المقاطعة من العوالم الرقمية إلى ميدان التغيير

بواسطة | مارس 8, 2024

بواسطة | مارس 8, 2024

المقاطعة من العوالم الرقمية إلى ميدان التغيير

المقاطعة الرقمية تنتقل من الفضاء الرقمي إلى الميدان، تسهم في خسائر للاحتلال وداعميه، وتعزز فرص المنتجات المحلية. وسائل التواصل تدفع المقاطعة وتكشف دعم الشركات للاحتلال. التحديات تضع التواطؤ تحت المجهر وتلهم تغييرًا.

قوة المقاطعة الرقمية – تحديات وإنجازات في دعم فلسطين

المقاطعة واحدة من أهم الأسلحة الرقمية

فتح الفضاء الرقمي المجال للناس، للانخراط في صيغ جهاد رقمية لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة عبر قنوات متعددة، من بينها نشر الوعي وتبادل الآراء حول الأحداث الجارية، والتعريف بانتهاكات الاحتلال وجرائمه، والدعاء للمحاصَرين وتثبيتهم، وإرسال الأموال عبر قنوات الجهاد المالي، ومقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال وحلفائه، وفرض القيود على حركة الشخصيات التي تتبنى الإبادة وتروّج للمجازر بحق الفلسطينيين.

المقاطعة من الفضاء إلى الميدان

وتعتبر المقاطعة من أقوى الأسلحة التي انتقلت من الفضاء الرقمي إلى الميدان، وسببت الخسائر الاقتصادية للاحتلال وداعميه، وهي أداة شعبية يستخدمها الناس لإسماع صوتهم، وأصبحت مؤخرًا من أنجح وسائل الضغط على الاستعمار الغربي والدول التي تغذيها الرأسمالية، علاوة على أن مقاطعة منتجات الغرب تخلق فرصًا للمنتجات المحلية، على عكس ما يشيعه بعض أصحاب الامتياز للعلامات التجارية الغربية.

المقاطعة وقطع الأرزاق

إعلان مجموعة الشايع عن نيتها تسريح ألفي موظف، وسعيها لبيع جزء من حصتها في حق امتياز ستاربكس، بعدما تعرضت لضغوطات بسبب الحرب على غزة، ومقاطعة المستهلكين لبعض علاماتها التجارية وخاصة ستاربكس، من المفترض أنه انتصار يعود للمقاطعين؛ وتعطّل هذه الوظائف سيفيد المجتمع – على المدى البعيد- أكثر مما يضره، من خلال خلق وظائف أخرى يعود ريعها بالكامل للبلد، ولا يتم اقتطاع أي جزء منها لصاحب العلامة الأم، حسب ما تقتضيه قوانين حق الامتياز، وإذا كان هناك من يلام على فقدان تلك الوظائف، فهو الاحتلال الذي يسعى لفضح المتعاونين معه.

الاحتلال يفضح داعميه

منذ بداية العدوان على غزة كشف الاحتلال العلامات التجارية المتواطئة معه، وتباهى بدعمها، فقد أعلن مرة عن تقديم فرع ماكدونالدز-إسرائيل وجبات ساخنة للجنود في المعركة، وهو ما سعت الشركة جاهدة لنفيه، على عكس كارفور التي دعمت الجنود الإسرائيليين المشاركين في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة بهدايا من الطرود الشخصية.

كما نشر الاحتلال سابقًا أخبار استعانته بشركات تكنولوجيا عملاقة لتعقب الفلسطينيين واستهدافهم، مثل:

– شركة هيوليت باكارد -HP: التي تقدم الخدمات لمكاتب قادة الإبادة الجماعية ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير المالية سموتريتش، كما توفر شركة HPE التكنولوجيا لهيئة السكان والهجرة الإسرائيلية، وهي إحدى ركائز نظام الفصل العنصري.

– إير بي إن بي – بوكينغ- إكسبيديا: تقدم كل من Airbnb أمريكا، وBooking.com هولندا، وExpedia أمريكا، أماكن للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المبنية على الأراضي الفلسطينية المسروقة.

– جوجل وأمازون: وقّعت Amazon Web Services وGoogle Cloud عقدًا بقيمة 1.22 مليار دولار لتوفير التكنولوجيا السحابية للحكومة الإسرائيلية وجيش الاحتلال، ومن خلاله يتم دعم الفصل العنصري الإسرائيلي بالتقنيات الحيوية.

– أما شركة بوما PUMA الألمانية فقد سربت خبرًا لوسائل الإعلام مفاده أنها لن تجدد عقد رعايتها للاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم عندما ينتهي في ديسمبر 2024، ولكن هذا لا يعفيها من المقاطعة حتى تنهي عقدها وتواطؤها في الفصل العنصري.

والمقاطعة تقوّي أتباعها

أخبرتنا مواقع التواصل الاجتماعي عن شقيقين فلسطينيين أطلقا منتج مياه غازية باسم (فلسطين كولا)، بدءا علامتهما انطلاقًا من مدينة مالمو السويدية، بهدف أن تكون بديلاً عن كوكا كولا وبيبسي لأولئك الذين لا يرغبون في شراء منتجات من الشركات الداعمة للاحتلال.

نحن لا نعرف ما إذا كان مشروعهما الناشئ سينجح أم لا، ولكننا نشهد حاليًا إقبالاً منقطع النظير على علامة تجارية لمياه غازية كُتبت لها شهادة الوفاة منذ عقد من الزمان، والآن بثت المقاطعة فيها الروح من جديد، حيث تشهد شركة سبيرو سباتيس، أقدم شركة للمشروبات الغازية في مصر عودة مدهشة، وهي التي تأسست عام 1920، والآن بفضل حملة المقاطعة تنفد زجاجاتهم عن الرفوف بمجرد وضعها، كما علق أحد التجار على صفحته بقوله: “قبل المقاطعة، كنت أبيع أربعة وربما خمسة صناديق من سباتيس في أسبوع، والآن يمكنني بيع ما يصل إلى 50 صندوقًا في اليوم إذا كان لدي هذا العدد في المخزون، الارتفاع في الطلب كبير”.

وفي محاولة من الشركة لتلبية الطلب الكبير على منتجاتها أطلقت حملة توظيف واستقبلت أكثر من 15 ألف متقدم للوظائف التي أعلنت عنها، وهذه حقيقة يتجاهلها أولئك الذين يبكون على ألفي وظيفة قد يخسرها العاملون في ستاربكس.

مواقع التواصل وقود المقاطعة

منذ بداية العدوان على غزة، يستخدم الجمهور مواقع التواصل لمشاركة المعلومات حول العلامات التجارية الداعمة للاحتلال والمنتجات المقاطعة، ما جعلها متوفرة بين يدي الأجيال، خاصة جيل Z الذي لم يشهد حروبًا سابقًا مع الاحتلال، ولكنه يجد نفسه الآن قائدًا للمعركة من ميدانه الرقمي، وهو ما يشكل خطرًا على مستقبل هذه العلامات التجارية، إذ أقسم هؤلاء على حساباتهم ومن خلال تصاميمهم أنه استغناء وليس مقاطعة، وأنها دائمة وليست مؤقتة.

ولضمان انخراط أكبر عدد ممكن انطلقت مجموعة من التطبيقات التي تسهل عملية فحص المنتجات ومعرفة البدائل في كل البلاد، أهمها: تطبيق (قضيتي)، تطبيق (بلزمش)، تطبيق (بدناش)، تطبيق (No Thanks)، تطبيق (Boycott).. إلى جانب العديد من الصفحات والحسابات والمواقع التي تنشر القوائم المحدثة بأسماء الشركات والعلامات التجارية التي يجب مقاطعتها.

لماذا لا تقاطعوا كل منتج غربي؟

وفي محاولة لتبديد جهود المقاطعة وتثبيط المقاطعين يلجأ بعض النشطاء على مواقع التواصل لجر النقاش لمربع الجدل، بسؤال: طالما أنكم مقاطعون فلماذا لا تقاطعون كل المنتجات الغربية، بما فيها السيارات والهواتف والأجهزة المنزلية، وغيرها من العلامات التجارية التي يعود ريعها للغرب الاستعماري؟

قد لا يعرف أولئك أن المقاطعة سلوك يدل على شعور الإنسان الحر بالمظلومين وتضامنه معهم عن بعد، ولكي يكون هذا السلوك سلاحًا فعالاً لابد من استخدامه بشكل استراتيجي مركز على عدد قليل من الشركات والمنتجات المختارة بعناية لتحقيق أقصى قدر من التأثير، كما أن المقاطعة تستهدف الشركات التي تلعب دورًا واضحًا ومباشرًا في جرائم الاحتلال، والتي توجد فيها إمكانية حقيقية للفوز، وعند إجبار الشركات الكبيرة المتواطئة على التراجع، وتكبيدها الخسائر من خلال حملات المقاطعة، سيبعث هذا برسالة قوية للغاية إلى مئات الشركات الأخرى المتواطئة مفادها: “أدرك نفسك قبل فوات الأوان”.

نجاحات صغيرة على الطريق

إن لم تلحظ فقد شاهدنا عبر الإعلام الرقمي صورًا لخصومات كبيرة على منتجات داعمة للاحتلال في بلدك، وهروب كثير من الفنانين والمشاهير من توقيع عقود إعلانات للمنتجات مع علامات تجارية معروفة بدعمها للاحتلال، ولجوء كثير من الشركات لتغيير اسم المستورد على البضائع من “إسرائيل” لاسم بلد آخر للالتفاف عن إظهار حقيقة بلد المنشأ للمستهلك، وانتشار مقاطعة التمور الصادرة من الاحتلال إلى الدول الإسلامية خاصة في شهر رمضان، وسؤال المستهلكين الدائم للباعة على صفحاتهم الرقمية عن أي منتج: “هل هو معنا أم لا؟”، والانتشار الفيروسي لفيديو “الزوز دينار” الذي أبدعه الشاب الليبي محمد الناعس، يؤكد أن دينارين ليبيين قد يكونا سببًا في إبادة الأبرياء في غزة؛ ليصبح الفيديو “تريند” في أقل من 24 ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

طريق التغيير

الأحرار حول العالم غاضبون، حائرون، يتساءلون عن طريق يرفعون فيه عن أنفسهم ربقة التخاذل والتواطؤ، وقد كانوا يشعرون بالعجز حتى أتاحت لهم العوالم الرقمية سلاح المقاطعة، ليس لمقاطعة الشركات ومنتجاتها فحسب، بل لمحاسبتها على التواطؤ مع الاحتلال ودعمه في الإبادة الجماعية، التي يرتكبها بحق أكثر من 2 مليون محاصَر في قطاع غزة، على أمل التغيير والجهاد مع المحاصَرين عن بعد.

2 التعليقات

  1. Reem Aboheef

    وان شاء الله هنفضل مستمرين في المقاطعه للنهايه العمر حتى لو الحرب انتهت احنا مش هنوقف مقاطعه اتعلمنا الدرس خلاص

    الرد
  2. Charifa96

    🇵🇸✌️

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...