أكانت العصور الوسطى حِقبة مظلمة فعلاً أم ممهِّدة لعصر النهضة؟

بواسطة | مايو 26, 2024

بواسطة | مايو 26, 2024

أكانت العصور الوسطى حِقبة مظلمة فعلاً أم ممهِّدة لعصر النهضة؟

تُعد فترة العصور الوسطى، والتي تمتد من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الميلادي، من أكثر الفترات التاريخية إثارةً للتساؤلات وتعقيدًا أمام الباحثين في دهاليزها؛ ولقد شهدت أوروبا خلال تلك الفترة أحداثًا وتغيرات جذرية على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية. وقد اعتبر بعضهم أن هذه الفترة كانت فترة ظلام وانحطاط، في حين اعتبر آخرون عصر النهضة الأوروبية امتدادًا لهذه العصور الوسطى.

وفترة العصور الوسطى عرّفها البعض بأنها الفترة من تاريخ أوربا، التي تمتد من عام 476م (سقوط الإمبراطورية الرومانية) إلى عام 1492م (اكتشاف أمريكا)، وقيل عام 1453م (سقوط القسطنطينية في أيدي المسلمين)، وقد ابتكر هذا المفهوم مؤرخو القرن السابع عشر.

ويرى بعض المؤرخين أنه من الصعوبة تحديد بداية ونهاية هذا العصر، على اعتبار أن مظاهر النهضة موجودة في نهاية العصور الوسطى، ومستمرة في الأزمنة اللاحقة من تاريخ أوربا، وذلك بحكم التداخل الموجود بين نهاية العصور الوسطى وبداية العصر النهضوي الجديد والحديث؛ وعلى هذا الأساس اعتبر الباحثون أن العصور الوسطى هي عبارة عن عصور طويلة تمتد من نهاية القرن الثالث عشر وحتى مطلع القرن السابع عشر الميلادي.

كانت الدراسات الأولى دائمًا تنظر إلى العصور الوسطى على أنها عصور ظلام وانحطاط في أوروبا، القارة العجوز، بسبب كثرة ما ساد فيها من حروب وصراعات امتدت لفترات طويلة، مثل حرب المئة عام بين إنجلترا وفرنسا، وانتشار الأوبئة والمجاعات، وركود الإنتاج، وانكماش الاقتصاد، وجمود التبادل التجاري، وضعف التمدن، واستمرار العبودية بكافة أشكالها، واحتكار الكنيسة للفكر والثقافة، وسيطرتها الدينية على المجتمع والملوك، وفرض السياسات القمعية .

ولكن مع تطور البحث التاريخي، القائم على البحث والتنقيب، أصبحت العصور الوسطى فترة يُنظر إليها كحقبة تاريخية متغيرة، وممهدة للتغيرات اللاحقة التي ستعرفها أوربا فيما بعد؛ تظهر فيها علامات ومؤشرات النهضة بشكل خفي، وأحيانا بشكل جلي وواضح، ما استدعى إعادة النظر في العصور الوسطى باعتبارها مرحلة مليئة بالتغيرات التاريخية المستمرة، ومحتوية على مراحل تفصيلية منيرة، حافلة بالسعي نحو النهوض .

ويمثل هذا الاتجاه عدد من المؤرخين، منهم المؤرخ الفرنسي “جاك لوغوف”، الذي اهتم بدراسة العصور الوسطى دراسة مستفيضة، واعتبر أن القرنين الحادي عشر والثاني عشر – أي قبل انتهاء الفترة الظلامية بقرنين من الزمان- يمثلان الانطلاقة الكبرى الحقيقية لأوروبا، حيث اختفت العبودية مبكراً، وتضاعف عدد السكان، واستصلح العديد من الأراضي، وزاد الإنتاج والاستهلاك وحركة التجارة والتبادل في البضائع؛ وأيضاً تميز القرنان الثاني عشر والثالث عشر بظهور حركة ثقافية وفكرية تجسدت في تعدد المدارس، وظهور الجامعات وتقليص سيطرة الكنيسة على العقول وانطلاق حركة التعلّم شيئاً فشيئاً.

ويلفت لوغوف الانتباه بقوله: “إن هناك خطأً شائعًا يقول أصحابه إنه مع اكتشاف العالم الجديد (أمريكا) من قبل كريستوف كولومبوس سنة 1492م تغير العالم تمامًا”، ويتبين لنا أن هذا رأي خاطئ، فالعالم لم يتغير تمامًا آنذاك، إنما هي أحداث وسلسلة من الحوادث التفصيلية المتراكمة.

فالعصور الوسطى، سواء كانت مظلمة أو ممهدة لعصر النهضة، قد كانت مليئة بالأحداث والتطورات التي تركت بصمة على التاريخ الإنساني، وهي حِقبة لا بد من دراستها لفهم العالم الذي نعيش فيه اليوم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...