المشكلة الكبرى في استراتيجية إيران في الشرق الأوسط: إنها ناجحة

بواسطة | مارس 19, 2024

بواسطة | مارس 19, 2024

المشكلة الكبرى في استراتيجية إيران في الشرق الأوسط: إنها ناجحة

تفوقت طهران على واشنطن تمامًا منذ الحرب على الإرهاب، وتتطلع إيران الآن إلى إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط

لا شك في ذلك.. لقد غيرت الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل جذري مسار سياسة الشرق الأوسط، وضخت مستوى من التقلب في التطورات لم نشهده منذ عقود؛ ولا يمثل الصراع مجرد مرحلة جديدة في صراع دام قرنًا من الزمن بين اليهود والفلسطينيين، بل يمثل فصلًا آخر في حرب الظل التي تخوضها إيران منذ 45 عامًا ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة.

على مدى فترة طويلة من حرب الظل، كانت أهداف طهران واستراتيجيتها لتحقيقها متسقة بشكل ملحوظ؛ وكانت أهداف سياستها الخارجية الرئيسية، منذ تشكيل الجمهورية الإسلامية في عام 1979، هي إجبار الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة، ومنع إسرائيل من تطبيع العلاقات مع جيرانها من خلال إثارة الفوضى والعنف، ونبذها وتعميق الاستياء منها لدى شعوب المنطقة. تشير سوزان مولوني، الباحثة الرائدة في الصراع الأمريكي الإيراني، من معهد بروكينجز، إلى أن آية الله علي خامنئي، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989، “لم يتردد أبدًا في عدائه المحموم تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، فهو ومن حوله مقتنعون بشدة بالفجور والجشع والشر الأمريكي؛ إنهم يسبون إسرائيل ويطالبون بتدميرها، كجزء من الانتصار النهائي للعالم الإسلامي على ما يعتبرونه الغرب المتدهور و(الكيان الصهيوني) غير الشرعي”.

الطريقة الأساسية التي تتبعها طهران لتحقيق هذه الغايات هي استراتيجية حرب طويلة الأمد فريدة من نوعها، تجمع بين التعبئة السياسية والدبلوماسية القسرية وحرب المعلومات، بالتوازي مع العمليات العسكرية الهجومية التي تقوم بها مجموعة هائلة من القوات بالوكالة، معظمها يتكون من مجموعات الميليشيات الشيعية، وتطلق عليها إيران اسم القوات المدعومة من إيران (محور المقاومة).

تشكل أكثر من اثنتي عشرة جماعة مسلحة في سوريا واليمن والعراق ولبنان شبكة ضخمة، تضم أكثر من 150 ألف مقاتل بالوكالة، لديهم مصالحهم الخاصة ولكنهم يشتركون في الالتزام بتحدي الهيمنة الأمريكية في المنطقة؛ وتكتيكاتهم ليست فريدة من نوعها، إذ يستخدمون الحقيبة المعتادة من تكتيكات الحرب غير النظامية، بما في ذلك عمليات الإرهاب التقليدية والاغتيالات والتفجيرات الانتحارية والهجمات الصاروخية.. حماس في قطاع غزة هي عضو أساسي في شبكة بدأت في لبنان في أوائل الثمانينيات مع حزب الله، وتوسعت لتشمل كتائب حزب الله في العراق والحوثيين في اليمن، من بين آخرين.

أول ما يجب أن يقال عن الاستراتيجية الإيرانية هو أنها كانت فعالة بشكل ملحوظ، وخاصة منذ بداية الحرب الأمريكية على الإرهاب. ومنذ ذلك الوقت، أظهرت طهران براعة استراتيجية أكثر من واشنطن، ويتجلى هذا النجاح بشكل واضح في العراق، حيث ساعدت الميليشيات المدعومة من إيران، ذات الأحجام والمهارات المتفاوتة، في إرغام الولايات المتحدة على سحب كل قواتها تقريبا بحلول عام 2011. واليوم، تتأثر السياسة العراقية بشكل أكبر بكثير بالفصائل السياسية والشخصيات الموالية لإيران.. ولا شك في أن إيران كانت المستفيد الاستراتيجي الرئيسي من حرب العراق.

على الرغم من أن الحكومة الأمريكية قد فرضت العشرات والعشرات من العقوبات على القوات الوكيلة لإيران في جميع أنحاء المنطقة، بدءًا من عام 1995، فإن الشبكة اليوم تتمتع بتمويل أفضل وقدرة عسكرية أكبر بكثير مما كانت عليه في السنوات الأولى من حرب العراق. إن النجاح المذهل الذي حققه الهجوم المفاجئ، الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يبرهن على هذه الحقيقة بشكل درامي. وبطبيعة الحال، كما لاحظت سوزان مالوني، “من غير المتصور أن تقوم حماس بهجوم بهذا الحجم دون بعض المعرفة المسبقة والدعم الإيجابي من القيادة الإيرانية”. والآن يبتهج المسؤولون ووسائل الإعلام الإيرانية بالوحشية التي أُطلقت على المدنيين الإسرائيليين، ويتبنون التوقعات بأن هجوم حماس سيؤدي إلى زوال إسرائيل.

وحتى الآن، لم تسفر الحرب بين إسرائيل وحماس إلا عن تعزيز موقف إيران الجيوسياسي، حيث فرض الصراع ضغوطًا دولية هائلة على إسرائيل لحملها على قبول إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، باعتبارها الحل الوحيد القابل للتطبيق للمعضلات الحالية؛ كما أدت الحرب إلى نهاية مفاجئة للجهود، التي قادتها الولايات المتحدة لتأمين تحالف رسمي طال انتظاره بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، الخصم القوي لإيران.

تشكل الحرب انتكاسة استراتيجية لواشنطن، حيث يتعين عليها الآن تحويل الموارد العسكرية والدبلوماسية، التي كانت تأمل في استخدامها لمواجهة الصين الصاعدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلى الشرق الأوسط.

الخط العلني لطهران هو أن شبكة وكلائها تشن هجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا والبحر الأحمر، بهدف الضغط على إسرائيل وأمريكا لوقف إطلاق النار في غزة، وعندما تتحقق هذه النقطة سوف تتوقف تلك الهجمات. وهذا ليس سوى تمويه من جانب الجمهورية الإسلامية، ولا يشكل مصير الفلسطينيين أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لآية الله خامنئي وأتباعه؛ وتواصل طهران التركيز على هدفها الشامل المتمثل في إثارة الاضطرابات والفوضى لإحباط الجهود الأمريكية لتشكيل الشؤون والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة. ويشرح أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري وأحد الخبراء الأميركيين البارزين في السياسة الخارجية الإيرانية، الأمر على هذا النحو: “بالنسبة لإيران، هذه حرب طويلة وليست حربًا قصيرة، وهذا لا علاقة له بغزة، وإنما يتعلق بمسيرة إيران الطويلة والمطردة عبر الشرق الأوسط لطرد القوات الأمريكية وإضعاف حلفاء الولايات المتحدة”.

ليس هناك شك في أن إيران لا تمارس القيادة والسيطرة الرسمية على هذه المجموعة الرائعة من المقاتلين غير النظاميين. وبدلاً من ذلك، يقيم فيلق القدس “النخبة الإيرانية” – وهو في الأساس القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري- علاقات تعاون وثيقة مع قيادة كل مجموعة، وتقدم لهم النوع نفسه من الحوافز والموارد التي قدمتها القوات الخاصة الأمريكية للقوات غير النظامية في العراق وأفغانستان (التمويل، المشورة التكتيكية والتشغيلية، والأسلحة المتقدمة، والوصول إلى معلومات استخباراتية متميزة). وقد تمكنت طهران من استخدام هذه القوات مرارًا وتكرارًا، والإفلات من الانتقام الخطير على أساس أن هذه الجماعات تتخذ قراراتها العملياتية بنفسها.

وفي الحقيقة، فإن استراتيجية إيران ضد المصالح الأمريكية تحمل تشابهًا مع استراتيجية الحرب طويلة الأمد، التي خدمت كلا من الفيتكونغ وطالبان بشكل جيد، وشملت إبقاء وتيرة العمليات منخفضة، وشن حرب سياسية واسعة النطاق وشاملة لتشكيل قصة الصراع، والحفاظ على الصراع محتدمًا على نار خفيفة في عدة أماكن في وقت واحد.

وكان رد طهران على الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة ضد القوات الوكيلة خافتًا ومنضبطًا بشكل ملحوظ؛ وهذا ليس مفاجئًا لمراقبي إيران. ولا يريد آية الله خامنئي بأي حال من الأحوال الدخول في صراع تقليدي مع الولايات المتحدة، ولن تكسب إيران شيئًا في صراع من هذا النوع، بل إنها ستخسر الكثير، بما في ذلك ربما برنامجها شبه السري لتطوير الأسلحة النووية.

إن القدرات العسكرية التقليدية لإيران في البر والبحر والجو محدودة وتافهة مقارنة بقدرات الولايات المتحدة.. بعد إصابة فرقاطة أمريكية بلغم إيراني في الخليج العربي في أبريل 1988، دمرت البحرية الأمريكية ومشاة البحرية نصف القوات البحرية الإيرانية في يوم واحد، ولقد اتسعت الفجوة بين القوة العسكرية التقليدية الأمريكية والإيرانية منذ أواخر الثمانينيات.

يقول أوستوفار إن القيادة الإيرانية “تأمل في إيقاع الولايات المتحدة في وضع لا يمكن الفوز فيه، وهو الوضع الذي قد يدفع واشنطن في النهاية إلى رؤية قيمة أكبر في الابتعاد ببساطة عن التزاماتها العسكرية في المنطقة، بدلًا من رهن وتبديد المزيد من الموارد للحفاظ على الوضع الراهن”.

ومن الواضح أن قدرًا كبيرًا من النجاح الكبير الذي حققته إيران في السياسة الخارجية يرجع إلى الفطنة الاستراتيجية المطلقة، التي يتمتع بها خامنئي ومستشاروه الرئيسيون في مجال السياسة الخارجية. لقد ظل آية الله في السلطة لفترة أطول من أي زعيم آخر في المنطقة، ووفقًا لاثنين من كبار الباحثين في السياسة الخارجية الإيرانية، فإن خامنئي يتمتع “بقدرة خارقة على المزج بين التشدد والحذر… فهو يفهم نقاط الضعف والقوة في وطنه، عندما يسعى إلى دفع الثورة الإسلامية إلى خارج حدوده”.

ولسوء الحظ، لا يمكن أن نقول الشيء نفسه عن كبار صناع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية في ما يتعلق بالشرق الأوسط. في الواقع، كانت المشاكل الدائمة التي تواجهها واشنطن في المنطقة تتمثل في الاعتماد المفرط على القوة العسكرية وعدم القدرة على موازاة العمليات العسكرية مع رسالة واستراتيجية سياسية فعالة وقابلة للحياة.

ويبدو من الواضح بالفعل، أن واشنطن ستتاح لها فرص كثيرة في الأشهر المقبلة لإعادة وتحسين تموضعها.

المصدر: ديلي بيست | James A. Warren
تاريخ النشر: 11/03/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...