من يفرض الأخلاق؟ المال أم القوة؟

بواسطة | يناير 28, 2024

بواسطة | يناير 28, 2024

من يفرض الأخلاق؟ المال أم القوة؟

تعتبر الأخلاق منظومة الطبائع والسجايا التي توجه سلوك الإنسان في مجتمعه. يثير هذا المقال جدلًا حول مصادر الأخلاق وتأثيرها على السلوك الإنساني في مواجهة تحديات العصر الحديث.

مصادر الأخلاق: بين الفلسفات والتحديات الحديثة

الأخلاق هي منظومة الطبائع والسجايا التي تمثل الجانب العملي في سلوك الإنسان، وهي الطريقة التي تحدد الممارسات التي يجب أن يمارسها المرء في مجتمعه، ولها صلة بالخيرية والشرّية، والصواب والخطأ، والجيد والفاسد من الأمور والأفعال .

وبالرغم من أهمية الأخلاق ودورها في حياة الأفراد والمجتمعات واستقرارها، فإن هناك آراء واتجاهات فلسفية عدة بشأنها، لم تتفق على مصدر واحد للأخلاق. فمثلا، هناك اتجاه يرى أن المجتمع بأعرافه وعاداته هو مصدر الأخلاق ومقياسها، ولكن هذا العُرف قد يخالف -مثلا- الدين أو المعتقدات المقدسة لدى بعض الشعوب والجماعات البشرية، وقد يخالف التوجه لتطور المجتمع ورُقِيه، لذلك فالعرف قد لا يصلح وحيداً أن يكون مصدرًا للأخلاق ومنبعًا منفردًا لها، ونأخذ مثالًا على ذلك أن المجتمعات العربية قبل الإسلام ساد فيها شرب الخمر، ولعب الميسر ووأد البنات؛ فهذه كانت من الأعراف، ثم تمت فلترة المجتمع العربي، ولم يُعتمد على العرف في صياغة الأخلاق بعد الإسلام، وبالتالي لا يصلح العُرف أن يكون منبعًا منفردًا ومصدرًا للأخلاق.

وهناك اتجاه يرى أن العقل هو المصدر الوحيد للأخلاق، وهذا الاتجاه لا يمكن قبوله على إطلاقه.. صحيح أن العقل هو من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، إلا أن هذا العقل لا يستطيع أن يدرك كل ما حوله، وقصوره يظهر في أشياء كثيرة، والناس مختلفون في فهومهم وإدراكهم للأمور، وكل حزب بشري له أنصار، هم بما لديهم من تفسير للأمور الحياتية فرحون .

وهناك رأي ثالث، يشير إلى ما يسمى بالضمير الإنساني على أنه هو مصدر الأخلاق، على اعتبار أن هذا الضمير الإنساني هو الذي يبين طريق الخير وطريق الشر، وهو القوة الخفية في النفس البشرية التي تدفعها لفعل شيء ما أو تمنعها من آخر، وهذا المعيار يختلف أيضًا من شخص لآخر، فالمشاهَد أن الضمير الإنساني منفردا لا يصلح بأي حال من الأحوال أن يكون منبعًا وحيداً للأخلاق.

وهناك رأي يعتبر أن القوة هي مصدر الأخلاق، فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن الذي يمتلك القوة هو الذي يفرض الصواب والخطأ، وهو الذي يفرض رأيه في المجتمعات، فنحن الآن مثلًا نشاهد أن إسرائيل تمتلك القوة المؤثرة في القرارات العالمية، وخصوصا في أروقة البيت الأبيض، وهذه القوة تحدد ما يكون من تعامل الآخرين مع الإبادة التي تمارسها في قطاع غزة، فهي تمنع التعاطف الدولي مع المستضعفين في فلسطين، وتشيطن أفعال المقاومة بقرارات دولية وصفقات مشبوهة، وما زالت الشعوب العربية تستنجد بالضمير العالمي، فلا تجد في غالب الأحوال معيناً لها 

وهناك رأي يقول إن المال هو مصدر الأخلاق؛ بمعنى أن يكون المال مصدرًا للخير وللشر، فقد يفعل الإنسان أي شيء من أجل الحصول على المال حتى وإن كان شرًّا، فالمحصلة المطلوبة هي المال والمال فقط.

وهناك من يرى أن معيار المنفعة والضرر هو مصدر الأخلاق، والإنسان يقوم بعمله، فما يحقق المنفعة يكون خيرًا، وما يسبب ضررًا يكون شرًّا يجب الابتعاد عنه.

فعلى أية حال، يتبين لنا أن العقل البشري، والضمير الإنساني، والمنفعة، والقوة السياسية، والسلطة، والمال، وغيرها، كلها تؤثر في الأخلاق، ولكن كل واحد منها لا يصلح منفردًا أن يكون منبعًا ومصدرًا للأخلاق.

لذلك تحتاج البشرية إلى دعم سماوي رباني في تحديد الطالح من الصالح من الأفعال والممارسات، فالدين إن توفرت فيه شروط الصحة والثبات، والدعم الإلهي بحفظه، كان كفيلاً بأن يرسم للبشرية منهجا قويما في السلوك والتعامل. والإسلام خاتم الأديان، وهو المحفوظ عقلا ونقلا، ما زالت له القيادة في سوق الأخلاق العالمية .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...