الجذور التاريخية لـ “نعمت شفيق”!

بواسطة | أبريل 28, 2024

بواسطة | أبريل 28, 2024

الجذور التاريخية لـ “نعمت شفيق”!

سيذكر التاريخ أنّه في المرتين اللتين تم استدعاء الشرطة فيهما لحرم الجامعات الأمريكية، فإن من قام بهذا التصرف مصري كريم العنصرين؛ النيل رواه، والخير جوّاه، بحسب الإعلان التلفزيوني القديم!

فلم تكن فعلة “نعمت هانم شفيق” رئيسة جامعة كولومبيا هي الأولى من نوعها، فقد سبقها إلى ذلك مصطفى الفقي، مدير مكتب الرئيس مبارك للمعلومات، لتكون هذه هي القشّة التي قصمت ظهر البعير، ولتعجل بخروجه من الرئاسة!

أما وأنها القشة التي قصمت الظهر، فلأن القرار كان متخذًا بالفعل في واقعة لوسي أرتين، التي أطاحت به وبوزير الدفاع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، وبآخرين في الأجهزة الأمنية، منهم مدير أمن العاصمة ورئيس المباحث، ومما قيل إن هذا التشكيل ساعد هذه المرأة الأرمينية في قضايا بينها وبين طليقها، أو إنها – على الأقل- استخدمته في تشويه سمعة المشير، القائد المحبوب داخل الجيش وخارجه، وتبرير قرار عزله!

بعد ذلك التقى المستشار السابق للرئيس السادات د. محمد إسماعيل علي بالرئيس مبارك، وروى لي كيف أن الرئيس بدا عليه الحزن، وهو يقول له لا يعرف من أين يأتي بمستشارين، وكل من أجمعت كل الأجهزة الأمنية أنه شيخ على سجادة فسد بمرور الوقت، وكان من رأي صديقنا إسماعيل علي أن الرئيس يلمح إلى واقعة عزل مصطفى الفقي، فهل كان شيخًا على سجادة فعلًا؟.. ما علينا!

فمصطفى الفقي كان في هذه الفترة يعمل أستاذًا بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وبينما كان يهم بالنزول من سيارته داخل الجامعة، إذا بطالب يبدأ في تحطيم سيارته، وملابسات الأمر لم تتضح إلى الآن، ومما قاله الفقي حينذاك إنه مندهش من فعل أحد طلابه، الذي هو في الوقت ذاته زميل ابنته، لا أكثر من هذا ولا أقل. وقد استدعى له الشرطة، فلما هاجت الدنيا وماجت، برر استدعاءَه لها إلى حرم الجامعة، بأن أوراقًا كانت بحوزته في السيارة تخص الدولة المصرية، وخشى من إتلافها فأبلغ جهاز مباحث أمن الدولة، المنوط به حماية الدولة وما يخصها من أوراق.. ولأن قرار العزل لم يكن مسببًا، فقد فسّره البعض بأنه محاولة لترضية الولايات المتحدة الأمريكية التي ربما أفزعها هذا التصرف!

وتكون المرة الثانية في استدعاء الشرطة إلى حرم الجامعات الأمريكية، هي من حظنا ونصيبنا، فـ”نعمت شفيق” رئيسة جامعة كولومبيا، الشهيرة بمينوش (عاشت الأسامي) مصرية أيضًا، وقد أقيمت لها زفة معتبرة عندما تولت المنصب، إذ إنها أول مصرية تولت موقع رئيسة جامعة في تاريخ الجامعات الأمريكية، عملا بقاعدة “القرعة تتباهى بشعر بنت أختها”!

زفة زويل:

هي حالة تنتابنا مع كل صعود لواحد من أبناء جلدتنا لدى الفرنجة، ولا ننسى الزفة التي نصبت للدكتور زويل بعد جائزة نوبل، والأمر يستحق إقامة الأفراح والليالي الملاح، إلا أن المشكلة كانت في محاولة إرجاع هذا التفوق إلى كونه مصريًا، وبذلت محاولات في ذلك، لم يجد صاحبنا من سبيل أمامها، إلا أن يجيب بصراحة عن سؤال وجهته له المذيعة: ماذا لو بقيت في مصر ولم تهاجر؟ وكانت تعتقد أن الإجابة ستكون إنه سيحصل على الجائزة أيضًا، لكنه خيّب آمالها العريضة بأن ذكر أنه لو استمرّ في مصر سيكون موظفًا عاديًا، مثل عموم الموظّفين!

أما وإنها مصرية، فمن المستحيل أن يكون اسمها المدوّن في شهادة الميلاد المصرية “نعمت”، لكنها الترجمة.. فهذا اسم غير شائع في مصر، والأصل أن تكون “نعمات” أو “نعمة”، لتكون “بها ونعمت”؛ لكن ماذا تفعل بـ”شفيق”، وهو اسم مصري فاقع، لا تصلح معه الرقّة، ولا يفيد فيه التخفيف؟!

لا بأس فنادِ أخاك بما يحب أن ينادى به، فهي عندنا “نعمت”، وكفى بها “نعمة”، وقد غادرت مصر وهي طفلة، مع مَولِدِي المبارك (1966)، وإن كانت تكبرني بخمس سنوات بالتمام والكمال، لأنها من مواليد سنة 1961 في قول، و1962 في قول آخر، بمحافظة الإسكندرية، وقد هرب والدها والأسرة من مصر، وقد أمّم جمال عبد الناصر أمواله.. هكذا تقول الرواية التي تعتمدها “نعمت” في التعريف بذاتها!

وكان هذا التعيين في المنصب الكبير (رئيسة جامعة كولومبيا) فرصة عظيمة لمحاولة الوصول إلى معلومات أكثر عمقًا، فهل كان الهروب بسبب سياسة التأميم فعلًا، وهي سياسة مدانة بكل لغات الدنيا؟ وما هو نشاط الوالد، وممتلكاته التي صُودرت؟. لكنّ أحدًا لم يبحث في الموضوع، حتى لا تفسد “الليلة المنصوبة لأهل الله” في الإعلام المصري، فيكفي أنها مصرية وكفى، و”الليلة عيد”، وإن كان في تعريفها لذاتها، ما يمثل براءة من مِصريّتها، التي هربت منها طفلة، مع الأسرة، خائفة تترقّب، ولم نكن ندرك أنه سيأتي اليوم الذي تذكر فيه مصريّتها بالسلب، وكأن المشرحة بحاجة إلى مزيد من القتلى.. كما يقول المثل المصري بتصرف، لعاميته الموغلة في الركاكة!

لقد حملنا أوزارًا من زينة القوم، وكلما ذكر اسمها الآن بعد قرارها استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي، تم التذكير بأصولها المصرية، (مكتوب علينا قلة الراحة بصوت فهد بلان)، مع أنه ليس فيها من المصرية سوى الجينات، فهل كانت أزمتها في هذه الجينات، والعرق دسّاس؟!

ابنة الغرب:

إنّ المذكورة “مينوش”، وسواء كانت “نعمت” أو “نعمات”، وسواء كانت “نعمة” أو “نعيمة”، غادرت مصر طفلة، ربما لم تلتحق بالدراسة فيها، ولكنها ابنة الغرب تربيةً وتعليمًا، وتنقلت في الدراسة بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وحصلت من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن على درجة الماجستير.. ولا أدري لماذا تذكرت ما كتبه د. جلال أمين في مذكراته عن تجربته كمبعوث للحصول على درجتَي الماجستير والدكتوراه من هذه الكلية شديدة العراقة، وأنها – رغم عراقتها- كانت تجامل بعض طلابها من العرب من حيث التساهل في منح الدرجات العلمية، وكان يشير إلى حالات مصرية بعينها تولت مناصب حكومية مرموقة من زملائه الذين تخرجوا في هذه الكلية، وفكرت وقتئذ أن أحاول التوصل إلى أسماء هؤلاء، لكني نسيت!

بيد أن “مينوش” لا تحسب على الحالة العربية، والمقطوع به أنها تحمل جنسيتَين اثنتَين؛ الأمريكية والبريطانية، وغير المقطوع به أنها لا تزال تحافظ على جنسيتها المصرية، ومع ذلك نعايَر نحن بأصلها المصري.. لماذا لم يهتم أحد ممن أقاموا الأفراح والليالي الملاح ابتهاجًا بتعيينها رئيسة لجامعة كولومبيا بالإجابة عن السؤال: أما تزال تحمل الجنسية المصرية، أم إنها فرطت فيها لأنها تذكرها بهذا الخروج منها؟!

يبدو أنها الجينات فعلًا، ولهذا قال السلف الصالح من أجدادنا القدماء “على الأصل دور”، ولا يوجد من تفسير لهذا الاستدعاء للشرطة لاعتقال الطلبة المعتصمين وفضّ المظاهرات بالقوة، إلا أن تكون جينات الاستبداد وهذه الديكتاتورية التي تجري في عروقها مجرى الدم، مع أنها – وأسرتها إن كانت فعلًا قد خضعت للتأميم الذي حملها على الهروب من مصر- لابد أن يكون لها موقف معادٍ لكل التصرفات الديكتاتورية، وقد أقدمت على هذه الخطوة لتذكرنا بمصريّتها، لكن.. هل هي جيناتها وحدها؟!

لقد شاهدنا كيف اقتحم الأمن الأمريكي الجامعات، ومارس تصرفات قوات الشرطة في العالم الثالث نفسها، فامتد عنفه إلى الجميع دون أن يميز بين طالب وأستاذة جامعية، فالسحل كان على الهواء مباشرة، وفي كل الجامعات، وبدا كما لو كان قرار “مينوش هانم” باستدعاء الشرطة لجامعتها، قرارًا بحضور الشرطة إلى كل الجامعات التي تشهد انتفاضة عظمى؛ تعاطفًا مع غزة، وتنديدًا بالإجرام الإسرائيلي!

وعلى كل، فالشكر موصول لـ “نعيمة هانم”، لأنها برعونتها تسببت في هذه الانتفاضة، الكاشفة عن أن إسرائيل في طريقها للحصار، وقد تعرت في الغرب نفسه، فهذه الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية خرجت في جانب كبير منها تحديًا لقرار المصرية الأصيلة “نعمت شفيق”، بارك الله فيها وأكثر الله من أمثالها!

تُثاب “نعمت” رغم أنفها!

1 تعليق

  1. brahim El houate

    اسلوب فد في الكتابة سيد سليم في الصميم و ممتع في القراءة

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...