الولايات المتحدة تقرن العمل العسكري بالدبلوماسية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

بواسطة | فبراير 16, 2024

بواسطة | فبراير 16, 2024

الولايات المتحدة تقرن العمل العسكري بالدبلوماسية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

إدارة بايدن تسعى إلى دحر النفوذ الإيراني من خلال حل الصراع في غزة، ودفع التطبيع الإسرائيلي السعودي، وإقامة دولة فلسطينية

تحديات السياسة الخارجية بين الدبلوماسية والتصعيد

تواجه الولايات المتحدة تحديات هائلة، في الوقت الذي تعمل فيه على تعميق تدخلها الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط، محاولةً إنهاء الحرب الوحشية في غزة ودحر النفوذ الإيراني.

فقد بدأ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الأحد زيارته الخامسة إلى الشرق الأوسط منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول؛ والهدف المعلن للولايات المتحدة هو الوصول إلى وقف دائم للقتال، وإطلاق سراح حوالي 130 أسيرًا إسرائيليًا ما زالوا في غزة، وهي خطوة تراها إدارة بايدن حاسمة لتحقيق أهدافها الأكثر طموحًا.

من الناحية العسكرية، سعت الولايات المتحدة إلى كسب مزيدٍ من الوقت لجهودها الدبلوماسية بدفعِ وكلاء إيران إلى مأزق الدفاع عن النفس، إذ وُصفت الغارات التي شنتها القوات الأمريكية يوم الجمعة 2 فبراير/ شباط بأنها أقوى ردٍّ تتخذه الإدارة الأمريكية الحالية في مواجهة الميليشيات المدعومة من طهران في العراق وسوريا، وقد أعقبته بهجمات على الحوثيين في اليمن في اليوم التالي.

ومع ذلك، تواجه المساعي التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عقبات هائلة، ليس أقلها التنازلات الصعبة التي ينبغي أن يقدمها جميع الأطراف لبلوغ الأهداف التي ترجوها الإدارة الأمريكية. وفي حين أن البيت الأبيض كان يأمل في إدراج قضايا الشرق الأوسط بمرتبة أدنى في سلم الأولويات بعد الصين وأوكرانيا، فإنه من الواضح الآن أن المنطقة وقضاياها عادت لتكون أكثر التحديات إلحاحًا في السياسة الخارجية الأمريكية.

من جهة أخرى، يرى مارتن إنديك، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية والسفير السابق لدى إسرائيل، أن “حرب غزة، مثل أي حرب أخرى، ينشأ عنها فرص لتغيير النهج تجاه الصراع طويل الأمد المرتبط بها”، وقد باتت إدارة بايدن تدرك الآن “أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط إلا إذا أنشأت مسارًا أكثر استدامة لحلِّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.

كانت إدارة بايدن تسير في ربيع العام الماضي على مسار مختلف إلى حدٍّ بعيد؛ وتمثلت استراتيجيتها في تشجيع التقارب الإسرائيلي السعودي، ظنًا بأن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل، لا يملكون من التأثير إلا القليل ويمكن تجاوزهم، وأنهم سيضطرون في نهاية المطاف إلى القبول بترتيبات الحكم الذاتي التي قد تُمنح لهم؛ وتوقعت الإدارة ألا تواجه مصالحها في المنطقة تحديات عسكرية كبيرة، ومن ثم قلصت كذلك الحضور العسكري في المنطقة.

وكان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، قد كتب في مقال بمجلة فورين أفيرز الأمريكية: “على الرغم من أن الشرق الأوسط لا يزال يواجه تحديات دائمة، فإن المنطقة أصبحت أكثر هدوءًا مما كانت عليه منذ عقود”؛ وقد نشر هذا المقال قبل وقت قصير من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ثم أُجريت تعديلات بعد ذلك في النسخة المنشورة على الإنترنت.

في غضون ذلك، قال خبراء أمريكيون في شؤون الشرق الأوسط إن تزايد حصيلة الضحايا الفلسطينيين في غزة تسبب في “تعكير الأجواء” بالمنطقة، وصارت الاستراتيجية الأمريكية تميل الآن إلى الدعوة لمعالجة معضلة السلام في الشرق الأوسط بإعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية.

وقد أصبح تعزيز آمال الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم شرطًا أساسيًا لمواصلة التطبيع الإسرائيلي السعودي، وتمهيد الطريق أمام إنشاء تحالف واسع النطاق لمناهضة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وقال فرانك ماكنزي، الجنرال الأمريكي المتقاعد والقائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، إن “الحرب تجلب بعض الفرص، وهناك فرصة سانحة يمكن اقتناصها هنا”.

وفي ظل تصعيد الأجواء السياسية لاقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء القتال في غزة يمكن أن يمنح البيت الأبيض القدرة على الردِّ على المنتقدين من اليسار الديمقراطي، الذين اشتكوا من أن إدارة بايدن أفرطت في التعاطف مع إسرائيل حين قررت ألا تهددها بتقليص الدعم العسكري ردًا على ما تفعله في غزة.

ومع ذلك، فإن انهيار المساعي الدبلوماسية قد يضر بفرص بايدن في الفوز بالانتخابات، لا سيما إذا فقد الأصوات في ولاية ميشيغان، التي يقطنها عدد كبير من الأمريكيين ذوي الأصول العربية.

ولا تقتصر المصاعب التي تواجه مساعي إدارة بايدن في بلوغ إنجازها الدبلوماسي على ذلك، بل تشمل أيضًا تأمين التعاون من إسرائيل، لا سيما وقد أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو معارضته التامة لإقامة دولة فلسطينية. ولا بد للإدارة الأمريكية كذلك أن تحافظ على الدعم السعودي لمساعيها، وهذا الأمر يتطلب على الأرجح إتمام معاهدة الدفاع الأمريكية السعودية، وتأمين التصديق عليها في مجلس الشيوخ.

الإدارة الأمريكية ترى أن السلطة الفلسطينية يجب أن تخضع للإصلاح، حتى تتمكن من المساعدة في حكم الضفة الغربية وقطاع غزة بتأييدٍ من الشعب الفلسطيني. إلا أنه حتى لو حدث ذلك، فإن القبول بالأمر لا بد أن يتضمن كذلك تجاوز المخاوف العميقة لدى بقية الأطراف، ومنهم الإسرائيليون الذي ما زالوا قلقين من تمكين المساعي لإقامة دولة فلسطينية بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

قال دينيس روس، المسؤول البارز السابق لشؤون الشرق الأوسط في إدارة جورج بوش الأب وبيل كلينتون، إن الولايات المتحدة “عليها التوفيق بين المخاوف الإسرائيلية من قيام دولة فلسطينية سوف تهيمن عليها حماس حتمًا، أو جماعة شبيهة بها، وبين حاجة السعودية والإمارات والدول العربية عمومًا إلى تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية”. وأضاف روس، الذي يعمل الآن في مركز أبحاث “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” الأمريكي، “إن كل المكونات مهيأة للمضي قدمًا في تحرك استراتيجي أكبر”، إلا أن “التحدي الأصعب هو كيفية الجمع بين هذه المكونات معًا”.

رحلة بلينكن إلى المنطقة ترمي إلى إرساء الأساس لهذا المسار، وذلك بالوصول إلى اتفاق لتحرير الأسرى في غزة، وترى الإدارة الأمريكية أن هذه الخطوة من شأنها أن تفسح المجال لمسارٍ دبلوماسي أكثر طموحًا.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، يوم الأحد، إن إدارة بايدن تضغط بشدة من أجل التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى، لا سيما أن منهم حاملين للجنسية الأمريكية، إضافة إلى إقرار هدنة من القتال لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة.

وقال سوليفان عن صفقة الأسرى المحتملة في برنامج Face the Nation على شبكة سي بي إس الأمريكية: “إنها أولوية قصوى بالنسبة إلينا”، و”الحكومة الإسرائيلية ينبغي أن توضح ما إذا كانت هذه أولوية قصوى بالنسبة لهم أم لا”.

يأتي كل ذلك في وقت تقول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إنهم يشنون ضربات عسكرية على القوات التابعة لإيران في المنطقة، لردعها عن مهاجمة القوات الأمريكية، وعرقلة التجارة الدولية في البحر الأحمر، وتعطيل الجهود الدبلوماسية الأمريكية.

هاجمت الولايات المتحدة، الجمعة 2 فبراير/شباط، أكثر من 85 هدفاً في أقصى غرب العراق وشرق سوريا. وقال تشارلز ليستر من مركز أبحاث “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن، إن هذه الضربة كانت أكبر عمل عسكري شنته الولايات المتحدة على وكلاء إيران في سوريا والعراق منذ حرب العراق.

وقال ليستر: “يرى هؤلاء الوكلاء وإيران نفسها أنهم منخرطون في صراع استنزاف طويل الأمد في مواجهة الولايات المتحدة، ومن ثم فهم يرون هذا الهجوم زوبعة على الطريق بالنسبة إليهم، ولو في الوقت الحالي على الأقل”.

أما الإدارة الأمريكية، فترى أن حساباتها تقوم على الجمع بين الدبلوماسية والاستخدام الحازم للقوة، وتسعى بذلك إلى تعزيز النفوذ لبلوغ أهدافها في منطقة أثبتت في كثير من الأحيان مقاومتها العنيدة للمبادرات الأمريكية.

ويرى إنديك، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية والسفير السابق لدى إسرائيل، أن “المساعي الأمريكية تواجه تحديات كبيرة، إلا أن بايدن ومستشاريه يستحقون الإشادة لسعيهم إلى اقتناص الفرصة وإحداث خطوة نوعية ذات عواقب استراتيجية. إلا أن الأمر يحتاج إلى تعاون كثير من أطراف غير متعاونة.

المصدر: وول ستريت جورنال
تاريخ النشر: 04/02/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...