المؤثرون والخوارزميات والمحتوى الرقمي في رمضان

بواسطة | مارس 15, 2024

بواسطة | مارس 15, 2024

المؤثرون والخوارزميات والمحتوى الرقمي في رمضان

اعلم أن المحتوى الرقمي على أي حساب من مواقع التواصل الاجتماعي تتم هندسته وفق خوارزميات مدروسة، وبمعايير مُخطّط لها لتحقيق أهداف اقتصادية أو سياسية، حتى سطوع نجم مؤثر من المؤثرين وشهرته يتم بناءً على احتياجات تُقرها المنصات، حسب تفاعل الجمهور في المناطق الجغرافية المختلفة، ولتوضيح ذلك وغيره تابع معي..

ما هي الخوارزميات؟

في أبسط تعريف للخوارزميات نقول: “هي البرمجيات التي تتحكم في ظهور المنشورات على الصفحة الأولى، بناءً على مجموعة من المعايير والخطوات والعمليات الحسابية والرياضية والمنطقية، وتشمل عملية استقراء لكل تفاعلات الزائر على المنصة وربما على تطبيقات أخرى على جهازه، حيث تدرس بعمق وتحلل بذكاء وتراقب بنشاط كل ما يتعلق بالمستخدم وطريقة تصرفه أثناء وجوده على المنصة؛ بهدف إبقائه لأطول فترة ممكنة عليها، ما يعرّضه لأكبر عدد ممكن من الإعلانات التي تُعتبر مصدر دخلٍ أساسي لتلك المنصة.”

إذن فالخوارزميات هي التي تنظم لك المحتوى الذي يهمك متابعته، وبدونها قد تبدو صفحتك الرئيسية مملة وفوضوية، وبلا تخصيص؛ أما سلبيتها التي تجعل منها محط جدلٍ عند كثير من الخبراء فهي عدم استشارتك في نوعية المحتوى الذي تخصصه لك، والأشخاص الذين تقترحهم لك لتتابعهم، وإنما تسمح لنفسها بمراقبة سلوكك وتفاعلات المحيط حولك لتعدّ لك وجبة تهضمها على مزاجها.

الخوارزميات في يد السلطات

هذا بالإضافة إلى أن إدارة المنصة قد تتدخل في معايير الخوارزميات لأهداف، يمكن تصنيفها كما يلي:

– مؤكدة: انتقاء المحتوى الجدلي الذي يتفاعل معه الناس لأطول فترة ممكنة.

– معلنة: تحسين تجربة المستخدم وتحقيق مصادر دخل تجارية.

– غير معلنة: الاستجابة لطلبات جهات حكومية لتوجيه الرأي العام وفق سياسات محددة.

ومما يدل على الهدف الأخير تعرض المحتوى الفلسطيني للتحييد على معظم مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة التحريض على العنف أو التمييز على أساس الأصل أو الدين أو العرق، وبطلب مباشر من الاحتلال يتم حذف حسابات وتقييد صفحات وإزالة قنوات.

معضلة التحييد والتأثير

وقعت إدارة المنصات بين مطرقة الموافقة على نشر المحتوى الجدلي، الذي يحظى بتفاعل كبير، ويستهلكه عدد ضخم من المستخدمين، وسندان طلبات حكومة الاحتلال وقوانين الاتحاد الأوروبي بإزالة المحتوى التحريضي؛ وفي حين تريد المنصة هذا النوع من المحتوى لأنه متداول ويجلب تفاعلاً، تهتم الإدارة ببقاء منصاتها تعمل في كل البلاد بلا حظر من الجهات الرسمية، وللخروج من هذه المعضلة قيّدت منصة ميتا الكثير من المحتوى الفلسطيني، ولكنها اقترحت حسابات الناشطين لأكبر عدد ممكن من المتابعين في وقت قياسي، ما جعل حساباتهم تقفز لمئات الآلاف من المتابعين في أيام معدودة، وهذا ما جعلنا نستيقظ على واقع متابعة مئات الآلاف والملايين من المتابعين على أنستجرام لمئات الحسابات للصحفيين والنشطاء في قطاع غزة.

المؤثر عمود خيمة المنصة

تحتاج المنصة للمؤثر كما الخيمة لعمودها، لتحافظ على بقائها ونشاطها وتفاعل المستخدمين مع المحتوى المنشور فيها من المؤثرين والناشطين؛ لذا تقترح المنصة في كل منطقة جغرافية حسابات بعض صناع المحتوى لأكبر عدد ممكن من المتابعين في وقت قياسي، ما يدهش المؤثر بالسرعة الصاروخية التي حصل فيها على هذا العدد من المتابعين مقارنة بالمحتوى الذي ينشره، وبعدما يصل لعدد حرج (تحدده خوارزمية المنصة فقط) من المتابعين، تفتح المجال لقوة المحتوى الذي يقدمه المؤثر ليجلب المزيد من المتابعين، وقد لا يجلب جمهورًا جديدًا ويبقى عدد متابعيه ثابتًا على رقم لا يتغير.. وأول نصيحة للمؤثر الذي يلاحظ التوقف في زيادة عدد المتابعين هي النشر بلغات أخرى إضافة للغته الأم، لاستقطاب جمهور جديد.

كيف تختار الخوارزمية مؤثرًا؟

التركيز على الجودة والتفاعل بدلًا من الكم هو المعيار بالنسبة للخوارزميات لصناعة المؤثر، فالعدد الكبير من المحتوى غير التفاعلي سيؤدي إلى حجب المحتوى عن كثير من المتابعين؛ لأن الخوارزمية ستتعامل معه على أنه محتوى رديء، ويجب الحد منه، حتى لو كان مفيدًا وفيه المنفعة.

لا تكن أسير جمهورك

ولأن المؤثر هو من صنع الخوارزمية، تستثمر فيه في كل مرة ينشر محتوى جديدًا، وتقترحه لجمهور أكبر مما للناشر العادي، فإن الجمهور لا يقدر على إنهاء وجوده بإلغاء متابعته، إذ طالما أنه اجتاز العدد الحرج للمنصة فهي تتكفل ببقائه عليها، وطالما أن محتواه متفاعل، حتى لو لم يكن بالوفرة المناسبة، فستعامله الخوارزميات على أنه محتوى جيد ويجب نشره لعدد أكبر من الجمهور.

لا تصوموا عن غزة في رمضان

خلال الشهور الخمسة الأولى من الحرب على غزة، اضطرت منصات مواقع التواصل لاقتراح مضامين تتعلق بالأحداث الجارية، نتيجة الاستهلاك الواسع لها من الجمهور، ما جعل الخوارزميات تقترح المحتوى الفلسطيني وتعيد نشره لكل وافد؛ ولكن مع بداية شهر رمضان انصرف كثير من المتابعين عن الاهتمام بهذا النوع من المحتوى، وركز كثير من المؤثرين على صناعة محتوى يتعلق بعاداتهم في الشهر الفضيل، وبدأت برامج رمضانية ومسلسلات ومقاطع طريفة في الظهور على المنصات، وتعاقدت علامات تجارية مع مؤثرين ومشاهير للحديث عن منتجاتهم، وبالتالي وجدت الخوارزمية محتوى جديدًا ودسمًا يمكن أن تقترحه للجمهور نفسه، ويحظى بالتفاعل ويحقق الأهداف ذاتها، ما أدى لانزواء المحتوى الفلسطيني لدى كثير من المستخدمين.

لماذا علينا أن نتعاهد مع المؤثرين؟

كشفت دراسة أجرتها منصة التسويق المؤثرة Linqia أن 39% من المستهلكين اشتروا منتجًا أو خدمة بعد رؤيته على صفحة أحد المؤثرين على مواقع التواصل، ما يدل على قوتهم في التأثير على قرارات الشراء.

تخيل ماذا سيتحدث حين يتكلم المؤثر عن قضية عادلة، وينشر مأساة إنسانية، ويساعد في دعم المظلومين والمحاصَرين والمحتاجين، ومقدار ما يمكن أن يسهم به في معركة الوعي لو أنه تعهّد بالحديث الدائم عن معاناتهم؟

فليكن صوتك لغزة

غزة تحتاج صوت المؤثر لأنه ليس صوتًا واحدًا فقط، بل هو صوت مضروب بعدد متابعيه ومحبيه ومن يتأثرون برسالته، فلو كان محتواه لأجل غزة وصل بشكل أسرع لعدد أكبر، ولو كان حديثه عن الطبخ أو الأزياء أو الموضة أو الحياة اليومية فهو سيزاحم محتوى أهل غزة في الوصول للجماهير، وقد يصبح منافسًا لرواية الحق التي تتآمر عليها الخوارزميات والمنصات ووسائل الإعلام المنحازة.

2 التعليقات

  1. Reem Aboheef

    كلنا غزه وكلنا فلسطين لم ولن نمل عن نصرة غزه

    الرد
  2. Fadia Assad

    لن نعتاد المشهد ولن نتوقف عن نشر

    فلسطين حرة وغزة العزة منتصرة رغم كل الوجع وجراح
    الشهداء احياء يرزقون خلصوا من نفاق الدنيا

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...