الحلم الصهيوني.. مجزرة تلد مجزرة

بواسطة | نوفمبر 9, 2023

بواسطة | نوفمبر 9, 2023

الحلم الصهيوني.. مجزرة تلد مجزرة

تاريخ المجازر الإسرائيلية، من بلد الشيخ إلى المستشفى المعمداني، مُبرزًا استمرار الهجمات على الفلسطينيين. يسلط الضوء على الدافع الصهيوني لتحقيق حلم “إسرائيل” على حساب الأرواح والهوية الفلسطينية.

مجازر الاحتلال الصهيوني في فلسطين

مجزرة جباليا التي ارتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين في غزة قبل أيام، والتي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة شهيد، لم تكن المجزرة الأولى في تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهي بالتأكيد لن تكون الأخيرة إن استمر الاحتلال.
فهذا التاريخ قائم على الدم والمجازر والمذابح، التي اعتاد الكيان الصهيوني ارتكابها بدم بارد ضد الفلسطينيين داخل وطنهم، وحتى خارج فلسطين كما في صبرا وشاتيلا في لبنان؛ وهذه عقيدة ثابتة في تخطيطه للإجهاز على كامل فلسطين، ولتحقيق الوهم الذي بُنيت عليه “دولة إسرائيل” باعتبارها دولة أقيمت على أرض بلا شعب. وبالتالي، فالمجزرة باعتبارها أسلوب قتل جماعي للقضاء ليس على السكان تدريجيا وحسب، ولكن أيضا على الهوية الفلسطينية في المكان نفسه، تعد أحد أهم وسائل حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة، بغض النظر عن معتقداتها السياسية، لتحقيق الحلم اليهودي التاريخي على أرض فلسطين. فأرض الميعاد -وفقا للمفهوم اليهودي الإسرائيلي- ينبغي أن تكون خالية من السكان الأصليين، ولا مانع أن تكون مرويَّة بدمائهم؛ وهو ما يفسر لنا -جزئيا- الشبق الصهيوني العارم للدماء الفلسطينية المُسالة على أرض فلسطين لتكون بأكبر قدر ممكن، فبهذه الطريقة وحدها يمكن أن يشعر الصهيوني بشيء من الأمان في المكان؛ ومع رائحة الدماء الفلسطينية التي تُبعث من الأرض يمكنه أن يرى، ولو على سبيل الوهم، أنه أصبح سيد المكان كله، وأن فلسطين قد أصبحت “إسرائيل” بالفعل. وهذا يتوافق مع مفهوم الدولة اليهودية الخالصة باعتبارها دولة لا تضم سوى اليهود، وإن ادعت غير ذلك، أو بقيت في الإطار العشوائي ظاهريا، استعدادا لالتهام المزيد من الأراضي حول بؤرتها الأولى عبر التوسع التدرجي، تعقبا لأثر الدم البشري!

ولأن المجازر، مهما عظمت ومهما تركت وراءها من ضحايا، لا يمكن أن تحقق الحلم الصهيوني كاملا بأرض بلا شعب، فإن الهدف التالي لها هو التهجير القهري والتنزيح القسري للسكان الناجين من المذابح، بعد إيصالهم إلى الشعور باليأس على هامش تلك المجازر الوحشية التي ترتكب ضد وجودهم، بكل الطرق الممكنة وبكل الوسائل المتاحة، وبالذات المحرَّمة منها دوليا، كما حدث في معظم المجازر الأخيرة، ومنها مجزرتا المستشفى المعمداني وجباليا، اللتان ارتكبتا خلال شهر واحد منذ السابع من أكتوبر الماضي.
المجازر والمذابح الإسرائيلية إذن ليست مجرد تقنية عسكرية ميدانية يضطر لها الصهاينة في مواجهة بسالة المقاومة الفلسطينية مثلا، ولكنها إجراء ممنهج وقديم جدا يمارَس ضد المدنيين في الأساس، ولذلك فمعظم ضحايا المجازر منذ العام 1947 وحتى اللحظة هم من النساء والأطفال؛ وهذا يعني مرة أخرى أن المجزرة ليست تقنية عسكرية خالصة بقدر ما هي “أسلوب حياة” للدولة اليهودية، في خطتها للبقاء أطول وقت ممكن على أرض ليست لها.

لقد تزامنت مجازرها الأخيرة في غزة على سبيل المثال، مع حديثها الجدي عن تهجير أهل غزة خارج القطاع، بل وخارج فلسطين كلها إلى مصر والأردن، تحت وطأة القصف المستمر والعنيف، وهو ما يعني أن المجزرة أسلوب للإخلاء وتفريغ الأرض من خلال القتل والتهجير للسكان. ولهذا يجتهد الصهاينة دائما باللجوء للأسلحة التي تؤثر على أوسع مساحة ممكنة من الأرض، وتقتل أكبر عدد ممكن من السكان المدنيين تحديدا.
وتذكيرا بذلك الأسلوب التاريخي، الذي بدأت فيه الدولة الصهيونية منذ ما قبل إعلانها، وستنتهي به لاحقا بإذن الله، أوثّق هنا أهم مجازرها المعلنة وأضخمها، مع الأخذ بعين الاعتبار عديد المجازر الأصغر التي تُرتكب ضد بيوت وعوائل حاولت دائما أن تمحوها من السجلات المدنية بالكامل، وهو ما حدث كثيرا في الحرب الجارية حاليا في غزة.

  1. مجزرة بلد الشيخ/ 31 ديسمبر 1947: وقعت هذه المجزرة خلال الصراع الفلسطيني اليهودي قبل قيام ما يسمى بدولة إسرائيل. حيث هاجمت قوات هاغاناه، وهو تنظيم صهيوني مسلح، قرية بلد الشيخ العربية في القدس، وأطلقت النار على المدنيين الفلسطينيين، وقتلت العديد منهم.
  2. مجزرة دير ياسين/ 9 أبريل 1948: تُعتبر مجزرة دير ياسين واحدة من أكثر المجازر المعروفة في التاريخ الفلسطيني. حيث هاجمت قوات إرغون (وهي منظمة صهيونية شبه عسكرية) قرية دير ياسين الفلسطينية في ضواحي القدس، وتعرّض السكان المدنيون لهجوم مفاجئ وعنيف من قبلها، فقُتل العديد منهم بما في ذلك النساء والأطفال. وقد استُخدمت هذه المجزرة بوضوح -ولأول مرة- كدافع لتهجير العديد من الفلسطينيين من مناطقهم نحو مناطق فلسطينية أخرى.
  3. مجزرة قرية أبو شوشة/ 14 مايو 1948: قامت قوات هاغاناه بالهجوم، قبل إعلان الدولة المشؤومة، على قرية أبو شوشة في منطقة الساحل الفلسطيني. كان الصهاينة يطلقون النار على كل شيء يتحرك أمامهم بلا تمييز، فدمروا العديد من المنازل وقتلوا أكثر من ستين فلسطينيا.
  4. مجزرة الطنطورة/ 23 مايو 1948: حدثت هذه المجزرة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، إذ هاجمت قوات هاغاناه قرية الطنطورة في الجليل الأعلى، وقتلت العديد من السكان الفلسطينيين وأحرقت المنازل. خلفت المجزرة وراءها أكثر من مئتي شهيد دفنوا في قبر جماعي واحد.
  5. مجزرة قبية/ 14 أكتوبر 1953: قامت الوحدة 101 من الجيش الصهيوني بقيادة أريئيل شارون، رئيس وزراء الكيان السابق، بعملية عسكرية خاطفة ضد قرية قبية، الواقعة في الضفة الغربية غربي مدينة رام الله، وكانت يومها تحت السيادة الأردنية؛ نسفت القوة البيوت على رؤوس ساكنيها، وقتلت من نجا منهم، فكانت الحصيلة حوالي سبعين شهيدا، أغلبهم من النساء والأطفال.
  6. مجزرة كفر قاسم/ 29 أكتوبر 1956: في ذلك اليوم، أصدر قائد الوحدة العسكرية الصهيونية المسؤولة عن كفر قاسم أمرا بفرض حظر تجوال على القرية دون إبلاغ السكان بهذا القرار. وفي المساء، عندما عاد العديد من السكان من أعمالهم في الحقول، أطلقت نيران البنادق عليهم بدم بارد من قبل الجنود الصهاينة؛ فاستشهد تسعة وأربعون فلسطينيا، نصفهم تقريبا من الأطفال، خلال ساعة واحدة فقط، حتى إن هناك عائلة مكونة من 14 شخصا أبيدت بالكامل في تلك المجزرة.
  7. مجزرة خان يونس/ 3 نوفمبر 1956: وقعت هذه المجزرة خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة؛ إذ قصفت القوات الإسرائيلية مدينة خان يونس، وقتلت العديد من السكان الفلسطينيين بعد أن جمعتهم تحت تهديد السلاح في الساحات العامة، فقتلت ما يقرب من مئتين وخمسين فلسطينيا، وبعدها بأيام شنت القوات نفسها هجوما آخر قتلت فيه بذات الأسلوب مثل هذا العدد من الفلسطينيين.
  8. مجزرة صبرا وشاتيلا/ 16ـ 18 سبتمبر 1982: تعتبر مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من أكثر المجازر تأثيرا في الذاكرة الجماعية، بسبب الوحشية المطلقة التي نفذت بها ضد مخيمات صبرا وشاتيلا في بيروت، وراح ضحيتها ما يقرب من ألف وخمسمائة من الفلسطينيين واللبنانيين أيضا. ورغم أن العملية بدأت على يد آريئيل شارون، فإن القوات اللبنانية الموالية لحكومة الكيان الصهيوني أكملت المهمة الوحشية، وتولت السيطرة على المخيمات بما أوسعته فيها تعذيبا واعتداء وقتلا؛ ولأنها وقعت على الأراضي اللبنانية أثناء الاجتياح الصهيوني لبيروت، فقد سببت دويا إعلاميا غير مسبوق في تاريخ المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين.
  9. مجزرة المسجد الأقصى/ 8 أكتوبر 1990: حاولت مجموعة من المتطرفين اليهود، يسمون أنفسهم بأمناء الهيكل وضع ما أسموه بحجر الأساس لهيكلهم المزعوم في ساحة المسجد الأقصى، فقاومهم المصلون الفلسطينيون وحاولوا منعهم من تدنيس المسجد، ما جعل الجنود الصهاينة يتدخلون فورا لمساعدة المعتدين، فأطلقوا النيران على المصلين بوحشية، ما أسفر عن ارتقاء نحو عشرين فلسطينيا.
  10. مجزرة الحرم الإبراهيمي/ 25 فبراير 1994: حدثت هذه المجزرة في حرم المسجد الإبراهيمي، في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة؛ إذ قام المستوطن الصهيوني باروخ غولدشتاين، يرافقه عدد من المستوطنين الآخرين بالإضافة الى مجموعة من جنود الاحتلال،  بإطلاق النار على المصلين الفلسطينيين أثناء صلاة فجر الجمعة، الموافق للخامس عشر من شهر رمضان 1414هـ، ما أسفر عن مقتل تسعة وعشرين شخصا وإصابة العديدين، لكن نجا من المجزرة بعض المصلين الذين سارعوا إلى الانقضاض على غولدشتاين وقتلوه في الحال.
  11. مجزرة جنين/ 1 و11 أبريل 2002: وقعت هذه المجزرة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ حيث شنت القوات الصهيونية هجوما عنيفا على مخيم جنين في الضفة الغربية، وقتلت عشرات الفلسطينيين، ودمرت المنازل والبنية التحتية، بعد أن حاصرت المخيم ومنعت وصول الغذاء والدواء، وكان ضحايا تلك المجزرة المروعة أكثر من خمسمائة فلسطينيا.
  12. مجزرة المستشفى المعمداني/ 17 أكتوبر 2023: ارتُكبت مجزرة المستشفى المعمداني، المعروفة أيضا بمجزرة المستشفى الأهلي العربي، عن طريق غارة جوية من قبل سلاح الجو الصهيوني على المستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، في الساعات الأولى من يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. تسببت الغارة الجوية الإسرائيلية العنيفة في وقوع العديد من الجرحى، بالإضافة إلى مئات النازحين المدنيين، وكان معظمهم من النساء والأطفال؛ وأدت المجزرة البشعة إلى وقوع كارثة حقيقية تناقلتها وسائل الإعلام فورا، حيث امتلأت غرف وساحات المستشفى بأشلاء جثث أكثر من خمسمائة من الشهداء الفلسطينيين، بالإضافة إلى أضعاف هذا الرقم من الجرحى والمصابين؛ وكان صدى المجزرة مدويا، خاصة وأن المكان مستشفى.

    وبعد..
    هذا قليل من كثير.. فتاريخ المجازر التي أوقعها الصهاينة بدم الفلسطينين على وقع الاحتلال متتابع وطويل، ساقه حلم مستمر بولادة مجزرة تلو مجزرة، لكنه لم يستطع رغم عنفه ووحشيته والأعداد الكبيرة من الشهداء التي خلفها وراءه أن ينجح في المهمة، لأنها ببساطة مهمة مستحيلة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...