
أعظم وأعمق تجسيد لحياة رجل مسنّ في مرحلة “أرذل العمر”!
بقلم: محمد القاسمي
| 15 فبراير, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد القاسمي
| 15 فبراير, 2024
أعظم وأعمق تجسيد لحياة رجل مسنّ في مرحلة “أرذل العمر”!
The Father
“فيلم “الأب” يأخذنا في رحلة مؤلمة داخل عقل مريض بالزهايمر، مع تألق الممثل “أنتوني هوبكينز” في دوره الرائع. يعكس الفيلم تحديات الرعاية وتأثير المرض على الأسرة بأسلوب فني مؤثر. يستحق الفيلم الاهتمام كونه استعراضًا معاصرًا لتجارب الأشخاص المصابين بالزهايمر وأسرهم.
فيلم “الأب” – مأساة الزهايمر ولحن الوجدان
قال الله تعالى: {ومنكم من يُرَدُّ إلىٰ أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا} [سورة النحل: 70]، وهذه الآية تستوقفني دائمًا في حياتي، لأدرك مدى ضعف الإنسان وهشاشته، وحقيقة {وخُلِق الإِنسان ضعيفًا}، وأن الحياة قصيرة وزائلة، وأننا كبشر سنُولَد وسنعيش وسنموت لا محالة.
لم أشهد في حياتي فيلمًا سينمائيًّا يجسّد مرحلة “أرذل العمر” كهذا الفيلم، فقد كان واقعيًّا ومؤلمًا ويفطر القلب ويُدمع العيون، وقد أكون شاهدت أفلامًا كثيرة رائعة حول الشيخوخة وكبار السن، ولكن هذا الفيلم مختلف جدًّا، لأنه تناول مرض الزهايمر بشكل مبتكر وغير مسبوق أبدًا.
فيلم “الأب” هو أساسًا عمل مسرحي للكاتب والمخرج الفرنسي “فلوريان زيلر“، وبعد نجاحه المبهر قرّر تحويل مسرحيته إلى فيلم سينمائي، بالتعاون مع كاتب النصوص المبدع “كريستوفر هامبتون”، وخاض “زيلر” هنا تجربته الأولى على الإطلاق في إخراج الأفلام السينمائية، وكانت تجربة موفقة، وأرجو أن يستمر على هذا المنوال في المستقبل.
تدور أحداث الفيلم حول “أنتوني”، وهو رجل مسن مصاب بالزهايمر، وابنته “آنا” التي تحاول مساعدته بكل ما تستطيع، وقد أدهشتني طريقة السرد بجعلي أعيش محنة “أنتوني” حرفيًّا، وكأنني أنا مصاب بالزهايمر، فأشعر أن عقلي مُشتت، وأنني تائه في فِكَري وهواجسي، ولا أدرك أين أعيش، ولا أتعرّف على المكان الذي كنت فيه والمكان الذي وصلت إليه، وكذلك لا أعرف الزمان، ولا أدري.. أنا في الماضي أم في الحاضر؟ وأتخيّل أحداثًا وذكريات، أم إنها وقائع حدثت فعلًا؟! وجوه الشخصيات نفسها تتغير وتتبدل، ومَن ندرك ملامحه ونتعرّف عليه نراه لاحقًا كشخص آخر بملامح مختلفة.. أَهُم موجودون فعلًا أم من نسخ الخيال؟!
وأنا أشاهد الفيلم، تذكّرت حبكة الفيلم السريالي القديم “That Obsecure Object of Desire” للكاتب والمخرج الشهير الراحل “لوي بونويل“، التي تنطوي في عدّة ممثلين يؤدون الشخصية نفسها. في هذا الفيلم قد نشعر أننا – مثل “أنتوني”- مخدوعون بحبكة ملتوية ومؤامرة خبيثة، فما تبدو أنها حبكة درامية مأساوية تتحول شيئًا فشيئًا إلى حبكة إثارة نفسية، وذلك ما يجعل الفيلم جاذبًا للانتباه طوال الوقت، دون أي شعور بالملل، فنحن أمام اختبار ذهني من “زيلر”، فهل سنستطيع اجتيازه؟
لقد عشت حرفيًّا مع “أنتوني” – من منظوره الخاص- في متاهته الذهنية، التي لا سبيل للخروج منها، وكل محاولة للخروج من شأنها عرقلة الأمور لتوصل إلى مرحلة أصعب وأكثر تعقيدًا؛ والمونتاج المتقن ساهم في تعقيد الأمور، ورصد حالة الشتات التي يعيشها “أنتوني” في واقعه المرتبك بين الزمان والمكان والشخصيات.. والفنان المخضرم والعملاق “أنتوني هوبكينز” هو سر روعة الفيلم في المقام الأول، فقد قدّم – وبدون مبالغة- أقوى وأجمل وأعمق أداء له في مسيرته السينمائية على الإطلاق، وواحدًا من أقوى الأداءات التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، فقد تقمّص شخصية “أنتوني” بإبداع وإتقان.
لطالما اعتبرت “هوبكينز” واحدًا من أفضل 10 ممثلين بالنسبة لي في السينما، وقد أدهشني بأداء يسلب الحواس ويلامس المشاعر لشخصية “جاك لويس“، في الفيلم العظيم”Shadowlands” ، الذي أعتبره من أفضل الأفلام التي شاهدتها في حياتي، وأيضًا في شخصية “هانيبال ليكتر” في الفيلم الرائع “The Silence of The Lambs“، التي أبدع فيها جدًّا، وقد اعتبر النقّاد والجماهير أداءه في الفيلم أفضل تجسيد لشخصية شريرة في تاريخ السينما، وقد نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل ممثل.
لقد استمتعت بأدواره الرائعة في العديد من الأفلام الجميلة، مثل “Howards End” و”The Lion in Winter” و “84 Charing Cross Road“و”Hitchcock” ومؤخرًّا “The Two Popes“.. إنه حقًّا فنان مبدع، والجدير بالذكر أن الكاتب والمخرج “فلوريان زيلر” حينما بدأ في كتابة النص، لم يتصوّر ممثلًا آخر لأداء الشخصية غير “هوبكينز”، حيث أطلق اسم “أنتوني” على الشخصية، وكذلك تاريخ ميلاده الحقيقي، وقد عرض عليه النص في عام 2017، وأخبره بأنه لن يقوم بإخراج الفيلم إلا حين يقبل بالمشاركة في بطولته، وأنه سينتظره إن كان مرتبطًا بأعمال أخرى، وبالفعل هذا ما حدث، وكانت النتيجة تستحق الانتظار بكل تأكيد.
الفنانة المبدعة “أوليفيا كولمان” أعتبرها من أفضل الممثلات البريطانيات في الفترة الأخيرة، ومن المؤسف أنها لم تشتهر إلا منذ سنوات قليلة، فقد كانت مغمورة في أعمال محلية بسيطة ومتواضعة، بالرغم من أنها ممثلة موهوبة، وقد عرفتها للمرة الأولى في المسلسل القصير “The Night Manager” الذي تألقت فيه وقدّمت أداءً رائعًا؛ ثم في فيلمها الأشهر”The Favourite” ، الذي نالت عنه جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وكانت تستحقها، كما أبدعت في تجسيد شخصية الملكة “إليزابيث الثانية” في الموسمين الثالث والرابع من مسلسل “The Crown“.
في هذا الفيلم أدّت “أوليفيا كولمان” شخصية “آنا” بشكل جميل ومذهل ومؤثر، وتعابير وإيماءات وجهها كافية لتجعلني أقول إنها قدّمت هنا أقوى أداء لها كممثلة، فكمية المشاعر والأحاسيس في الشخصية تجبرني كمُشاهد أن أندفع للبكاء، فمن الصعب أن تكون مريضًا بالزهايمر، ومن الصعب أيضًا أن تقوم برعاية مريض بالزهايمر.
سيكون تأثير هذا الفيلم عميقًا على من يشاركون “آنا” محنتها، فمن لديه فرد من عائلته أو صديق أو شخص يحبه مصاب بالزهايمر، حيًّا كان أو ميتًا، سيشعر بارتباط شديد مع الفيلم وشخصيتَيْ “أنتوني” وآنا”، ولذلك أنا أشيد مرة أخرى بالنص السينمائي المُحكم والمبتكر الذي صاغه “فلوريان زيلر” و”كريستوفر هامبتون“، حيث كان سرد القصة مبهرًا ولا تشوبه شائبة.
“كريستوفر هامبتون” هو من كتّاب النصوص المبدعين في المسرح والسينما، وخصوصًا في الاقتباسات الأدبية، فقد أدهشنا بنصّه السينمائي لفيلم “Atonement” من رواية الكاتب “إيان ماك إيوان”، الذي ترشّح عنه لجائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي مقتبس، ولا أنسى النص السينمائي القوي لفيلم”Dangerous Liaisons” ، المبني على مسرحية سابقة له ورواية شهيرة للكاتب الفرنسي “كوديرلوس دو لاكلو“، وقد نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي مقتبس.
تصميم مواقع التصوير في الفيلم كان متميزًا، وكذلك التصوير والأمور الفنية الأخرى، والموسيقا التصويرية كانت منسجمة مع الأحداث، وقد تم استخدام مقتطفات من أعمال الأوبرا الكلاسيكية، كـ “صيّادو اللؤلؤ” للموسيقار “بيزيه“، وهذا ما جعل الفيلم أكثر جمالًا وتأثيرًا.
الشخصيات في الفيلم لا يتعدّى عددها 10، وربما أقل، والفيلم مستند بشكل كلي على المبدع “أنتوني هوبكينز” طوال مدة عرضه التي تتجاوز الساعة ونصف الساعة، ثم على المبدعة “أوليفيا كولمان”، وقد كان أداء بقية الممثلين متميزًا، وأبرزهم: “إموجين بوتس” و”أوليفيا وليامز” و”مارك غاتيس” و”روفس سويل”.
نال الفيلم جائزتَيْ أوسكار، لأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل ممثل “أنتوني هوبكينز”، وترشّح لنيل 6 جوائز أخرى؛ لأفضل فيلم، وأفضل ممثلة مساعدة “أوليفيا كولمان”، وأفضل مونتاج، وأفضل تصميم مواقع.
هناك لحظات في الفيلم لا أستطيع وصف مدى روعتها وقسوتها، ففي واقعيتها بصدق أداء “هوبكينز” و”كولمان” ما يجعلني أتيقّن أن السينما ما زالت تنبض بالحياة والمشاعر، بعد خيبات الأمل الكثيرة مع الأفلام التجارية والمليئة بالأجندات المقرفة والاستمالات العاطفية المصطنعة، فهذا الفيلم يعيد مجد السينما الأصيلة النقية، التي تتناول مواضيع إنسانية نبيلة تمس جميع البشر من كل الأطياف والأديان، فلا شيء أكثر نُبلًا من مواضيع مثل البر بالوالدين وحب الأبناء، التي يحث عليها ديننا الحنيف وفطرتنا الإنسانية.

كاتب وناقد ومخرج بحريني
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق