
مثل كرة من الثلج تتدحرج عبر المنحدر لتكبر وتكبر وتدمّر كل ما يأتي أمامها.. الفيلم الإيراني A Hero
بقلم: محمد القاسمي
| 28 مارس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد القاسمي
| 28 مارس, 2024
مثل كرة من الثلج تتدحرج عبر المنحدر لتكبر وتكبر وتدمّر كل ما يأتي أمامها.. الفيلم الإيراني A Hero
بطلُ فيلم “بطل” يبدو بطلًا منذ اللحظة الأولى التي نراه فيها بمظهره الجذّاب، ولكن كل ذلك سيتغير، ليس فقط مظهره، بل أيضا نظرتنا إليه.. مثل كل البشر في حياتنا، يتغيرون باستمرار أمام أعيننا، ويتغير كل ما نعتقد أننا نعرفه عنهم.
هذا الفيلم هو أفضل فيلم للكاتب والمخرج الإيراني المبدع “أصغر فرهادي” منذ فيلم “A Separation” الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عام 2011.
الناس يفعلون الشيء الصواب، ثم الشيء الخطأ، ثم الأشياء الصائبة لأسباب خاطئة أو الأشياء الخاطئة لأسباب خاطئة حتى.. هكذا هم البشر، وهكذا هم شخوص “فرهادي”، إنهم لا يدركون ما يفعلونه لأن جانبهم الجيد لا يعرف ما هو الجانب السيئ لديهم.
ما يميّز أفلام “فرهادي” هو أنها واقعية بشكل مفرط، ولا نجد في أفلامه شخصيات شريرة، بل شخصيات عادية مثلي ومثلكم، إنهم يتدافعون للهروب من الأزمات القانونية والأخلاقية التي يقعون بها، ويسعون للتوفيق بين مصلحتهم الذاتية ومفاهيمهم المتعثرة عن الصواب والخطأ.
ومثلما تخلو أفلامه من شخصيات شريرة، أيضًا لا توجد شخصيات بطولية، ولذلك فعنوان الفيلم “بطل” يضعنا كمشاهدين على المحك ونحن نستكشف مع “فرهادي” الحبكة الساخرة والملتوية والمنطوية في العنوان، ويجعلنا نتساءل بشكل عميق عن مفهوم البطولة.
“فرهادي” يبدأ فيلم “بطل” مع البطل نفسه وهو يصعد على سلالم لا نهاية لها، وهذا المشهد الافتتاحي يحاكي بشكل عميق وذكي الصعود الشاق لبطلنا “رحيم” على سلالم الحياة.. إنه شاب موهوب في فن الخط والرسم، وهو خارج السجن في إجازة لمدة يومين، إنه قابعٌ في السجن بسبب عجزه عن سداد ديْنٍ كبير، حيث تدهورت حياته حين هرب شريكه من البلاد بالمال الذي اقترضاه معًا لبدء عمل تجاري.
الفنان “أمير جديدي” قدّم أداءً مذهلًا بشخصية “رحيم” بملامحه الخجولة والحمقاء؛ إنه يُبدي تفاؤلًا جذّابًا بالرغم من وضعه المزري، وبكل تأكيد نحن نتعاطف معه فورًا، والمبدع “فرهادي” يشيّد الفيلم بأكمله، مشهدًا تلو الآخر، حول هذا الأداء المذهل من “جديدي”.
إنّ “رحيم” مصمّم على تسديد ديونه بأيّة طريقة ممكنة، وبشكل غير متوقع وكأنما حدثت معجزة لإنقاذه من هذا المأزق، تعثر خطيبته “فرخونده”، التي ينوي الزواج منها بعد قضاء فترة عقوبته، على حقيبة يد مفقودة تحتوي على عدد من العملات الذهبية.
بالطبع، السؤال الذي يراودنا كمشاهدين هو: هل سيقوم “رحيم” ببيع العملات الذهبية وتسوية أموره مع الدائن لكي يخرج من السجن؟ “رحيم” فعليًّا يتساءل مثلنا، ووصل به الأمر إلى معاينة العملات الذهبية في أحد متاجر الذهب لمعرفة قيمتها النقدية، إلا أنه في نهاية المطاف يفعل شيئًا أكثر نبلًا من ذلك، إذ يعيد الحقيبة ومحتوياتها القيّمة إلى امرأة مصرّة على أنها صاحبة الحقيبة. “رحيم” كان أمام خيارين صعبين: الأول هو فعل الشيء الصواب الذي لن يفيده، والثاني هو فعل الشيء الخطأ الذي سيفيده، ولكن “فرهادي” يزوّده بخيارٍ ثالث مثير للاهتمام: “فعل الشيء الصواب الذي لن يفيده، قد يفيده أكثر مما تتصوّر”.
هنا تبدأ الحبكة الفرهادية الملتوية التي أهّلته ليصبح أفضل صانع أفلام في الشرق الأوسط بلا منازع، ومن أفضل صنّاع الأفلام في تاريخ السينما؛ إنه عبقري في كتابة نصوصه من صميم الواقع وإخراجها إلى الشاشة بشكل مدهش، مثل تحفته العظيمة “A Separation” وفيلميه الرائعين “About Elly” و”Fireworks Wednesday”، ومؤخّرًا فيلمه الإسباني “Everybody Knows”.
