بعد ستة أشهر من الحرب.. عزلة إسرائيل تزداد، ولا نهاية تلوح في الأفق

بواسطة | أبريل 11, 2024

بواسطة | أبريل 11, 2024

بعد ستة أشهر من الحرب.. عزلة إسرائيل تزداد، ولا نهاية تلوح في الأفق

عندما أعلنت إسرائيل الحرب على حماس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقفت موحَّدة في الداخل وحظيت بدعم واسع النطاق من مختلف أنحاء العالم، في أعقاب هجوم غير مسبوق شنته الحركة الإسلامية المسلحة.. وبعد ستة أشهر تجد إسرائيل نفسها في مكان مختلف تمامًا! غارقة في غزة، منقسمة داخليًا، معزولة دوليًا، وعلى خلاف متزايد مع أقرب حلفائها؛ ولا يزال خطر نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقًا حقيقيًا.

وعلى الرغم من الهجمة العسكرية الشرسة التي تشنها إسرائيل، فإن حماس ما زالت صامدة؛ وقد أغرق الهجوم غزة في أزمة إنسانية، ما أدى إلى نزوح أكثر من 80% من السكان، وترك أكثر من مليون شخص على حافة المجاعة. ومع ذلك، لم تقدم إسرائيل رؤية لما بعد الحرب مقبولة لشركائها، ولا تزال محادثات وقف إطلاق النار في طريق مسدود.

في ما يلي ست نتائج ظاهرة للأشهر الست الأولى من الحرب:

1– حالة من الجمود في ساحة المعركة

أعلنت إسرائيل الحرب ردًا على هجوم حماس عبر حدودها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي قتلت فيه الحركة المسلحة 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واختطفت حوالي 250 آخرين. وقد حدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هدفين: تدمير حماس، وإعادة الرهائن إلى الوطن؛ ولكن على الرغم من تعهداته المتكررة بتحقيق “النصر الشامل”، فإن أهدافه لا تزال بعيدة المنال.

فبعد السيطرة المستمرة على أغلب قطاع غزة في هجوم مؤلم وقاتل، أصبحت القوات البرية الإسرائيلية في وضع جامد، يتسم بعمليات تكتيكية صغيرة، وعدم اليقين بشأن ما إذا كان الجيش سوف يزحف إلى مدينة رفح بجنوب غزة، آخر معقل كبير لحماس.

وتعهد نتنياهو مرارا وتكرارا بغزو رفح، لكنه يواجه معارضة دولية واسعة النطاق، بما في ذلك من الولايات المتحدة، بسبب مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين لجؤوا إليها؛ ويزعم نتنياهو أن لديه خطة لإجلاء المدنيين، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت جاهزة أو أنها سترضي الأميركيين. وحتى لو قامت إسرائيل بغزو رفح، فليس هناك ضمانة للنجاح على المدى الطويل؛ ورغم أن حماس تكبدت على ما يبدو خسائر فادحة، فإن قواتها تمكنت من إعادة تجميع صفوفها في المناطق التي انسحبت منها إسرائيل.

وفي الوقت نفسه، لم تتمكن إسرائيل من وقف الهجمات اليومية التي تواجهها على جبهتها الشمالية من جماعة حزب الله اللبنانية.. وعلى النقيض من حماس، فإن ترسانة حزب الله الأكبر حجماً تظل سليمة، الأمر الذي يجعل مصير عشرات الآلاف من المدنيين المشردين على جانبي الحدود معلقاً في الهواء. وهددت التوترات بجر إيران إلى الصراع، باعتبارها راعية حزب الله، خاصة بعد غارة جوية نسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل أدت إلى مقتل جنرالين إيرانيين في سوريا المجاورة هذا الأسبوع.

2- العزلة المتزايدة

حظيت إسرائيل بدعم دولي واسع النطاق في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي كان الهجوم الأكثر دموية ضد اليهود منذ المحرقة. ومع ذلك، فإن حسن النية حل محله نفاد الصبر والغضب مع تدهور الأوضاع في غزة.

