ابن القاسم.. من حكم باكستان إلى سجون العراق

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 21 أبريل, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 21 أبريل, 2024

ابن القاسم.. من حكم باكستان إلى سجون العراق

شابٌّ دون الرابعة والعشرين، لطالما تضرب به الأمثال عند الحديث عن الطموح الشبابي والنضج المبكر لدى الشباب، نجح في القضاء على الوثنية والشرك في بلادٍ عجز كثيرون من قبله عن الوصول إليها، وبفضله أصبحت من أكبر الدول الإسلامية في العالم، ولم تتنكر تلك البقعة لهذا الدين، تلك البقعة هي «السند» قديما، وهي من أعمال «جمهورية باكستان الإسلامية» الحالية .

الشاب محمد بن القاسم الثقفي «فاتح بلاد السند»، ولد عام 72هـ بالطائف، ثم انتقل مع أسرته إلى البصرة بالعراق، فقد تم تعيين والده واليًا على مدينة البصرة من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان واليًا على العراق في زمن خلافة عبد الملك بن مروان، ثم انتقل إلى مدينة واسط فنشأ بين الجنود، وتعلم الفروسية، واشترك مع الحجاج في محاربة الخوارج، وقد أبلى بلاءً حسنًا، ولكن ابن القاسم كانت نفسه تتوق إلى شيء أكبر من ذلك، وهو الجهاد العسكري في سبيل الله والقضية العقدية المركزية؛ وقد سنحت له الفرصة عندما استدعاه الحجاج فعينه قائدًا على جيش العرب لفتح بلاد السند، وكان عمره – حسب كثير من الروايات- لم يتجاوز الثامنة عشرة.. بعمر شاب في السنة الأخيرة في مرحلة الثانوية العامة .

وسبب الاستدعاء له وتعيينه من قبل الحجاج أنه كانت هناك مجموعة من السفن تحمل على متنها الهدايا والنساء المسلمات، وكانت متجهة من جزيرة سيلان بجنوب الهند إلى العراق فاستولى عليها قراصنة «الدَّيْبُل» – مدينة تقع على ساحل بلاد السند-  فصرخت امرأة واستغاثت بالحجاج، فأرسل إلى الدَّيْبُل حملتين عسكريتين، الواحدة تلو الأخرى، ولكنهما باءتا بالفشل، وقُتل القائدان اللذان كانا على رأس الحملتين؛ فاستقر رأي الحجاج على تجهيز جيش بقيادة ابن الطائف محمد بن القاسم، مدعم بأسطول بحري يحمل المؤن والعتاد، وسار الأسطول من العراق واستقر بساحل مدينة الديبل.

انطلق الجيش عام 89هـ، وعبر الصحراء، واستولى في طريقه على العديد من المدن، ثم وصل إلى الديبل واقتحمها المسلمون، واستسلم القراصنة، وتم إطلاق سراح النساء المسلمات، ثم أمر ابن القاسم ببناء مسجد في مدينة الديبل، ودخل الناس في دين الله أفواجا.. واصل ابن القاسم مع جيشه فتح البلاد، فدخل مدينة «البيرون»، وقد رحب به أهلها، وأحسنوا استقباله، ثم استأنف السير، وكلما مر بمدينة أعلنت له الخضوع والطاعة.

بعد ذلك اشتبك الجيش العربي مع جيش الملك داهر، ملك البلاد هناك، في معركة حامية الوطيس انتصر فيها الجيش العربي، وقتل ابن القاسم الملك داهر بسيفه، ثم زحف إلى مدينة «المُلتان» ففتحها، ودخل مدينة «الكيرج» وحارب ملكها، وفتح كل بلاد السند حتى وصل إلى حدود الهند الشمالية.

وهنا نتوقف مع حدث مرير، كانت الكفاءات العربية فيه تحت رحمة الصراعات السياسية، دون تقييم لها ودون تقدير للجهود الماضية؛ فبعد أن توفي الوليد بن عبد الملك وتولى الخلافة من بعده أخوه سليمان، انتقم الأخير من كل قادة بني ثقيف الذين كانوا يسعون لعزله من ولاية العهد.. وعلى الرغم من أن ابن القاسم كان بمنأى عن هذه الصراعات السياسية، فقد تم عزله من ولاية السند، وسيق إلى سجن واسط، وتم إعدامه عام 96هـ مع كل أسف.

بقيت ذكرى هذا القائد الذي فتح البلاد وحرر العباد، ورفع رواتب الأُجراء، وقام بتوزيع الصدقات على الفقراء، وأقام العدل بين الناس، وبنى المساجد في البلاد.. ولو كُتب له الاستمرار لتخطى السند، وفتح الهند مبكراً، وواصل سيره إلى جنوب شرق آسيا.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

1 تعليق

  1. عبدالعزيز العجمي

    شكرا يا دكتور على هذي الفائدة وأمتعنا بسيرة البطل محمد بن قاسم الثقفي.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...