قصة الكوفيّة الفلسطينيّة وحكاية الشعب الذي يحتضن مقاوميه
بقلم: محمد خير موسى
| 3 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
مقالات منوعة
بقلم: محمد خير موسى
| 3 أبريل, 2024
قصة الكوفيّة الفلسطينيّة وحكاية الشعب الذي يحتضن مقاوميه
للشعوب الثائرة على الطغيان والاحتلال والاستبداد روح لا تموت، وتنبعث بين فينة وأخرى على شكل أفعال تمتدّ أفقيًّا في المجتمعات، لتعيد لنا أملًا ربما خبا قليلًا، أو تبعث يقيننا بعد أن رقد في فراش اليأس والإحباط زمنًا.
وهناك في فلسطين شعب ما يزال قابضًا على جمر المواجهة مع المحتل، لا يترك ثائريه في الميدان وحدهم، بل يحتضنهم احتضان الأم الرؤوم، ويسندهم ببعض الظواهر التي تعني للناظر إليها الكثير من معاني تجذُّر روح الثورة في عموم النفوس، وتحولها من أفعال يقوم بها الفرد الثائر والمقاوم إلى ثقافة شعب يعرف جيّدًا معنى أن يكون حيًّا.
في الثورة الفلسطينية الكبرى كان الثوّار الفلسطينيون يأتون من القرى لتنفيذ عملياتهم ضد شخصيات ودوريات الاحتلال البريطاني في المدن الفلسطينية.. وكعادة أهل القرى كان الثوار يلبسون الكوفيّة ويتلثّمون بها، بينما كان لباس أهل المدن الفلسطينيّة آنذاك هو الطربوش التركي الأحمر، فبدأت سلطات الاحتلال البريطاني تستهدف من يلبسون الكوفيّة في المدن وتعتقلهم، وذلك لسهولة تمييزهم عن المحيط الاجتماعي العام، وتسبّب هذا في إحباط العديد من عمليات الثوّار، واعتقال كثير من أهل القرى.
هنا أصدرت قيادة الثورة تعميمًا تطالب فيه أهل المدن بنزع الطربوش الأحمر وارتداء الكوفيّة، التي هي لباس الفلاحين من أهل القرى، وكانت الاستجابة مذهلة، وكانتشار النار في الهشيم أصبحت الرؤوس مغطاة بالكوفيّة والعقال عوضًا عن الطربوش، الذي لم يعد له وجود في المدن الفلسطينية.
يذكر أكرم زعيتر ــ وهو أحد أبرز قيادات الثورة آنذاك ومن أوائل المعتقلين فيهاــ في كتابه “يوميات أكرم زعيتر، وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1935 ـ 1939”: “المعروف أن الثوار في فلسطين يلبسون على رؤوسهم العقال والكوفية، وذلك أساسًا هو ما يُلبس على الرأس في القرى، وحيث إن الثورة المباركة قد استطاعت أن تقضي على الجواسيس في معظم المناطق الفلسطينية، فلم تجد السلطة ما تميز به المجاهدين في المدن عن غيرهم إلا اعتبار كل لابس للعقال والكوفية ثائرًا، فتلاحقه بالتحقيق أو الاضطهاد.
وهنا فكرت إحدى القيادات في الأمر فأذاعت بيانًا تحضّ على نزع الطربوش عن الرأس ولبس الكوفية والعقال، وبذلك يزول الفارق بين المجاهدين وغيرهم، ويكون ذلك إعلانًا لتضامن سكان البلاد في الجهاد، ورمزًا لكون الناس جميعًا ثائرين. وبمجرد صدور البيان المذكور بادر سكان البلاد إلى انتزاع الطربوش وإحلال الكوفية والعقال – رمز الثورة- محله، ما أدهش السلطات ودل على نفوذ الثورة وقوة سلطانها.. ومن كان يتصور أن تنزع أمة بكاملها لباس رأسها الذي هو من تقاليدها الثابتة الموروثة؟!”
ويقول أكرم زعيتر في موضع آخر من كتابه: “كتب كبار الموظفين وقضاة المحاكم والقائمقامون إلى السلطة إنهم لا يستطيعون أن يخرجوا من بيوتهم إلى أعمالهم ما لم يلبسوا العقال والكوفيّة، فأذنت لهم بذلك فلبسوها وهكذا اختفى الطربوش، وقد شوهد موظف بريطاني كبير يلبس الكوفيّة والعقال اتقاء الاغتيال”.
أجل؛ هكذا غدت هيمنة الكوفيّة ومعها العقال، وهي لباس الثوار ورمز الثورة، حتى أصبح من لم يرتدِها يخشى على نفسه، وكانت مقياسًا على مدى نفوذ الثورة وقوّتها، وامتدادها مجتمعيًّا، وتجذّرها في نفوس هذا الشعب بمختلف مكوناته وشرائحه، ومختلف أماكن وجوده.
لقد غدت الكوفيّة مخبأ المطارَد، وسلاح إرباك ومقاومة، وعلامةً على نفوذ الثورة في المجتمع الفلسطينيّ، ودلالةً على مدى تجذُّر ثقافة المقاومة في نفوس الشباب الفلسطيني.
إن استمرار الاحتضان الشعبي للثورة في فلسطين من أيام الثورة الفلسطينية الكبرى، وارتداء الكوفيّة حفاظًا على الثوار حتى يومنا هذا، يؤكد أن من أهم ركائز استمرار أية ثورة ضد الاحتلال أو الاستبداد ومن صميم عوامل انتصارها؛ أن تتحوّل إلى ثقافة شعبية عامة، ويتحقق إيمان شرائح الشعب المختلفة بها، والاستعداد للقيام بأفعال تلقائية ومبادرات عامّة للحفاظ على الثوار وحفظ الثورة.
فالثّورات التي تتفجر من قلوب الشّعوب على هيئة مبادراتٍ جماعيّة للحفاظ على القابضين على زناد الثّورة هي ثورات لا تموت، ومددها من شعوب على قيد الحياة.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر للتعامل مع زوجة أبيه، ولن يعرف قيمة الدكتورة فوزية عبد الستار، إلا من يجد نفسه مضطراً للاشتباك مع إبراهيم الهنيدي. الأولى كانت رئيسة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب المصري حتى برلمان 1995، والثاني هو رئيس اللجنة...
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
0 تعليق