حزب النور.. بين البراغماتية والمازوخية
بقلم: خليل العناني
| 5 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 5 أكتوبر, 2023
حزب النور.. بين البراغماتية والمازوخية
أعلن “حزب النور”، الذراع السياسي لجماعة “الدعوة السلفية” بمصر، تأييده ودعمه لترشح الجنرال عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة؛ والحقيقة أن قرار “حزب النور” بدعم السيسي ليس مفاجئا، بل على العكس، فهو قرار بديهي ومنطقي ليس فقط لطبيعة العلاقة التي تربط الحزب بالنظام الحالي، وخاصة بأجهزته الأمنية والاستخباراتية التي تدير الأمور في مصر، ولكن أيضا للطبيعة البراغماتية للحزب، ومن خلفه جماعة “الدعوة السلفية”، التي تتعامل مع السياسة وفق منطق مصلحي محض دون أية اعتبارات دينية أو أخلاقية، على عكس ما يدّعي قادة الحزب؛ وهي مسألة ليست جديدة، بل شهدناها طيلة العقد الماضي، وتحديداً منذ ثورة يناير 2011 التي رفضت جماعة “الدعوة السلفية” المشاركة فيها، وحذّرت شبابها من الانضمام إليها. ولكن بعد نجاح الثورة وسقوط مبارك، تحوّل الموقف بشكل جذري، وأسّست الجماعة “حزب النور” ليكون ذراعها السياسي، وقد خاض الحزب الانتخابات التشريعية أواخر عام 2011، وحصل مرشحوه على ما يقرب من ربع مقاعد “مجلس الشعب” في ذلك الوقت. وقد وضَحَت “براغماتية” حزب النور وجماعته بشكل جليّ عند انقلاب الثالث من يوليو 2013، حيث انحاز الحزب وجماعته لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وحرّضوه على التخلص من جماعة “الإخوان المسلمين”، بل وبرّروا ما وقع بحق أعضائها من اعتقالات وانتهاكات ومذابح، وألقوا باللائمة على الجماعة فيما آلت إليه الأمور لاحقاً.
ولربما كانت مفهومة ومبرّرة تلك البراغماتية، على قصورها وفسادها، إذا تُرجمت في شكل مكاسب سياسية، ودينية، ودعوية، واجتماعية للحزب وللجماعة التي تدعمه. ولكن اللافت، والمثير للتأمل والدهشة، أن الحزب لم يحقق أيا من تلك المكاسب، بل على العكس من ذلك، فقد تم تقييد النشاط الدعوي والعمل الأهلي لجماعة “الدعوة السلفية” بشكل كبير خلال السنوات الماضية، في حين تم تهميش حزب النور، وإذلاله، سياسياً، وذلك على نحو ما جرى في الانتخابات البرلمانية التي جرت طيلة العقد الماضي حيث لم يحصل الحزب سوى على حفنة مقاعد لا يتجاوز عددها أصابع اليدين (للحزب حاليا سبعة مقاعد في مجلس النواب من أصل 596، ومقعدان في مجلس الشيوخ من أصل 300 مقعد)؛ والأكثر غرابة أنه على الرغم من الأزمات والكوارث التي تسبّب فيها النظام الحالي، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، فإن جماعة “الدعوة السلفية” وحزب النور لا يزالان يدعمانه بشكل يثير الحيرة، وأحيانا الاشمئزاز، على نحو ما حدث قبل أيام حين أعلن الحزب دعمه لترشح السيسي لفترة رئاسية جديدة.
ثمة تفسيرات مختلفة لموقف حزب النور وجماعته من النظام الحالي، يأتي في مقدمتها التوظيف السياسي للقاعدة الفقهية المعروفة “درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح”، وهي قاعدة لطالما استخدمها قادة “الدعوة السلفية” وحزب النور لتبرير مواقفهم وتقلباتهم السياسية طيلة العقد الماضي؛ فهم يرون أن دعم النظام الحالي يكفّ أيدي الأجهزة الأمنية عن ملاحقتهم واعتقالهم، حتى وإن جاء ذلك على حساب أنشطتهم الدينية والدعوية والأهلية. ويذهب بعضهم إلى القول بأن ثمة علاقة تربط هذه الأجهزة ببعض قيادات الحزب والجماعة، ليس فقط مع النظام الحالي، ولكن منذ أيام نظام مبارك أيضا؛ وبغض النظر عن مدى دقة وصحة هذه المسألة، فإن آثارها واضحة، وهي عدم التعرّض لهذه القيادات، خاصة في ظل حالة الاستئصال والقمع التي يتعرض لها باقي الإسلاميين في مصر، خاصة من جماعة الإخوان.
وحقيقة الأمر أن استخدام وتوظيف “الدعوة السلفية” وحزب النور لهذه القاعدة الفقهية، هو استخدام انتهازي ويستند إلى قياس فاسد. أما كونه انتهازيا فهو حقيقي، حيث إن قيادات الحزب تطبّق القاعدة حسب مصالح رجالاتها وأهوائهم. فعلى سبيل المثال، هناك تصريح شهير لعبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، يرى فيه أن “الديمقراطية كفر” ولا يجب القبول بها؛ ولكن عندما جاءت انتخابات البرلمان في عام 2011 وجدناه يهرول لدخولها والمنافسة فيها، بالاستخدام الانتهازي نفسه لقاعدة “درء المفاسد وجلب المصالح”؛ وعلى ما يبدو فإن المصالح المقصودة هنا هي مصالحه ومصالح جماعته وحزبها، وليس مصالح الوطن أو الأمة بشكل عام. وأما كون استخدام القاعدة نفسها هو استخدام فاسد، فلأنه يغض الطرف عن الفساد والاستبداد الذي نزل بالبلاد والعباد طيلة العقد الماضي، فإن استمرار النظام الحالي لسنوات أخرى في السلطة سوف يجلب المزيد من المفاسد والكوارث على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وبالتالي فإن دعم وتأييد هذا النظام يسير عكس القاعدة الفقهية التي يتذرع بها الحزب، كونه يجلب الفساد ويهدد مصالح العباد.
هناك تفسير آخر، هو أن جماعة “الدعوة السلفية” وحزب النور يفضّلون دوما اللعب في المساحات الآمنة، ويحاولون الحفاظ على مكاسبهم التي حققوها حتى وإن كانت ضئيلة. فهم على يقين، مثل كثيرين غيرهم، بأنه لن تكون هناك انتخابات حقيقية أو منافسة جادة في مصر، وأن السيسي سيظل في السلطة لفترة جديدة، وبالتالي فليس من الحكمة عدم دعمه وتأييده؛ أي إنهم يراهنون على الحصان الرابح من وجهة نظرهم.
وقد يقول قائل “ربما كان الصمت أفضل لهم”، وذلك حفظاً لماء الوجه، خاصة في ظل الأوضاع البائسة التي يعيشها المصريون؛ ولكن واقع الأمر أن “حرية الصمت” ليست خياراً مطروحاً بالنسبة لهم، خاصة في هذه المرحلة، وفي ظل سيف المعزّ المسلط على رقابهم ورقاب غيرهم؛ فالنظام الحالي يتبع سياسة (من ليس معنا فهو ضدنا)، ولا يقبل سوى بالدعم الكامل من أحزاب الموالاة، ومن ضمنها حزب النور.
عقد كامل مرّ على استيلاء العسكر على السلطة في مصر في يوليو 2013، وقد جرَت في نهر السياسة بمصر مياه كثيرة، وتقلّبت مواقف كثير من القوى السياسية، التي دعمت ما جرى حينذاك، سواء أكانت قوى ليبرالية أو يسارية أو ناصرية، إلا قيادات جماعة “الدعوة السلفية” وذراعها السياسي حزب النور، الذين ظلوا على مواقفهم المشينة والرديئة مما يجري في مصر، وكأنه ثمة عُقدة “مازوخية” قد أصابتهم جميعا، بحيث إنه كلما زاد النظام في تهميشهم وإذلالهم زادوا في دعمه وتأييده.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق