افهم عقلية عدوك تهزمه

بواسطة | مايو 9, 2024

بواسطة | مايو 9, 2024

افهم عقلية عدوك تهزمه

من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم.. ورغم أن العبارة تعارف الناس على أنها حديث نبوي، بينما هي غير ذلك ولا أصل لها في كتب الحديث، فإن معناها صحيح لا غبار عليه. فمن يتعلم لغة قوم، أو يدرس فكرهم وثقافتهم وأساليب حياتهم، فلا شك أنه سيتعرف عليهم بشكل دقيق، وبالتالي سيختار الطريقة المناسبة في التعامل معهم، والأهم من ذلك أنه سيأمن بذلك العلم جانبَهم ومكرهم؛ وهذا تماماً ما يحدث في غزة رغم التضحيات الكبيرة التي تقدمها، لكن هكذا هي طبيعة التحولات التاريخية العظيمة.. وحتى لا أطيل في المقدمة، دعني أدخل في الموضوع مباشرة.

حماس هي أكثر الجماعات فهماً للعقلية الصهيونية، وكفاءةً في التعامل مع الفكر الصهيوني في السلم والحرب، على رغم حداثة عمرها مقارنة بفصائل فلسطينية أخرى، وبالتالي لا أظن موافقتها على بنود اتفاقية وقف إطلاق النار قبل أيام كانت نتيجة ضغوط، بقدر ما كانت عن دراسة وفهم عميق لعقلية العدو.

ظني أن حماس أرادت أن تحشر العدو في زاوية صعبة، وتكشف للعالم أجمع أنه طرف مخادع لئيم خبيث، لا يهمه قانون أو ميثاق، ولا يحترم عهداً أو ذمة، وأنه لا يدخل أي مفاوضات سوى لممارسة فعل التفاوض ليس أكثر.. لا ينتظر منها نتيجة، أو – بالأصح- لا يرغب في نتيجة سوى التي يراها صالحة له هو فقط، وليس لغيره.

حماس استثمرت التعاطف العالمي المتزايد معها، لاسيما حركة الاحتجاج الطلابية في الجامعات الأمريكية، والمتوقع نموها واتساع رقعة انتشارها، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في العالم كله بإذن الله؛ وهذا التعاطف يتطلب فعلياً الإسراع باستثماره على كل صعيد ممكن، ولعل موافقة حماس على الاتفاقية جاءت من هذا الباب وليس من باب الرضوخ للضغوط.. هذه نقطة أولى في كيفية إدارة أزماتك، عبر فهم عميق لفكر أو عقلية عدو متعجرف ومتكبر.

لغة القوة    

أما النقطة الأخرى في مسألة فهم عقلية العدو، فهي أن قادة حماس السياسيين والعسكريين على حد سواء صاروا على دراية كافية به وبكيفية تفكيره، وخلاصتها أن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا العدو أكثر من لغته العبرية أو الإنجليزية أو حتى لغات الحاسب والإشارة!

هذا الفهم العميق عند قادة حماس لهذا الأمر، وهم يتعاملون مع جنس بشري صاحب طباع خبيثة، ليس وليد اليوم، وإنما تشكَّل بفعل خبرات متراكمة عبر سنوات الصراع معه، بالإضافة إلى أن هذا الفهم للعدو جاء من سيرة قدوتهم الرفيعة وقدوة كل مسلم، سيد البشر محمد (صلى الله عليه وسلم) حين تعامل مع يهود المدينة باللغة التي يفهمونها – لغة القوة- من بعد أن وصل أذاهم للإسلام والمسلمين درجة، لم تعد تنفع معها أساليب ولغات التسامح والتعايش وما شابهها.