“فرهادي” وهو يكتب نصوصه أشبه برجل يسير على جبل جليدي ويصنع كرة صغيرة من الثلج، ويرميها لتتدحرج عبر المنحدر لتكبر وتكبر وتدمّر كل ما يأتي أمامها! في فيلم “بطل” هنا تمامًا يقوم “فرهادي” برمي كرة الثلج الصغيرة، متجسّدةً في “رحيم” نفسه.
ما تبدو وكأنها حكاية أخلاقية بسيطة تتحول بالتدريج إلى معضلة فلسفية معقدة.. ذلك العمل النبيل الذي قام به “رحيم” يجعله محط أنظار الجميع، حيث يظهر على شاشة التلفزيون وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفعليًّا أصبح بطلًا في نظر الجميع، بمن فيهم إدارة السجن.
لكن هل كانت دوافعه نبيلة حقًّا؟ الدائن “بهرام” لا يعتقد ذلك، والفيلم يصوّر لنا هذه الشخصية ببراعة على أنها المصدر الرئيسي للبؤس والشقاء في حياة “رحيم”.. إن “بهرام” غير متعاطف أبدًا في سحب القضية، ولا يقبل بالتفاوض على تسوية الديْن بسهولة بالرغم من محاولات “رحيم” اليائسة. مع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك مسوّغ لأفعال “بهرام” إنْ نظرنا إلى الأمور من جانبه واستشعرنا معاناته، ولهذا أؤكد مجدّدًا أنه لا يوجد أشرار في أفلام “فرهادي”.
هل يجب الاحتفاء بـ “رحيم” وتمجيده، وجعله بطلًا مشهورًا في الإعلام لمجرّد أنه قام بعملٍ نبيل يفعله أي شخص طبيعي؟ مع تكشّف أحداث الفيلم، نجد أنه قد تكون هناك بعض الدوافع الخفية والحسابات الذكية وراء عمله النبيل، فالعملات الذهبية لا يمكن بقيمتها تسديد ديونه بالكامل على أيّة حال، فربما كان من مصلحة “رحيم” فعلًا القيام بالشيء الصواب، إذ إن ذلك يجذب انتباه مؤسسة خيرية، فتبدأ في جمع التبرعات نيابة عنه؛ وهناك أيضاً مسألة ابن “رحيم” الصغير، الذي يعاني من التلعثم وصعوبات في النطق، وإظهاره على الملأ يبدو كمحاولة فاضحة لاستمالة مشاعر المجتمع.
جزء من تألّق الفيلم يكمن في أسلوبه العبقري في طرح الشكوك والتساؤلات حول مفهوم العمل النبيل.. ما فعله “رحيم” أو “كرة الثلج” كانت له عواقب غير متوقعة، مثل فيروس كورونا الذي يتحوّر وينتشر ويلتقطه الجميع.
بينما يواصل “فرهادي” زج جميع الشخصيات في مأزق “رحيم” المحفوف بالمخاطر بشكل متزايد، يكشف لنا رسائله المبطّنة حول ظلم السجناء، وأيضًا تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهوَس المجتمع بالخير والشرف. قصة “رحيم” هي استثمار ينتفع به الجميع، سواءً الإعلام أو إدارة السجن أو المؤسسة الخيرية.
أكثر ما تأثّرت به في هذا الفيلم هو مفهوم البطولة والنفاق فيها، وكيف يبتلعه مجتمع ساذج بأكمله دون وعي وإدراك! ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر روعة في هذا الفيلم هو تناوله للطبيعة البشرية، وموهبة البشر المبهرة في خداع الذات، وشغفهم في الوصول إلى قمة الفضيلة، وقدرتهم على التفوّه بالأكاذيب وتصديقها، والغموض المُطلق لدوافعهم.
لقد تمكّن “فرهادي” مرة أخرى من طرح مواضيع عميقة تمسّ المجتمع بجانب قصته الدرامية الرئيسية، والنص السينمائي الذي كتبه مليءٌ بالحوارات اللاذعة التي تعلق في الأذهان، وأداء الممثلين كان مدهشًا من الجميع، وهذا ليس بأمر غريب في السينما الإيرانية.. الممثلون الإيرانيون مدهشون وعفويّون بشكلٍ لا يُصدّق، بالرغم من أنهم لم يدرسوا التمثيل في المعاهد والجامعات، ولكن الموهبة التي يمتلكونها تجعل كل صانع أفلام محظوظًا بهم في فيلمه.
“رحيم” الذي تتغير دوافعه ومبادئه وطباعه بقدر سوء حظّه قد يجعلنا نتساءل عن شخصيته ونواياه، وهو يسير بنا في الفيلم طوال ساعتين، وحين ننظر إليه عن كثب، نكتشف بعد كل شيء أنه ربما هناك شرّير في أفلام “فرهادي”.. إنه “المجتمع” نفسه.

كاتب وناقد ومخرج بحريني
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق