هل رأيتَ الصّحابة؟!

بواسطة | يناير 13, 2024

بواسطة | يناير 13, 2024

هل رأيتَ الصّحابة؟!

يستكشف المقال غزّة وبطولاتها في تسعين يومًا، مُقارنًا بين تلك الفترة وحقائق حياة الصحابة، يكشف عن البأس والصبر والتسليم في وجه الاحتلال، ويتساءل: أهل غزّة بشر مثلنا؟

غزة – بين حقائق الصحابة وشجاعة اليوم

لا أعتقد أن أحداً منا لم يتساءل بينه وبين نفسه، ولو مرّة واحدة على الأقل، وهو يقرأ عن بطولات الصحابة: أهؤلاء بشر مثلنا؟!

ثم جاءت غزّة وأزالت عنّا في تسعين يوماً دهشة عمرها مئات السنوات! وأخبرتنا أن السرّ كله في الإيمان، هذا الشيء العجيب الذي إذا استقرّ في القلبِ، وامتلأتْ به الروح صار الناس لا يشبهون بقيّة الناس! كان الصحابة بشراً، وبطولاتهم كانت حقيقية، ولكن الاستغراب منا منبعه أن قلوبنا لا تشبه قلوبهم! وإننا اليوم نتساءل بذات الدهشة القديمة: أحقًّا أهل غزّة بشر مثلنا؟!

نحن لم نرَ بلالاً حين كان يُردِّدها في وجه أُميّة: أحدٌ، أحدٌ! ولكننا رأينا وائل الدَّحدوح وقد قتلوه أربع مرّات يعضّ على جرحه، ويقف ثابتاً وفي داخله جنائز تُشيّع وهو يقول: معلش!

نحن لم نرَ سُميّة وهي تبصق في وجه أبي جهلٍ، تُمرِّغ كبرياءه أمام الناس؛ ولكننا رأينا أمَّهات غزّة يحملنَ جثث أولادهنَّ دون أن تنزل من أعينهنَّ دمعة يشمت بها الصهاينة، ويُردِّدنَ: فداكَ يا الله!

نحن لم نرَ أنس بن النضرِ يوم أُحدٍ وفيه أكثر من سبعين ضربة، يجود بآخر أنفاسه موصياً: لا عُذر لكم إن خُلِصَ إلى رسول الله ﷺ وفيكم عينٌ تَطرِف! ولكننا رأينا الشهيد الساجد، من إمامة المسجد إلى ميدان القتال، إلى الجنّة!

نحن لم نرَ عكرمة يطلب البيعة على الموت يوم اليرموك، ولا رأينا البراء بن مالك يطلب أن يُلقى من فوق السُّور يوم اليمامة، ولكننا رأينا مجاهدي الكتائب وهم يهجمون على دبابة الميركافا ويُلصقون عليها عُبوّة شواظ!

نحن لم نرَ سالم مولى أبي حُذيفة يوم اليمامة، وهو يحمل اللواء ويقول: بئس حامل القرآن أنا إذا أُوتيتم من قِبَلي! ولكننا رأينا بأس كتيبة الحُفّاظ تبثّ صور أقدامها وتحتها رؤوس جنود الاحتلال!

نحن لم نرَ أبا دُجانة يتبختر في مشيته، ولكننا رأينا أبا عُبيدة واقفاً بعزَّة المؤمن وهو يقول: قصف تلِّ أبيب أهون علينا من شربة الماء!

نحن لم نرَ خندق سلمان يوم الأحزاب، ولكننا رأينا أنفاق الكتائب يوم الكمائن!

نحن لم نرَّ الخنساء وقد تلقَّتْ بالصبر نبدأ استشهاد أولادها الأربعة يوم القادسيّة، ولكننا رأينا أُمَّ الشيخ صالح تُعلّق على نبأ استشهاده: هنيئاً لكَ يمّة!

نحن لم نرَ عمر بن الخطاب يوم هجرته في وضح النهار عند دار الندوة يتوعّدُهم بالقتل إن هم تبعوه، ولكننا رأينا الكتائب تحدِّد ساعة الرشقة التالية بكل ثقة، ثم هي لا تخلف مواعيدها!

نحن لم نرَ أبا بكر يوم جاء بكل ماله، ولا رأينا عثمان يوم جهّز ثلث جيش العسرة، ولكننا رأينا أنه رغم الحصار الخانق الممتد لسنوات صارت صواريخ الكتائب أشدّ ضراوة، وقذائف الياسين أشد فتكاً.. ثمّة من جهّز الجيش، ولا تُصدِّقوا أنها الدُّول أو المحاور، فمن لا يصنع سلاحه لا يملك قرار استخدامه!

نحن لم نرَ هجرة الصحابة إلى الحبشة ولكننا رأينا خيم النازحين في رفح قد ملأتها المياه!

ولم نرَ مصعباً وحمزة ليس لهما أكفان تسترهما يوم أحد، ولكننا رأينا الذين جادوا بالأرواح وهم يقتحمون المستوطنات ولم يُدفنوا حتى اللحظة!

نحن لم نرَ جيش اليرموك والروم يفوقونه عدداً، ولا جيش القادسية والفرسُ يفوقونه فيلةً وعتاداً، ولكننا رأينا قوّات النُّخبة يوم السابع المجيد من أكتوبر، وهي تُبيد فرقة غزّة عن بكرة أبيها!

نحن رأينا روح الرُّوح وإيمانه، وأمّ يوسف الأبيضاني الحلو “اللي شعره كيرلي” وصبرها!

نحن رأينا شيئاً قليلاً من البأس والشجاعة والصبر والتسليم والوجع، وكثيرٌ من هذا لم نره.. هناك حكايا ستُروى لاحقاً، ستخبرنا غزَّة أن فيها أشباه الصحابة، وستخبرنا بما هو أهمّ، ستخبرنا أن الصحابة كانوا كما قرأنا عنهم حقّاً وأنهم قابلون للتكرار، وويلٌ لهذا العالَم منّا إذا نهضنا!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

5 التعليقات

  1. اسامه المحيا

    جميل جدا

    الرد
  2. اسامه المحيا

    جميل

    الرد
  3. عبدالله الحارثي

    احييك اخي
    لكن ما اذهلنا ليس شجاعة المجاهدين في غزه فهي اولى بهم وهم اهل لها
    ما اذهلنا وحيرنا هو تواطؤا اهل غزه على الصبر والرضا
    بداء من اصغر طفله وطفل الى اكبر عجوز وشيبه
    ووالله ان هذا لهو النصر بعينه
    وخسىء عدوهم من ان ينال منهم رغم كل شي وارتد حسيرا

    الرد
  4. رحيق شهاب الدين

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، الحمد لله الذي أعزنا بغزة العزة الأبية الطاهرة، الحمد لله الذي أعزنا بكتائب القسام وبمقاومتنا العظيمة وبمجاهدينا وأهلنا الأبرار الأطهار، الحمد لله الذي أكرمنا برؤية رجال الله وجند الله وأولياء الله، الحمد لله أَنْ جَعَلنا نشهد بأمِّ أعيننا صحابة هذا الزمان!

    أيَّد الله صحابتنا الكِرَام -رضوان الله عليهم أجمعين- بنصره ومَدَدِه وملائكته وعزِّه وتمكينه.

    الحمد لله أن أكرمنا بكَ أستاذي القدير وبكنوزك مِن كُتبٍ ومقالات وخواطر وعبارات تثلج قلوبنا وتشرح صدورنا وتعبِّر عما بداخلنا.

    والسلام عليك وعليهم ورحمة الله وبركاته ورضوانه.

    الرد
  5. عبدالله

    جزاك الله خير ساتناواها فى خطبتي اليو

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...