ما الذي دهانا يا قوم؟!

بواسطة | أبريل 6, 2024

بواسطة | أبريل 6, 2024

ما الذي دهانا يا قوم؟!

ما الذي دهانا يا قوم؟ ألسنا الذين يتغنّون ببطولة المعتصم الذي جهّز جيشا كاملا لأجل امرأة واحدة استنجدت به؟! فما لنا وضعنا أصابعنا في آذاننا فلا تسمع صراخ حرائر غزّة؟ ما لنا نراهُنَّ يُخرجنَ من تحت الأنقاض أشلاءً فنشيحُ النظرَ، وإن نظرنا فلا تتحرك فينا غيرة الرجل على عِرضه؟ بئس الخلف الذي لا يحفظ من سلفه إلا حكايات مروءاتهم ولا يسير سيرتهم!

ما الذي دهانا يا قوم؟ تُعجبنا مكارم أخلاق الجاهليين وحُقَّ لنا أن نُعجبَ بها، ولكننا ندّعي بهم وصلاً ونحن لا نُشبههم، نطرب لمروءة مطعم بن عديّ حين جاءه النبي صلى الله عليه وسلّم مستجيراً، فصرخ في أولاده قائلاً: البسوا السلاحَ، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجَرت محمداً!  فما لنا ينشُدُنا أهلُ غزَّة اللهَ والرَّحمَ صباح مساء، ينادوننا هل من مجير؟! فلا ننبس ببنتِ شفة، كأن على رؤوسنا الطير! ونحن نعرف أن هذا الذي يُسفك دم لا ماء، وهذا الذي يُقطع أشلاء لا أغصان! ما لنا قد ألِفنا المشهدَ كأنه فيلم نشاهده للمرّة المئة والرابعة والثلاثين، هي أيام مذبحة إخواننا!

ما الذي دهانا يا قوم؟ نحدِّث فيما بيننا عن حصار قريش للمسلمين في شِعْب أبي طالب، ويطربنا قول زهير بن أبي أمية وهو يومذاك على الشرك: يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يُبتاع منهم؟ والله لا أقعد حتى تُشَقّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة! فما بالنا نحن نأكل ونشرب ونلبس وأهل غزّة هلكى، برزتْ من الجوع عظام أولادهم، وقوافل المساعدات عند المعبر تنتظر إذْنَ عدوّهم لتصل إليهم، استكثرنا عليهم أن يُقتلوا وبطونهم ملأى، رضينا أن نجمع عليهم الجوع والقتل، أليس عارا ألا تكون فينا أخلاق الإسلام ولا مروءة الجاهلية؟!

ما الذي دهانا يا قوم؟ نتغنّى بقول هشام بن عمرو بن الحارث مستحثّا صاحبيه على دفع الظلم عن قومهم: “يا زهير: أرضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء، وأخوالك حيث علمت؟! يا مطعم: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عديّ بن عبد مناف وأنت شاهد ذلك موافق فيه؟”.. ثم ها نحن رضينا أن نشيح النظر عن مقتل أهلنا، بترْنَا عضوا كان يجب أن نتداعى له بالحمى والسهر، نِمْنا ليلا طويلا، وقلنا له: فلتُصبِحْ على موتك!

ما الذي دهانا يا قوم؟ كيف نضع عيوننا بعيون أطفالنا وهم يعرفون أنه لو أصابهم غدا ما أصاب أطفال غزّة اليوم فإننا لن ندفع عنهم! كيف نضع عيوننا بعيون نسائنا وقد علمنَ أننا لسنا ممن يدفع عن عرضه، وأنه لو أصابهُنَّ غدا ما أصاب نسوة غزّة اليوم فإننا سنُسلمهُنَّ، فلا فرق بين عِرض وعرض!

