أفيون الشعوب أم أفيون السلطة؟

بواسطة | فبراير 25, 2024

بواسطة | فبراير 25, 2024

أفيون الشعوب أم أفيون السلطة؟

انهيار الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي كانت أحداثاً فارقة في القرن العشرين، حيث فشلت الشيوعية في تحقيق آمال الشعوب في الحرية والمساواة.
بالرغم من نشأتها كحركة فلسفية تهدف للمساواة، إلا أنها وقعت في فخ القمع والفشل الاقتصادي. فانتهى عصر الشيوعية بسقوط النظام السوفيتي.

انهيار الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي

شكّل سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي واحدا من الأحداث الفارقة في القرن العشرين؛ فقد أدى هذا السقوط إلى حدوث تغيرات عميقة وجذرية في بنية وهيكلية النظام العالمي، فظهر ما يسمى بالقطب الأوحد، المتمثل في الولايات المتحدة التي هيمنت على العالم من أجل مصالحها ومنافعها العالمية.

أما الفلسفة الشيوعية، التي تقع في الجانب المقابل للفلسفة الرأسمالية، وتعود أصولها حسب بعض المعطيات إلى “أفلاطون” في مجتمعه المثالي الذي سعى لتحقيقه، فقد جاءت أفكاره وسطًا بين الحرية المطلقة وبين الاستبداد القاهر وآلياته. وبعد أفلاطون بزمان بعيد تطورت الفكرة على يد “هوبز” و”هارنجين” في إنجلترا، وفي ألمانيا نمت الفكرة على يد “كانط” “وهيجل”، وفي نهاية القرن 19 ظهرت النظرية الشيوعية الجديدة بشكلها، في ألمانيا على يد “ماركس”.

ويذكر بعضهم أن الشيوعية الماركسية الحديثة لم تكن إلا حركة يهودية أسسها “كارل ماركس” في القرن 19 الميلادي، وهي تقوم على الإلحاد والإباحية والمادية وإلغاء الدين واعتباره أفيوناً، والقضاء على الملكية الفردية، وتدخُّل الدولة في كل شيء، وسيطرتها على مقدرات البلاد والعباد؛ ولكنها رفعت شعارات براقة، مثل الحرية والعدالة والمساوة والازدهار والتنمية.. وفشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق ذلك.

وقد انتشرت الشيوعية في أماكن كثيرة من العالم، وظلت منتشرة لمدة سبعين عامًا، وقد كانت لها صولات وجولات وغزوات في ميدان الصراع الفكري والمادي، حتى سقطت سقوطًا مُدويًا على يد ميخائيل غورباتشوف (1991- 1985)م، الذي دق آخر مسمار في نعش هذه الإمبراطورية الاشتراكية، والذي أعلن أن سياسات الحزب الشيوعي هي السبب في انهيار الاتحاد السوفيتي.

ولكن.. لماذا لم يتمكن الاتحاد السوفيتي بأيديولوجيته الشيوعية الاشتراكية الحديثة من أن يحتفظ بقيادته للعالم فترة أطول؟! ولماذا لم تحقق الشيوعية المبادئ التي نادت بها؟! وما هي العوامل التي تضافرت في انهيارها عالميًا؟

لقد ساهمت عدة عوامل وبقوة في انهيار التجربة الشيوعية؛ ومنها أن الشيوعية لم تحقق آمال وتطلعات الشعوب في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، فقد رفعت هذه الشعارات البراقة ولم يتم تطبيق أيٍّ منها على أرض الواقع؛ فقد تفشى الظلم والفقر والقهر والتسلط داخل البلاد. كما كان من تلك العوامل أنه لم يتم تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فقد كانت جميع السلطات مجتمعة في يد الحزب الواحد الشيوعي في صورة مركزية مغالية متشددة متطرفة.

بالإضافة إلى ما سبق، كان غياب مفهوم الديمقراطية والتعددية القائمة على التنوع، واستخدام السلطة للأساليب القمعية، وغياب الحرية في التعبير عن الآراء والأفكار، وفرض الرقابة على الصحف والمجلات، والتشويش على المحطات الأجنبية، وفرض حظر السفر إلى الخارج على الأفراد. كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية، وتدني مستوى المعيشة للأفراد، وانخفاض الإنتاج، وانتشار البيروقراطية، وهي مرض إداري في المؤسسات الإنتاجية، وارتفاع الأسعار بشكل أدى إلى زيادة الثقل على كاهل المواطنين، وقلة نصيب الفرد من الدخل.. كل ذلك قد عجَّل بانهيار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.

وقد كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية (1945- 1991)م، والتي اتسمت بالصراع والتنافس بين أيديولوجيتين مختلفتين، الشيوعية والرأسمالية، قد أسهمت وبقوة في ضعف القوتين، ووقفت هذه الحرب حجر عثرة أمام  تطور الحياة وازدهارها داخل الاتحاد السوفيتي بجميع جمهورياته، نتيجة الإنفاق العسكري الشديد والمُبالغ فيه على هذه الحرب وما تستلزمه من نفقات. كما أن حروب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان قد استنزفت موارده لفترة طويلة، وقد وقفت الولايات المتحدة بجانب الأفغان في هذه الحرب في بداية الأمر ودعمت المجاهدين العرب هناك، ولكن كل شيء تغير بعد ذلك .

لقد تميز الاتحاد السوفيتي بمساحة كبيرة مترامية الأطراف في آسيا وأوربا، وقد عجزت الحكومة المركزية آنذاك عن السيطرة الكاملة على هذه المساحات الشاسعة والضخمة، وبالإضافة إلى ذلك لم يكن هناك انسجام بين الحكومة المركزية والجمهوريات السوفيتية.

والجدير بالذكر هنا أن “ميخائيل غورباتشوف”، آخر زعماء الاتحاد السوفيتي، قد حاول إدخال بعض الإصلاحات في المجالات الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسعى إلى رفع الروح المعنوية، ولكنها كلها باءت بالفشل ولم تؤتِ ثمارها، لأنها كانت إصلاحات وتعديلات في بنية متهالكة، ولم ترتقِ هذه الإصلاحات إلى تطلعات الشعوب السوفيتية وآمالها، بل حصل على العكس من ذلك أن بعضهم اتهمه بأن تعديلاته هي التي عجّلت بسقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي.

بذلك انتهت قصة الشيوعية، ولم تستطع أي من دولها تحقيق ما سُمي بالمدينة الفاضلة التي نادى بها “ماركس”، وانهار الاتحاد السوفيتي بعد أن سيطر على سُدس مساحة الكرة الأرضية. ورغم اختلاف الآراء في شأن هذه الإمبراطورية، فالثابت أنها كانت عامل توازن استراتيجي في السياسة الدولية القطبية .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...