مسوغات اليهود لتبرير الاعتداء على مسيحيي القدس
بقلم: الدكتور صالح النعامي
| 25 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: الدكتور صالح النعامي
| 25 يوليو, 2023
مسوغات اليهود لتبرير الاعتداء على مسيحيي القدس
انضم المسيحيون في القدس إلى قائمة الأهداف التي تطالها التشكيلات اليهودية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وقد شهد العام الجاري تحديدا زيادة كبيرة وخطيرة في عدد هذه الاعتداءات وطابعها؛ ومن الملاحظ أن معظم الاعتداءات التي نفذها اليهود في القدس، كتشكيلات منظمة وكأفراد، تم توثيقها من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، بحيث إن دوائر صنع القرار في تل أبيب باتت تقر بوقوعها، وتعترف أنها تأتي في إطار استهداف المسيحيين كونهم مسيحيين.
فقد عرضت قناة “كان” التابعة لسلطة البث الإسرائيلية مؤخرا وثائقيا حول الاعتداءات المنظمة، التي يشنها عناصر التنظيمات اليهودية المتطرفة ضد المسيحيين في القدس، حيث تم التركيز في الوثائقي على ما يتعرض له تحديدا أتباع الكنيسة الأرمنية في المدينة؛ فقد أظهر الوثائقي أن الاعتداء على المسيحيين الأرمن يتم أثناء خروجهم من منازلهم، وعند وصولهم لأعمالهم أو عودتهم منها، وأثناء توجههم إلى كنيستهم. وطالت الاعتداءات القس الذي يرعى الكنيسة الأرمنية وبقية رجال الدين المسيحيين والكنيسة ذاتها؛ حيث أظهرت كاميرات المراقبة أن أحد اليهود قد تسلل إلى الكنيسة في إحدى الليالي وقضى حاجته فيها، بهدف تحقير المكان.
وطالت الاعتداءات اليهودية مقابر المسيحيين، حيث وثقت كاميرا قناة “كان” اقتحام مجموعة من الشباب اليهود مقبرة المسيحيين الأرثوذكس في القدس وتحطيم شواهد القبور.
كان استهداف الكنائس ضمن العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم “شارة ثمن” اليهودي، الذي يستهدف على نطاق واسع المساجد في أرجاء الضفة الغربية والقدس، فضلا عن مسؤوليته عن عدد من الجرائم المروعة
كما وثقت كاميرا قناة “13” الإسرائيلية الأسبوع الماضي شابا يهوديا، وهو يكيل الشتائم لاثنين من قساوسة الكنيسة الأرثوذكسية في القدس، ثم يبصق عليهما بينما كانا يهمان بمغادرة المكان على عجل. وفي تقرير آخر عرضت القناة أواخر الأسبوع الماضي مقطع فيديو يظهر فيه شباب يهود، بعد أن سيطروا على أرض تابعة للكنيسة الأرثوذكسية بزعم أن كل هذه الأرض تابعة لـ “الشعب اليهودي”.
وحتى المؤسسات الدينية اليهودية الرسمية ترفض احترام الرموز الدينية المسيحية بشكل فجّ؛ ففي الأسبوع الماضي زارت وزيرة الثقافة الألمانية حائط البراق، الذي يطلق عليه اليهود “حائط المبكى”، كصورة من صور التضامن مع إسرائيل، وكان يرافقها قس تابع لإحدى الكنائس في القدس، فما كان من موظفة يهودية إلا أن طالبت القس بإزالة الصليب الذي كان يضعه على صدره، على اعتبار أن حمله الصليب في المكان الذي يعده اليهود “مقدسا لهم” مسٌّ بهذه القدسية.
وقد كان استهداف الكنائس ضمن العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم “شارة ثمن” اليهودي، الذي يستهدف على نطاق واسع المساجد في أرجاء الضفة الغربية والقدس، فضلا عن مسؤوليته عن عدد من الجرائم المروعة، على رأسها إحراق عائلة دوابشة عام 2015؛ فقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن إحراق كنيسة “السمك والخبز” شمال فلسطين، قبل ثلاثة أعوام.
هذا جزء يسير من الاعتداءات التي ينفذها اليهود، تشكيلات وأفراد، ضد المسيحيين في القدس المحتلة؛ ومن اللافت أن منفذي هذه الاعتداءات يكتبون عادة شعارات معادية في المكان المستهدف لتأكيد مسؤوليتهم، حيث إن أكثر الشعارات استخداما شعار “الموت للنصارى الكفار”. وتحظى الاعتداءات على المسيحيين بدعم نخب سياسية يهودية وازنة، فقبل شهرين قاد آريي كينغ، نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، مظاهرة ضد احتفال نظمته كنيسة مسيحية في القدس الشرقية، حيث طالب كينغ بطرد المسيحيين من المدينة.
لكن اللافت أن بعض المرجعيات الدينية اليهودية تقدم مسوغات فقهية لتبرير الاعتداءات على المسيحيين وكنائسهم، في القدس وفي فلسطين بشكل عام، فقد دافع الحاخام بنتسي غوفشتاين، زعيم حركة “لاهافا” المتطرفة، وعضو قيادة حركة “القوة اليهودية” التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن إحراق الكنائس، بوصف هذه الفعل “فريضة شرعية”!. وحسب غوفشتين، فإن “الشريعة اليهودية” تحرم السماح بالتعبد بالمسيحية في أرض إسرائيل؛ ويُشار إلى أن غوفشتاين يعمل حاليا مستشارا لـ”بن غفير”، الذي يفترض أن يكون مسؤولا عن توفير الأمن للكنائس في القدس وغيرها.
رغم اتساع ظاهرة اعتداءات اليهود على المسيحيين والمقدسات المسيحية في القدس وفلسطين، فإن هذه القضية لا تحظى باهتمام العالم المسيحي والفاتيكان
وقد تعمق الباحثان الإسرائيليان، درور فيكسلر وجيل نيدل، في رصد المسوغات الفقهية التي تعتمد عليها الجماعات اليهودية في تبرير اعتداءاتها على المسيحيين في القدس وفلسطين؛ ففي دراسة صادرة عن معهد “داعت”، لفت فيكسلر ونيدل إلى أن الحاخام موشي بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر في الأندلس وفلسطين ومصر، كان أول من اهتم بـ “التأصيل الفقهي” الذي يسوغ لليهود استهداف المسيحيين وكنائسهم. وحسب الدراسة فقد تعرض ابن ميمون في أربعة مصنفات فقهية لموقف اليهودية من المسيحية، والمصنفات هي: “شرح المشناة”، و”مشناة وتوراة” و”دلائل الحائرين”، و”رسائل أخرى”، حيث اعتبر المسيحية في هذه المصنفات “ديانة وثنية” لا يجب السماح بالتعبد بها في أرض إسرائيل؛ ونظرا لمكانة ابن ميمون المرموقة لدى اليهود في جميع العصور، فإن الأحكام التي أصدرها بشأن المسيحية والمسيحيين أسهمت في تشكيل وعي كثير من اليهود إزاء هذه الديانة.
اللافت أنه رغم اتساع ظاهرة اعتداءات اليهود على المسيحيين والمقدسات المسيحية في القدس وفلسطين، فإن هذه القضية لا تحظى باهتمام العالم المسيحي والفاتيكان؛ وعلى الرغم من أن الكنائس المسيحية في فلسطين ترفع تقارير بشكل دوري بشأن هذه الاعتداءات وفظاعتها فإن بابا الفاتيكان لم يتخذ موقفا جادا منها، بل يقابلها بالصمت.
المضحك المبكي أن بعض التيارات المسيحية تزاود على الجماعات اليهودية المتطرفة في دعمها للمشروع الاستيطاني اليهودي في القدس والضفة الغربية؛ ويبرز في ذلك تحديدا التيار الإنجيلي، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة، فقد أظهر تحقيق بثته قناة “12” الإسرائيلية قبل عدة سنوات، أن المؤسسات التابعة للتيار الإنجيلي تجمع تبرعات بملايين الدولارات سنويا لدعم المشروع الاستيطاني، فضلا عن أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جاهر بأن قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس جاء بهدف استرضاء الإنجيليين.
مؤلف عدة كتب حول الصراع.. دكتوراة في العلوم السياسية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق