رمضان في غَزّة
بقلم: أيمن العتوم
| 11 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ...
-
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق...
-
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر...
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 11 مارس, 2024
رمضان في غَزّة
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يبرز الواجب الإنساني والديني في التضامن مع أهل غزة، ملتزمين بقيم التعاطف والمساعدة.
يستحضر هذا الشهر الفضيل قيم التضامن والرحمة، مع ضرورة التفكير في الواجبات الدينية والأخلاقية تجاه الأشقاء في غزة.
من الضروري فهم الدور المشترك للفرد والمجتمع، متحدين لنهاية الأزمة وتخفيف معاناة أهل غزة.
الواجب الإنساني في رمضان – دعم أهل غزة ومشاركتهم الألم
كلّ عام وأنتم بخير، رمضان مبارك”.. عبارةٌ نتداولها حين يُظِلُّنا هذا الشهر الكريم. لكنْ كيف يمكن أن تقولها لأهل غزة؟! على أيّ وجهٍ يمكن أن تحرّك بها شفاهَك؟! فهم ليسوا بخير بسبب الحرب التي بدأ شهرها السادس وحمم الجحيم ما تزال تُصَبّ فوق رؤوسهم! وكيف يكون مباركًا، وقد دنَّس الصهاينة كل مبارك وبركة في غزة، دمروا المساجد، وحرقوا المصاحف ومزّقوها، وقتلوا العلماء وأهل الفضل، ورقصوا على أشلاء الضحايا، وغَنّوا وعربدوا وشربوا من دمائنا خمرًا في الكؤوس، فكيف يكون بعد ذلك خير وبركة؟!
الوجع إذا حمله اثنان خير من أن يحمله واحد، وإذا توزَّعتْه جماعة خَفّ واحتُمِل؛ وأهل غزة أحوج ما يكونون إلى أن يشاركهم العالَم المؤمن بقضيّتهم أوجاعَهم. من أجل ذلك؛ فلنُقِمْ غزة في رمضاننا، نجوع معهم، ونبعث لهم برغيف الخبز، وندعو لهم في صلواتنا، ونشارك في أجر إفطار صائمهم، ونحمل عنهم الكَلّ ما استطعنا، أليست الغاية الأولى من رمضان هذا الشعور الأُممي الجَمْعي، أن يكون المسلمون كتلة واحدة متعاضدة في المسير والسيروة، في الجوع والعطش، وفي الشِّبَع والريّ، في الصبر والمصابرة، يشعر أعلاهم بوجع أدناهم ويسعى بذِمّته؟
ليضع الواحد منا نفسَه ما استطاع أمام غَزّيّ ظلّ ثلاثة أيام لم يجد لقمة واحدة، ولو أن العشرات منهم باتوا اليوم يسقطون من الجوع، يموتون، ويستصرخون فينا الأخوّة والنخوة ولا صريخ ولا معتصم.. لِيَضَعِ الواحدُ منا نفسَه مكان الذين صار رغيف الخبز حُلمَهم الحقيقي، وصار الطعام المطبوخ ولو كان مِمّا تُنبِت الأرض غايتَهم البعيدة التي قد لا تقع إلا في الشهر أو الشهرين مَرّة.
إذا وضعْتَ نفسَكَ أمام هذه الحالات الحقيقية هل تصمد؟ إن التعاطف القلبي معهم هو أدنى الدرجات التي على الواحد منا أن يُوطّن نفسَه عليها، فهلَّا صبرْتَ على شحّ الزاد معهم ما وسعَكَ الصبر، فإنّ عيْش جزءٍ ولو كان بسيطًا من حالتهم البئيسة هذه يزيل عن المرء شيئًا من شعور العجز الذي يلاحقه، وهو يرى ما يرى، وقد غُلّتْ يداه فلا يهتدي سبيلا.
إن الموت جوعًا لم يكن ليحدث حتى في أحلك ظروف الحصار عبر نماذجه التاريخية، فأما أهل غزة اليوم فقد حدثتْ فيهم العجائب والنوائب مما يشيب لها رأس الوِلدان، وما تزال أنظمتنا العربية تتفرج على الأطفال يَذْوُون من جوع، ويَذْبُلون من عطش ولا تُحرّك ساكنًا.. ولا تفسير لذلك إلا أن يكون واحدًا من ثلاثة؛ إما أنهم ترتعد فرائصهم خوفًا من أولياء نعمتهم في البقاء على عروشهم من الصهاينة والأمريكان، وإما أنهم صهاينة الفكر والمذهب وإن كانوا عرب الأسماء فهم شركاء لدولة الكيان الغاصب في الإبادة الجماعية والتجويع المُميت، وإما أنهم فقدوا الشعور والإحساس فصاروا يرون من برزت عظامهم من سَغَبٍ حتى عُدّت، وانفَغرتْ أفواههم من عطشٍ حتى يبستْ منظرًا عاديًّا تبلّدتْ أمامه أحاسيسهم وتحجَّرتْ. وإنها والله طامّة من أي ناحية من النواحي الثلاث أتيتَها.
إنّ شهر رمضان غايتُه التقوى: {يا أَيُّها الَّذين آمنوا كُتِب عليكم الصِّيام كما كُتِب على الَّذين مِن قبلكم لعلَّكم تتَّقون}، وإنّ من التّقوى فيه مخافةَ الله، وإن مخافة الله لو كانت حقًّا عند من يملكون زِمام أمور الأمّة لما تُرِكتْ غزة وحدها. وإن من التقوى أن ترحم ضعيفَكَ، وتُطعِمَ جائعَك، وتتصدّق على فقيرك، وتُؤوي عابرَ سبيلك أو من أرسلتْ به الحرب إلى الملاجئ والمنازح والمنافي، وإن الرحمة والصدقة والإيواء والكنف لو كان يتمتع بها من يجلسون على رأس هرم السلطة لما تركوا أهلها تأكلهم الكلاب؛ كلاب الأعداء، وكلاب الأرض التي جُوِّعتْ كما جُوِّع البشر.
وإنها أيام كواشف، وإنها ستمضي مهما كانت ثقيلة وصعبة، وحين تمضي، وينجلي الأمر، سيتمايز الصفّان: من باع ومن اشترى، من خان ومن وفى، من صبر ومن جزع، من أدى حق الله في أهل غزة ومن قصّر، من بذل من ماله ومن بخل، من أرى الله حُسْنَ صنيعه ومن أراه كل قبيح… وحينها سيعض على أصابع الندم قومٌ تركوا غزة تعاني وحدها ولاتَ ساعة مَندَم.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
مع الهمجية ضد التمدن
يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...
0 تعليق