إسرائيل إذ تشرع في ضم الضفة الغربية فعليا

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 20 يونيو, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: الدكتور صالح  النعامي

| 20 يونيو, 2023

إسرائيل إذ تشرع في ضم الضفة الغربية فعليا

تدل كل المؤشرات على أن إسرائيل قد شرعت فعلا في ضم الضفة الغربية لها عبر سلسلة طويلة وخطيرة من المشاريع التهويدية!.
ويبدو الحرص الإسرائيلي تحديدا على ضم مناطق “ج”، التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، لأنها المنطقة التي تشهد أدنى حضور سكاني فلسطيني، ما يعني أن ضمها لا يكون مقترنا بضم عدد كبير من الفلسطينيين إلى الكيان الصهيوني.
سيشجع المستوطنين على الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة عنوة، وتدشين المزيد من البؤر الاستيطانية عليها، حتى بدون الحصول على إذن الحكومة والجيش
ولعل أخطر تحرك أقدمت عليه حكومة بنيامين نتنياهو على صعيد ضم الضفة تمثل في التعليمات التي أصدرها وزير المالية بتسلال سموتريتش، الذي يرأس حركة “الصهيونية الدينية”، لجميع وزارات ومؤسسات الحكومة بالاستعداد لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لجلب نصف مليون مستوطن يهودي جديد إلى الضفة الغربية في بضع سنوات؛ فسموتريتش، الذي يعد أبرز ممثلي التيار الديني المتطرف في الحكومة، منحه رئيس الحكومة بنيامين تنياهو الصلاحيات المتعلقة بالإشراف على المشروع الاستيطاني في الضفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لإسرائيل جلب نصف مليون مستوطن يهودي في بضع سنوات، في حين أنه قد مضى 56 عاما حتى تمكنت إسرائيل من جلب العدد الحالي نفسه من المستوطنين؟!.
إن إمعان النظر في السياسات التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية، يشي بالآليات التي تتبعها لزيادة عدد المستوطنين بشكل درامتيكي في وقت قصير، حيث أقدمت على الخطوات التالية:

أولا: تدشين عدد كبير من الوحدات السكنية في المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية، حيث أقرت بعد ستة أشهر على تشكيلها خطة لبناء عشرة آلاف وحدة سكنية، فضلا عن أنها تستعد لإقرار بناء 4000 وحدة سكنية أخرى في غضون أسابيع.
ثانيا: إلغاء قانون “فك الارتباط” الذي سمح بإزالة المستوطنات اليهودية شمال الضفة الغربية؛ ما يعني توفير مسار “قانوني” يسمح باستئناف الاستيطان اليهودي على نطاق واسع في هذه المنطقة التي تخلو حاليا من المستوطنين. وبالفعل، فقد سارعت الحكومة الإسرائيلية في أعقاب تمرير هذا القانون في الكنيست بالسماح بإعادة بناء المستوطنات الأربع التي كانت قائمة في شمال الضفة، وقد بدأت بالفعل بإعادة بناء إحداها، وهي مستوطنة “حومش”.
ثالثا: تشريع كل البؤر الاستيطانية التي دشنها المستوطنون في أرجاء الضفة الغربية بدون الحصول على إذن من الحكومة والجيش؛ وبمجرد أن تولى سموتريتش مقاليد منصبه، كوزير للمالية ومسؤول عن الاستيطان في الضفة، أصدر تعليماته بربط كل البؤر الاستيطانية “غير القانونية” بشبكات المياه والكهرباء، وتزويدها بكل متطلبات البنى التحتية التي تضمن تحولها إلى مستوطنات كاملة معترف بها. وتكمن خطورة هذا الإجراء في أنه لا يسمح فقط بإضفاء شرعية على البؤر الاستيطانية “غير القانونية”؛ بل سيشجع المستوطنين على الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة عنوة، وتدشين المزيد من البؤر الاستيطانية عليها، حتى بدون الحصول على إذن الحكومة والجيش، من منطلق الافتراض أن هذه البؤر سيتم تشريعها مستقبلا وتحويلها إلى مستوطنات. فهذه السياسة تُشرّع السطو على الأرض الفلسطينية وطرد أصحابها منها من منطلق السعي إلى حسم مصير الأرض الفلسطينية.

