الاكتناز الرقمي عدو القضية الأخطر

بواسطة | مارس 22, 2024

بواسطة | مارس 22, 2024

الاكتناز الرقمي عدو القضية الأخطر

مصدر المحتوى المرئي على الإنترنت

هل تعلم أن 80% من المحتوى المرئي على الإنترنت في عام 2023 قد تم إنشاؤه بواسطة المستخدمين الأفراد؟ أي أن الناس هم الذين ضخوا الجزء الأعظم من الصور والمقاطع المرئية على مواقع التواصل الاجتماعي.. فمثلاً، هناك أكثر من 500 مليون صورة جديدة يتم نشرها على إنستجرام يوميًّا، كما يتم إنشاء حوالي 100 ساعة من مقاطع الفيديو الجديدة على يوتيوب كل دقيقة؛ لذا لم نعد نعاني في عصر الثورة الرقمية من نقص المعلومة والصورة، بل أصبح عندنا منها فائض غزير، حتى انتقلنا إلى أزمة الاكتناز الرقمي.

ما هو الاكتناز الرقمي؟

هو سلوك للفرد يؤدي به إلى الاحتفاظ المفرط بالبيانات الرقمية، مثل الصور، والرسائل، والبريد الإلكتروني، والملفات، حتى لو لم تعد ذات فائدة أو قيمة، مع عدم قدرة المكتنز على التخلي عن المعلومات.

لذلك يقوم المكتنز الرقمي بتجميع رسائل البريد أو الصور أو المقالات أو الملفات الصوتية، أو روابط التحميل أو أي نوع من المحتوى الرقمي الذي يعتقد أنه قد يرغب في حفظه أو استخدامه في المستقبل.

ظهر مصطلح الاكتناز الرقمي لأول مرة عام 2015 في ورقة بحثية عن رجل هولندي يلتقط آلاف الصور الرقمية يوميًا، ويقضي ساعات طويلة في تعديلها على الكمبيوتر، ويذكر القائمون على الدراسة التي نشرتها Human and Social Sciences أنه “لم يستفد من تلك الصور البتة ولم يطّلع عليها، لكنه كان مقتنعًا بأنه لا بد من أن يكون لها نفع في المستقبل”.

اكتناز العدوان على غزة

وقع عدد كبير من المستخدمين الذين تابعوا العدوان على غزة في معضلة الاكتناز الرقمي، إذ بدؤوا منذ نحو ستة أشهر بتكديس الملفات والصور والمقاطع والقصص، وتخزين المعلومات حول القضية في أبعادها المختلفة بشكل نهم، على أمل الاستفادة منها مستقبلاً، ولكن ذلك المستقبل لم يأت بعد، ولم يحقق المستخدم الاستفادة الفعلية من الملفات التي خزنها على أجهزته، وهو فعليًا لا يعرف الآن الفائدة المثلى لهذه المواد المخزنة.

نماذج اكتناز

عند فحص جهاز المكتنز ستجد أنه قام بواحد أو أكثر من الأنشطة التالية:

– تخزين المقاطع المرئية للانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحق الأبرياء من النساء والأطفال والكبار، وجرائم الجنود ضد الفلسطينيين على مدار أيام العدوان، وقد يصنفها بحسب الأيام أو الأماكن أو الفئات المجتمعية.

– حفظ صور الكاريكاتير والتصاميم والإنفوجرافيك، واللوحات المولّدة بالذكاء الاصطناعي، والمقاطع المترجمة، واللقاءات مع المسؤولين والمشاهير، والمواقف التي تتندر على جنود الاحتلال، والمقاطع التي توثق إنجازات المقاومة، وفيديوهات حوارات المؤثرين والنشطاء، وملفات الـ PDF التي تشمل التقارير والإحصاءات والمعلومات اليومية للأحداث والقصص الإنسانية.

– متابعة كل حساب جديد يتحدث عن فلسطين على إنستجرام وإكس وبقية المنصات على أمل البقاء في صورة الأحداث وآخر المستجدات.

– جمع قوائم بأسماء الشركات الداعمة للاحتلال، وصور لعلاماتها التجارية، وإنفوجرافيك عن خسائرها الاقتصادية، وتصاميم للدماء وهي تغلف منتجاتها، والعديد من المقاطع المرئية، والتطبيقات التي تسهّل عملية التعرف على المنتجات عند الشراء.. كل ذلك التخزين بهدف المقاطعة، وعند الشراء يسأل هل هذا المنتج مقاطع أم لا؟

– الانضمام إلى عشرات المجموعات على واتس آب والقنوات الإخبارية على تيليجرام على أمل متابعة الأخبار ومعرفة الحملات والمبادرات، وفي النهاية تكون كلها على الوضع الصامت، وبالرغم من ذلك بمجرد أن يسمع باسم مجموعة أو قناة جديدة لا يتردد في الاشتراك بها.

النية في صورتها الأولى

معظم حالات الاكتناز تبدأ بنية البحث عن المعرفة والاستفادة من المحتوى الرقمي، ومع الوقت يشعر المكتنز بانتقاله بشكل آلي إلى التخزين بهدف التخزين لا لشيء آخر، وقد لا يعي شيئًا مما خزنه، ولا يقدر على مجابهة أحد في مناظرة عن الحق الفلسطيني، رغم ما يخزنه من آلاف الوثائق والمستندات، وهذا له وصف في القرآن يدلل على حالته: {كَمَثل الحمار يحمل أسفارًا} [الجمعة: 5].

مع طول المدة وكثرة المواد المكتنزة يصاب المكتنز بالتوتر والضغط العصبي، عندما لا يتمكن من تخزين شيء جديد، وفي المقابل كلما زادت كمية البيانات المخزنة عنده زادت حاجته للتحكم فيها، وإذا كان غير منظم في عملية التخزين، فمن المحتمل أنه سيفقد السيطرة بسرعة ويعاني من التوتر، ما يؤثر سلبًا على صحته النفسية والعقلية، ويؤدي إلى تقليل الإنتاجية والتأثير على النشاط الذهني، ما قد يضطره وفي لحظة حاسمة لاتخاذ قرار بالابتعاد تمامًا عن القضية والأحداث وكل شيء، والبحث عن الراحة النفسية في سلوك آخر.

خطر الاكتناز على القضية

وبلا ذنب جنته قد تفقد القضية داعميها، لا لشيء إلا أنهم لم يتمكنوا من الاحتفاظ بكل ما ومن يتحدث عنها، فالتعصب في الانتماء قد ينتج كرهًا لكل وافد جديد، ورغبة سريعة في الانتهاء من الأحداث، على اعتبار أنها مثل بطولة كأس العالم، يجمع كل الصور والمقاطع والأهداف واللاعبين ويخزنها في سقف زمني لا يزيد عن شهر، ثم ينتقل إلى حدث آخر، ولكن زيادة الأيام والأحداث والصور والمقاطع سيرهق كاهل المكتنز ويؤدي به إما إلى الاعتياد أو الهجران.

التنظيم هو الحل

ولأن الاكتناز الرقمي للمحتوى الفلسطيني قد يؤدي إلى هجران القضية والتخلي عن متابعتها، فإن الحل يكمن في التنظيف الرقمي الدوري والتنظيم للمحتوى، والاعتماد على التخزين السحابي، وإلغاء الاشتراك في المجموعات المتكررة، وعدم متابعة الأشخاص غير المفيدين، واعتماد الحد الأدنى من الإشعارات والتنبيهات، وتنظيم الملفات على سطح المكتب، وتقليل التطبيقات على واجهة المحمول، كل هذه التعديلات تفيد في الوصول إلى الراحة النفسية والمتابعة الصحية للأحداث.

أكدت دراسة علمية أمريكية أن 59% من المشاركين شعروا بالإيجابية بعد إعادة ترتيب ملفاتهم الرقمية، ووصفوا أنفسهم بأنهم “منتجون” و”منجزون” و”مرتاحون” بعد التخفيف مما اكتنزوه رقميًا في أجهزتهم الذكية المختلفة.

لماذا نحن هنا؟

يوم توجهنا إلى هذه المنصات، إنما كان ذلك لنقدح الأفكار ونوجه الطاقات للميدان؛ كيما نغير الواقع بجهود الثابتين على الحق في الفضاء الرقمي وعلى أرض المعركة، وما كانت هذه الصور والمقاطع الواردة من غزة يومًا للاكتناز، وإنما لبث الحياة في أمة تاقت شعوبها للحرية والانعتاق، وما هذا المحتوى المتدفق من أرض الرباط إلا فتيل الثورات.

1 تعليق

  1. مختار

    بارك الله فيك و في ما تقوم به رقميا لنصرة غزة و المستضعفين.
    مختار. من أكادير جنوب المغرب

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...