الإشاعة الرقمية ودورها في حسم فصول المعركة

بواسطة | فبراير 16, 2024

بواسطة | فبراير 16, 2024

الإشاعة الرقمية ودورها في حسم فصول المعركة

الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الإشاعة الرقمية كأداة فتك وتأثير، تحقق أهدافه قبل التحرك في الميدان. تعتمد على البراعة في صناعتها ونشرها، لتسويق فكرة تبرير جرائمه العسكرية وتأثيره على الرأي العام. هذه المقالة تفحص استراتيجية الاحتلال وتحليل آثارها.

سلاح الاحتلال الإسرائيلي في الصراع بفلسطين

الإشاعة الرقمية أهم أسلحة الاحتلال

الرصاصات والقنابل والطائرات ليست كل أسلحة الاحتلال الإسرائيلي التي يستخدمها في إدارة المعركة في فلسطين؛ لأن هناك سلاحًا أشد فتكًا، وأكثر قوة يعتمد عليه الاحتلال بشكل كبير، ويعوّل على نتائجه قبل التحرك في الميدان، وهو الإشاعة التي يبثها بين صفوف المواطنين، ويحصد ثمارها على شكل جنود متطوعين في صفوف القتال معه، خاصة عندما يطلقها في الفضاء الرقمي.

براعة الاحتلال في صناعة الإشاعة

ولابد من الاعتراف أن الاحتلال برع في استخدام الإشاعات الرقمية، كجزء من استراتيجيته الإعلامية لتبرير أعماله العسكرية ضد قطاع غزة، والتأثير على الرأي العام الدولي، وخلال أربعة أشهر مضت كانت الإشاعة الرقمية أداة طيّعة بين يدي لجانه الإلكترونية، كوجبة دسمة يسوّقها بسهولة، فهي سريعة التحضير، رخيصة التكاليف، قوية في التضليل وتشويه الحقائق وتغيير قناعات الجمهور وتعديل مزاج الرأي العام وجلب مناصرين لروايته، حتى من بين صفوف أعدائه؛ لدهائه في قنص أكثر من هدف عند نشر أي إشاعة رقميًا.

أهداف إشاعات الاحتلال الرقمية

الهدف الأهم الذي يسعى الاحتلال لتحقيقه من الإشاعة الرقمية هو تسويق فكرة أن قتل المواطنين سببه المقاومة، واستخدامها إياهم دروعًا بشرية، واختباؤها في المناطق السكنية، وأن الآلام التي يعاني منها الناس سببها المقاومة لا الاحتلال، في محاولة منه لكيّ الوعي محليًا وعالميًا، ولكنه في الوقت ذاته يلعب على اللاوعي الجمعي، عندما يوعز بشكل غير مباشر لمتابعي روايته أن يتبنوا فِكَرًا صدّرها ضمن الإشاعة ولم يصرح بها بشكل مباشر، كما حدث مع فيديو نشره وادّعى أنه يُظهر رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار وأفرادًا من عائلته، يسيرون داخل نفق في العاشر من أكتوبر الماضي.

فيديو السنوار مثالاً

حيث نشر جيش الاحتلال مقطعًا مسربًا، قال إنه يُظهر السنوار وهو يفر مع ثلاثة من أولاده وشقيقه وإحدى زوجاته، ورغم أن الفيديو لم يُظهر وجه أيٍّ منهم، والمقطع يعود لزمن مضى ولا فائدة مرجوة تبدو من عرضه، فإن الاحتلال كان يريد من رواد الشبكة العنكبوتية أن يركزوا على فكرة هروب القادة واختبائهم في الأنفاق، في الوقت الذي يتعرض فيه بقية الشعب فوق الأرض للإبادة الجماعية، وهذا ما حدث بالفعل، إذ تطوع جمع غفير من النشطاء للجدال بطريقة تخدم فكرة الاحتلال وتحقق غايته، وبذا أعاد الاحتلال كرة النار إلى صدر المقاومة كما فعل بمقاطع كثيرة نشرها سابقًا، بلغت ذروتها في الجدل بين رواد مواقع التواصل بعد مقتل نحو مائة مواطن في رفح في عملية عسكرية معقدة، ادعى الاحتلال أنه حرر فيها أسيرين من مناطق سكنية من بين يدي المقاومة، وكان الهدف من تلك الإشاعة تثبيت فرية أن المقاومة تحتفظ بأسرى الاحتلال بين المواطنين، لاسيما في المناطق المكتظة بالسكان.

مآرب أخرى على الطريق

مع كل مقطع يبثه الاحتلال في الفضاء الرقمي يضع جملة من الأهداف لتحقيقها، ويركن إلى جهل الناس أو غباء المتابعين، أو رغبة الموتورين بالانتقام، أو عدم وجود رواية أخرى منافسةٍ لروايته، لكي يحقق مآربه؛ ومن ضمن الأهداف التي يسعى لتحقيقها عبر رقمنة الإشاعات:

  1. إشغال أهالي الأسرى لأطول فترة ممكنة بأي حدث على أنه إنجاز يقربهم من تحرير أسراهم.

  2. ضرب الجبهة الداخلية في قطاع غزة وبث الشعور بتخاذل المقاومة، وبقدرة قوات الاحتلال المطلقة.

  3. إقناع الشارع العربي بقدرة الاحتلال على الوصول إلى المقاومة، وامتلاك المعلومة والسيطرة على الميدان في كل وقت.

  4. إثبات التفوق العسكري للمتابع الغربي، وإنسانية الاحتلال في الحروب، ومجابهته لعدو إرهابي لا يعرف الرحمة.

ولا تكتمل الجريمة إلا بأولئك الذين يتلقفون رسالة الاحتلال، وكل ظنهم أنهم حصلوا على سبق صحفي أو تسريب خطير، أو قصة مؤثرة قادرة على الانتشار الذاتي والتأثير وجلب التفاعل والمتابعين.

أولئك الجهلاء، بسبب نزعتهم التهويلية ونشرهم رواية الاحتلال، يؤثّرون في طبقة أخرى من المتابعين، الذين يثقون بهم ولا يعرفون المصدر الرئيس للقصة، وهنا تبدأ كرة الثلج بالتدحرج والتورّم حتى يظن العوام أنها رأي الشارع وإجماع النخب، وتنجح الإشاعة رقميًّا وميدانيًّا.

تكتيكات مرافقة لنشر الإشاعات

اعتمد الاحتلال تكتيكًا آخر للتغطية على جرائمه، بإلهاء الجمهور في محاور جانبية بينما يحقق هو أهدافه الأساسية، كأن يزعم عبر الإعلام الرقمي اكتشاف فتحة نفق في مستشفى، هو يعرف أننا نعرف أنها مدخل الأسلاك الكهربائية، لكنه أثار الرأي العام وجادل ليقنع العالَم أنها نفق للمقاومة، كي يبعد الأنظار عن جوهر الإجرام الذي نفّذه، وهو اقتحام المستشفى وقتْل عشرات الأطفال الخدّج فيه.

كما نشر العديد من المقاطع لجنوده إذ يقاتلون جدران المدارس في مشاهد عصبية تدعو للتهكم والسخرية، بينما لم يركز أحد على ضرورة إدانته بتهمة تدمير المدارس، والاعتداء على أماكن يمنع القانون الدولي انتهاك حرمتها.

وأعاد الاحتلال نشر مقاطع تعرية المواطنين وهم يسلّمون سلاحهم، بتصويرهم على أنهم من رجال المقاومة المستسلمين، وصب جل تركيزنا على طريقته الهزلية في التنفيذ؛ ليحرف البوصلة بعيدًا عن انتهاكه حقوق المدنيين وتعريتهم في البرد وخطفهم بلا ذنب، وقتل بعضهم بعد إذلالهم وإهانتهم..

تعمّد الاحتلال تكرار نشر ذلك النوع من المَشاهد كي يتعوّد المُشاهد على ممارساته، ويكتفي بالبحث عن طريقة لانتقادها وتفنيد مزاعمه، بينما يخفي هو جرائمه بين طياتها، ويتنصّل من أي مساءلة قانونية، وهو ما ينهجه ضمن سياسة الإلهاء، التي تمنح المنتقد شعورًا زائفًا بالنصر حين يظن أنه وصل لكشف زيف ادعاء الاحتلال، فيركن للراحة ويُمضي الوقت يسخر من الجيش الكرتوني بدلاً من إدانته.

الأحداث والأشخاص في مرمى الإشاعة

لا يقتصر الاحتلال في نشر الإشاعة الرقمية على تزييف الوقائع والأحداث، بل يمتد لاستهداف الأشخاص معنويًا، خاصة النشطاء والصحفيين والأطباء، إلى جانب من يقف عثرة في طريق تحقيق جنوده لأهداف الإبادة، محليًا أو عالميًا، ببث أخبار زائفة عنهم، بهدف نقل الضحية من خانة الهجوم وكشف جرائم الاحتلال، إلى مربع الدفاع عن نفسها وتبرئة ساحتها من الفرية التي ادّعى الاحتلال أنها فيها.

من يقع في مصيدة إشاعات الاحتلال؟

عادةً، من يقع في مصيدة الدعاية السوداء للاحتلال، ويكرر مزاعمه باختياره، صنفان من المتابعين:

– جاهل يردد كل ما يسمع دون أن يتحقق، وهذا لابد أن يدرك أن كل ما يصدر عن الاحتلال هو شكل من أشكال الجرائم والإبادة.

– وحاقد منحاز للعدو، وهذا لا يخاطَب بالكلام، بل يُقذف بأحذية المقاومين المهترئة، بعد الاعتذار للأحذية.

والعجيب أن الاحتلال سرعان ما يفضح الذين تبنوا الإشاعات التي بثها من خلال المنشورات التي يلقيها على المواطنين، كالشيطان إذ يقول لأتباعه إني بريء منكم.

شارك في معركة الوعي

لن يتوقف الاحتلال عن اعتماد الإشاعات الرقمية ظهيرًا لجنوده في فصول المعركة حتى حسمها، ولا سبيل لدحض الإشاعات رقميًا وميدانيًا إلا بمثلثٍ، أركانه: الوعي، وإسناد المصدر، والثقة في المقاومة ورجالها الذين يتوجب عليهم مد الجمهور بالمعلومة في وقتها؛ كي لا يقع ضحية الاستهداف الممنهج من اللجان الإلكترونية، والأغبياء والجهلاء والمتطوعين لخدمة الاحتلال مجانًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

1 تعليق

  1. Reem Aboheef

    رائعه

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...