 ما يجري اليوم في غزة، رغم التفاوت المادي في العدد والعتاد بين حماس والعدو الصهيوني، إنما هو جزء من صراع مفهوم ومستمر، أو هو – إن صح التعبير- صراع بين الحق والباطل، لن ينتهي بانتهاء مسألة أو أزمة، بل سيتواصل ظهوره من جديد بصور مختلفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. المسألة واضحة لا تحتاج لكثير شروحات وتفصيلات؛ فهناك احتلال قائم في جهة، مدعوم من قوى عالمية تعتبره رأس حربة لها من خلال وجوده في المنطقة، وهناك في جهة أخرى شعب يقاوم.. هذه هي القصة باختصار شديد دون كثير مساحيق مادية أو إعلامية، ودون تزوير لحقائق التاريخ أو الجغرافيا.

حماس – ولأنها فهمت وهضمت الفكر الصهيوني، وكيفية تعامله مع الوقائع على الأرض- صمدت أمام قوة هذا العدو الباغي المعتدي، والمدعوم بشكل لا نظير له. وصمود حماس السياسي والعسكري كان بمثابة الشرارة، التي أشعلت نار الاحتجاجات في العالم ضد عدوان صهيوني همجي يعتدي على شعب يقاتل من أجل أرضه وعرضه وماله.

غزة.. أمل الأمة الباقي  

من هنا يمكن القول بأن حماس هي الجذوة المتقدة الوحيدة الباقية في هذه الأمة، والتي يمكن أن تنير الدرب، وتشعل محركات الدفع والقوة في الأمة، وانطلاقا من غزة ربما تتحقق نهضة الأمة لتسود من جديد؛ ولعل هذا يفسر لك سر تكاتف الشرق والغرب في العمل على إطفاء هذه الجذوة أو الشعلة، مهما كان حجمها. فقد ارتعب الغرب تحديداً من ثورات الربيع العربي التي أُجهضت بتكاتف عربي رسمي وغربي وصهيوني، وما يحدث الآن في غزة منذ أشهر سبعة، يبعث من جديد خوفًا وقلقًا شديدين من أن تكون أحداث غزة شرارة ربيع عربي أو مسلم جديد، كما كانت من تونس البوعزيزي في الموجة الثورية العربية الأولى، قبل أعوام أربع عشر مضت.

ما يحدث في غزة إذن، على رغم سعادة الغرب في بدايات العدوان، ورغبته في التخلص من آخر قوة سنية مسلحة بالمنطقة، صار وضعاً مخيفاً لهذا الغرب، لأنه ربما يمهد الأرضية المناسبة لعودة أو نهوض أمة العرب والمسلمين مرة أخرى. إنها عودة أو نهضة لا شك ستكون مقلقة جداً للشرق القريب قبل الغرب البعيد.. ولهذا يحدث ما يحدث لغزة الآن من محاولات حثيثة لجعلها تركع وتستسلم بكل الطرق، ولكن غزة – بسياسييها وعسكرييها، وفهمهم العميق لعقلية العدو- قادرة بإذن الله أن تجعل العدو هو من يركع ويستسلم بطريقة أو بأخرى؛ والأمر يبدو أنه يتجه إلى هذا بإذن الله.. {ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريباً}

1 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

بعد أن طُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في المحراب في صلاة الفجر، يومَ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، احتمله الناس إلى بيته وجراحُه تتدفق دما. همّ الخليفة أن يعرف قاتله كان من أوائل ما طلبه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعرف...

قراءة المزيد
حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع "دودي الفايد" مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات "ديانا"!. للتذكرة.. "دودي" (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن. نحن –...

قراءة المزيد
الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

ظل مالك بن نبي مصراً على أن ملحمة الاستقلال العربي الإسلامي، الممتد إنسانياً بين أفريقيا وآسيا، تنطلق من معركة التحرير الفكري بشقّيها؛ كفاح الكولونيالية الفرنسية عبر روح القرآن ودلالته الإيمانية، ونهضة الفكر الذاتي الخلّاق من أمراض المسلمين، والرابط الروحي والأخلاقي...

قراءة المزيد
Loading...