الكاتب والمخرج الإيراني الشاب “سعيد روستائي” وإبداعاته التي وصلت إلى العالمية

بقلم: محمد القاسمي

| 9 مايو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: محمد القاسمي

| 9 مايو, 2024

الكاتب والمخرج الإيراني الشاب “سعيد روستائي” وإبداعاته التي وصلت إلى العالمية

في عام 2016 عُرِض الفيلم الإيراني “Life And A Day” أو “الحياة ويوم واحد” لـ “سعيد روستائي” في تجربته الأولى ككاتب ومخرج، ومن خلاله أثبت موهبته الفذّة في صياغة القصص العميقة حول القضايا المهمة والحساسة في المجتمع الإيراني، ورؤيته الإخراجية الثاقبة وإبراز أداء الممثلين بأقصى درجة.

تدور أحداث هذا الفيلم حول أسرة فقيرة في طهران، مع الشابة “سمية” وهي الابنة الصغرى التي على وشك الزواج من رجل أفغاني غني والخروج من المنزل، في حين أن جميع أفراد الأسرة لديهم مخاوف بشأن زواجها.

“سمية” هي العجلة التي تقود حياة الأسرة إلى الأمام، ووالدتها امرأة عجوز حمقاء ومريضة، وشقيقها “محسن” مدمن وتاجر مخدرات، وشقيقتها بليدة وتعاني من الوسواس القهري، وشقيقها الصغير طالب متفوق في المدرسة ومعتمد عليها في الدراسة، والبيئة المحيطة لا تساعده على ذلك، بينما شقيقها الأكبر “مرتضى” هو رجل مخادع وعصبي وفي حاجة إلى المال لتسديد ديونه المتراكمة.

الفيلم واقعي ويلامس مشاعر المُشاهد بكل صدق وعفوية، فالشخصيات تمثل أطياف المجتمع الإيراني، ومن خلال شخصية “سمية” نرى التضحية والصبر والإخلاص والحب، ونرى الظلم والاستغلال اللذين تعانيهما المرأة في إيران ومعظم الدول الفقيرة.

حبكة الفيلم تتمثّل أساسًا في زواج “سمية”.. لماذا ستتزوج “سمية”؟ هل هي مقتنعة بهذا الزواج؟ هل هي واقعة في حب خاطبها وهذه فرصتها الذهبية للهروب من منزلها وأسرتها البائسة؟ هل هناك مصلحة لأحدهم من هذا الزواج؟ هل سيوقف هذا الزواج العجلة التي تقود الأسرة إلى الأمام؟

أسئلة كثيرة ترِد على أذهاننا ونحن نشاهد هذا الفيلم العميق والمؤثّر، الذي أبدع فيه “سعيد روستائي” بنصّه السينمائي القوي والحوارات البليغة، وقدّم طاقم الممثلين أداءً جبّارًا، وخصوصًا الفنان “بيمان معادي” بشخصية “مرتضى”، الذي أذهلنا سابقًا بأدائه الرائع في الفيلم العظيم “A Separation” أو “انفصال” للكاتب والمخرج المبدع “أصغر فرهادي”؛ “نويد محمد زاده” أيضًا أبدع في أداء شخصية “محسن”، ولا أنسى “بريناز إيزديار” التي تقمّصت شخصية “سمية” بشكل رائع ومتقن، وكذلك بقية الممثلين، بمن فيهم “شيرين يزدنبخش” بشخصية “الأم”.

إنه فيلم عميق ومؤثر بكل تأكيد، ويحمل معانيَ دفينة ورسائل مهمة حول حياتنا كبشر في هذا العالم، وكيف نستطيع أن نتعامل مع الأشخاص والمجتمع من حولنا وكيف نتكيّف مع الظروف المحيطة بنا، وكيف نقرّر المواصلة والمضي قُدُمًا في حياتنا.

بعد هذا الفيلم عاد “سعيد روستائي” في عام 2019 بفيلم أروع وأقوى وأعمق، وهو فيلم “Just 6.5” أو “المتر بستّة ونصف”، وعاد معه حتى أبطال فيلمه السابق، وأبدعوا مجدّدًا وتألّقوا في تقمّصهم للشخصيات أيَّما تألّق، وهم “بيمان معادي” و”نويد محمد زاده” و”بريناز إيزديار”.

تدور أحداث الفيلم في قالب من الدراما والجريمة والإثارة، حول تجارة المخدرات في إيران ومكافحة السلطات الإيرانية لها، ولا يتهاون الفيلم في كشف أزمة المخدرات والإدمان في البلاد، التي خرجت عن الحد، وراح ضحيتها مئات الآلاف.

نرى المحقق “صمد” وهو يتعقّب ويطارد زعيم تجارة المخدرات “ناصر خاكزاد”، ويأمل من خلال القبض عليه بالسيطرة على الوضع المُزري وحل مشكلة الإدمان التي باتت تعيث في البلاد فسادا وخرابا، وهذه المطاردة تقود “صمد” إلى طرق وعرة ومسارات ملتوية تجعله لا يثق في أي شخص كان.

لقد أبدع ” سعيد روستائي” في الإخراج، وأبدع أكثر في صياغة النص السينمائي من خلال الحوارات القوية التي ترسخ في الأذهان، وطوال مدة الفيلم – التي تزيد عن ساعتين- لم أفقد التركيز، فقد كنت منجذبًا نحو الشاشة وأنا أرتقّب ما سيحدث بكل شوق.

حقّق الفيلم رقمًا قياسيًّا بتخطّيه فيلم “The Salesman” أو “البائع” لـ “أصغر فرهادي”، حيث حقّق أعلى مبيعات في تاريخ السينما الإيرانية للأفلام غير الكوميدية، كما ترشّح الفيلم لنيل جائزة سيزار، التي تعادل الأوسكار في فرنسا، لأفضل فيلم أجنبي.

محمد-القاسمي

كاتب وناقد ومخرج بحريني

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...