تكمن الخطورة في تصريح غولدكناف في أنه يقصد حقيقةً، أن مستوطنات الضفة تصلح كحل لمشكلة السكن لأتباع التيار الديني الحريدي الذي ينتمي إليه، فهؤلاء يمثلون الفئة الأكثر فقرا في إسرائيل. وسيسهم هذا التوجه في تمكين إسرائيل من زيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بشكل كبير

رابعا: التمهيد لتدشين مشروع “E1″، الذي يعد أخطر المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على الإطلاق؛ فهذا المشروع الذي تعتبره إسرائيل “رأس التاج” في مشروعها الهادف لضم الضفة الغربية، سيربط بين مدينة القدس ومستوطنة “معاليه أدوميم”، التي تقع شمال شرقها، والتي تعد أكبر مستوطنة في الضفة الغربية. ويعني تدشين هذا المشروع عمليا ضم “معاليه أدوميم” لإسرائيل وتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من بلدية الاحتلال في القدس.

 لكن أخطر تداعيات هذا المشروع تتمثل في أنه يسدل الستار نهائيا على أية فرصة، لتدشين دولة فلسطينية ذات إقليم متصل في الضفة الغربية، حيث إن المنطقة التي سيُدشَّن فيها هذا المشروع، يمر فيها الشارع الذي يصل شمال الضفة الغربية بجنوبها، ما يعني أن إنجازه سيفضي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى منطقتين منفصلتين تماما.

خامسا: تحويل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية كاحتياط لحل مشكلة السكن وارتفاع أسعار الشقق السكنية في إسرائيل. فقد صرح وزير الإسكان الإسرائيلي الحاخام إسحاك غولدكناف، الذي يرأس حركة “يهودوت هتوراة” الدينية الحريدية، خلال تفقده عددا من المستوطنات في الضفة نهاية الأسبوع الماضي، أن تدشين المزيد من المستوطنات يمكن أن يوفر حلا لمشكلة السكن وعجز الأزواج الشباب في إسرائيل عن العثور على شقق سكنية بسبب ارتفاع الأسعار.

وتكمن الخطورة في تصريح غولدكناف في أنه يقصد حقيقةً، أن مستوطنات الضفة تصلح كحل لمشكلة السكن لأتباع التيار الديني الحريدي الذي ينتمي إليه، فهؤلاء يمثلون الفئة الأكثر فقرا في إسرائيل. وسيسهم هذا التوجه في تمكين إسرائيل من زيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بشكل كبير، لأن متوسط عدد ولادات المرأة اليهودية الحريدية يبلغ ثماني ولادات، ما يعني أن نسبة النمو الطبيعي لأتباع التيار الحريدي عالية جدا؛ وهذا سيساعد اليهود على تحسين مكانتهم في ميزان القوى الديموغرافي أمام أصحاب الأرض الفلسطينيين. هذا مع العلم أن الحريديم قد اكتشفوا منذ ثلاثة عقود عوائد الاستيطان في الضفة الغربية، حيث إنهم يمثلون حاليا 30% من المستوطنين، ويعيشون في أربع مدن استيطانية، هي: كريات سيفر غرب رام الله، وعموانئيل شمال الضفة الغربية، وبيتار عيليت شمال القدس، ومعاليه أفرايم بين القدس وأريحا.
التوجه الجدي لضم الضفة الغربية يأتي في إطار حرص الحكومة الإسرائيلية على تحقيق هدفها الرئيس، المتمثل في حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني والتخلص من أعباء القضية الفلسطينية.

سادسا: تقديم محفزات لتشجيع اليهود على الانتقال للعيش في مستوطنات الضفة الغربية، عبر تحسين البنى التحتية وتدشين شبكات طرق ومواصلات تربط إسرائيل بهذه المستوطنات، فضلا عن منح المستوطنين تسهيلات ضريبية وتمكينهم من الحصول على قروض سكن ميسرة.

وإلى جانب السياسات الهادفة إلى تشجيع اليهود على الاستيطان في الضفة، فإن الحكومة الإسرائيلية عمدت إلى إجراءات تهدف إلى تقليص قدرة أصحاب الأراضي الفلسطينيين على البقاء في مناطق “ج”؛ ليس فقط عبر مصادرة أراضيهم، بل أيضا برفض الترخيص لهم بالبناء؛ وفي الوقت ذاته المسارعة لتدمير كل منزل يتم بناؤه بدون الحصول على الترخيص من جيش الاحتلال.
إن التوجه الجدي لضم الضفة الغربية يأتي في إطار حرص الحكومة الإسرائيلية على تحقيق هدفها الرئيس، المتمثل في حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني والتخلص من أعباء القضية الفلسطينية.
وإن إحباط المخطط الإسرائيلي الخطير يتمثل في تعزيز بيئة المقاومة في الضفة الغربية؛ حيث دلت التجربة خلال الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى أن هناك علاقة عكسية بين تعاظم الفعل المٍقاوم وتوسع المشروع الاستيطاني

الدكتور صالح النعامي

مؤلف عدة كتب حول الصراع.. دكتوراة في العلوم السياسية

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...