أشهد أنه رسول الله، وأنه صادق مصدوق، وأنه ما فينا من قِلّة، ولكننا غثاء كغثاء السيل!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

7 التعليقات

  1. رضا محمود

    أحسنت أخي الكريم بارك الله فيك

    الرد
    • رحيق شهاب الدين

      أستاذي القدير د. أدهم شرقاوي

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

      إن هذا المقال مؤلم للغاية كل كلمة وكل حرف في الصميم. ما الذي دهانا يا قوم؟!! يشهد الله أننا لم نألف ولم نعتد وكل يوم نزداد ألماً ووجعاً وقهراً لمُصَاب وابتلاء أهلنا وندعو الله أن يعجِّل بنصره العزيز المبين نصراً يشفي به صدور قومٍ مؤمنين وأن يستخدمنا ولا يستبدلنا وأن يُكرِمنا بنصرتهم بكل ما نستطيع… فوالله مَن اعتاد أو ألف ما يحدث لإخوتنا فقد خانهم وخذلهم وليراجع دينه! حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونعوذ بالله من القهر والعجز. وفي النهاية كل ساقٍ سيُسقى بما سقى ولن يظلم ربك أحداً.

      سيدي اسمح لي أن أشكرك كثيراً ملء القلب ومن أعماقه جزاك الله خيراً وبارك الله فيك لقد آتاك الله فضلاً كبيراً في فن الكتابة الراقي والمُلهِم والجهاد بالكلمة، إن كلماتك العظيمة ترشدني وتواسيني كثيراً وكتبك المباركة خيرُ صديقٍ ورفيقٍ لي في الحياة. لقد كانت أجمل عِيدِيَّة في التاريخ عندما رأيت القسام مجاهدينا الأبرار “أهل القرآن”🤍 يقرأون كتابي المفضل لكاتبي المفضل “رسائل من القرآن”🤍

      ما شاء الله تبارك الله مباركٌ أستاذي القدير وهنيئاً لك هذا التشريف والتكريم من ربِّ السماء على أيدي أطهر أهل الأرض🤍 (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) رضي الله عنك وأرضاك وحقَّق مرادك ومبتغاك ورفع شأنك في الدنيا والآخرة🤍.

      الرد
  2. رحيق شهاب الدين

    أستاذي القدير،إن هذا المقال مؤلم للغاية كل كلمة وكل حرف في الصميم. ما الذي دهانا يا قوم؟!!

    يشهد الله أننا لم نألف ولم نعتد وكل يوم نزداد ألماً ووجعاً وقهراً لمُصَاب وابتلاء أهلنا وندعو الله أن يعجِّل بنصره العزيز المبين نصراً يشفي به صدور قومٍ مؤمنين وأن يستخدمنا ولا يستبدلنا وأن يُكرِمنا بنصرتهم بكل ما نستطيع… فوالله مَن اعتاد أو ألف ما يحدث لإخوتنا فقد خانهم وخذلهم وليراجع دينه! حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونعوذ بالله من القهر والعجز. وفي النهاية كل ساقٍ سيُسقى بما سقى ولن يظلم ربك أحداً.

    الرد
  3. رحيق شهاب الدين

    سيدي اسمح لي أن أشكرك كثيراً ملء القلب ومن أعماقه جزاك الله خيراً وبارك الله فيك لقد آتاك الله فضلاً كبيراً في فن الكتابة الراقي والمُلهِم والجهاد بالكلمة، إن كلماتك العظيمة ترشدني وتواسيني كثيراً وكتبك المباركة خيرُ صديقٍ ورفيقٍ لي في الحياة. لقد كانت أجمل عِيدِيَّة في التاريخ عندما رأيت القسام مجاهدينا الأبرار “أهل القرآن” يقرأون كتابي المفضل لكاتبي المفضل “رسائل من القرآن”

    ما شاء الله تبارك الله مباركٌ أستاذي القدير وهنيئاً لك هذا التشريف والتكريم من ربِّ السماء على أيدي أطهر أهل الأرض (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) رضي الله عنك وأرضاك وحقَّق مرادك ومبتغاك ورفع شأنك في الدنيا والآخرة.

    الرد
  4. ضيف صالح محمد

    بارك الله فيك اخي الكريم وأستاذ ي العزيز
    موضوع يبكي العيون

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...