بعد أن نُزعت هالة القداسة التي كان ملالي الثورة الإيرانية قد أُحيطوا بها.
ويكفي العلم في هذا الشأن، أن تقريرا حديثا لمركز بحوث البرلمان الإيراني، قد أظهر أن حوالي ثلث السكان أصبحوا تحت خط الفقر المطلق في السنوات الخمس الأخيرة، وهناك تقارير أخرى تتخطى النسبة فيها نصف السكان.
الخلاصة أن المشاريع السياسية تتهاوى أمام الجوع؛ والرأي العام يتشكل بعدة عوامل أبرزها المناخ الاقتصادي، ويتجه إلى السخط على الأنظمة ويتبنى مواقف مضادة لكل رؤاها وسياساتها مهما بدت إصلاحية، كلما وجد التهديدات أمام أمنه الغذائي؛ قد يتحول اتجاه الرأي العام حينها إلى بذور ثورية، وهذا ما تتجاهله حكومات عربية كثيرة، ترى أنها تحكم القبضة على الزمام، لكن الحقيقة التي لا مفر منها، أن الضغط المستمر يولّد الانفجار، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...