إذ قُتل أكثر من 33 ألف فلسطيني في الحرب، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال، وفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين الذين لا يميزون عدد القتلى بين المدنيين والمقاتلين؛ ويقول مسؤولو المساعدات الدولية إن ما يقرب من ثلث سكان غزة يعانون من جوع كارثي. وقد أفسحت التعبيرات الأولية عن التضامن من جانب حلفاء إسرائيل المجال أمام دعوات لوقف القتال.. وفي الوقت نفسه، فإن المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تنظر في مزاعم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، أمرت تل أبيب ببذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة.

ويبدو أن هذه العزلة بلغت ذروتها في 25 مارس/ آذار، عندما أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رغم الاعتراضات الإسرائيلية، قراراً يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وأثارت الولايات المتحدة غضب إسرائيل بالسماح بتمرير القرار دون استخدام حق النقض. ومنذ ذلك الحين، ساءت الأمور بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد مقتل سبعة من عمال الإغاثة في ما تقول إنها غارة جوية خاطئة؛ وكان ستة من الضحايا متطوعين من دول متحالفة مع إسرائيل، ما أثار استعداء هذه الدول، وأثار غضب الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقد أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على سفارة إيران في سوريا وجهود نتنياهو لإغلاق قناة الجزيرة الفضائية العربية إلى زيادة نفور الحلفاء من النهج الإسرائيلي.

3- إسرائيل منقسمة

بعد فترة من الوحدة الواسعة في بداية الحرب، عادت إسرائيل إلى ذاتها المنقسمة، حيث أصبح زعيمها المثير للاستقطاب في قلب العاصفة.

وتزايدت الاحتجاجات الأسبوعية ضد الحكومة واجتذبت الآلاف، وهي متجذرة في المظالم طويلة الأمد ضد نتنياهو، من تحالفاته السياسية مع الأحزاب اليمينية المتطرفة والأرثوذكسية المتطرفة إلى محاكمته المفتوحة بالفساد.. ومع ذلك، فقد اكتسبت قوة جديدة من فشله في إعادة الرهائن إلى وطنهم. وتم إطلاق سراح ما يقرب من نصف الرهائن خلال وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعًا في نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن إسرائيل تقول إن 134 لا يزالون في الأسر.

وقد أعلنت إسرائيل بالفعل عن مقتل أكثر من 30 رهينة، وهناك مخاوف واسعة النطاق من أن العدد الحقيقي أعلى وسيستمر في الارتفاع كلما طالت فترة احتجازهم.

إن محنة الرهائن وصرخات عائلاتهم المؤلمة كان لها صدى عميق لدى الجمهور الإسرائيلي، وكان بعض عائلات الرهائن من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع هذا الأسبوع مطالبين الحكومة بالاستقالة، وكانت هذه أكبر مظاهرة مناهضة للحكومة منذ بدء الحرب.

4- نتنياهو لن يحقق أي شيء

تراجعت شعبية نتنياهو منذ اندلاع الحرب، حيث حمَّله كثيرون مسؤولية الإخفاقات الاستخباراتية والأمنية التي سمحت بوقوع هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك، فقد رفض الدعوات التي تطالبه بالاستقالة أو إجراء تحقيقات في الأخطاء التي حدثت.

ولا يواجه نتنياهو أي تهديد مباشر لحكمه.. وفي الوقت الحالي يظل شركاؤه في الائتلاف، الذين يواجهون أيضًا خسائر محتملة في صناديق الاقتراع، يقفون خلفه بقوة؛ ومن المفارقات أن التهديد المباشر الأكبر لنتنياهو لا يرتبط إلا بشكل هامشي بالحرب.

أمرت المحكمة العليا في إسرائيل بوقف النظام المثير للجدل القائم منذ فترة طويلة، والذي يقضي بإعفاء اليهود من رجال الدين المتشددين من الخدمة العسكرية الإجبارية. ومع مقتل أكثر من 600 جندي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، سيواجه نتنياهو صعوبة في مواصلة هذا النهج، ولكنه إذا حاول إجبار رجال الدين على الخدمة العسكرية، فقد يخسر دعم شركائه المتدينين، ويضطر إلى إجراء انتخابات مبكرة.

كتب أنشيل فيفر، وهو كاتب عمود في صحيفة هآرتس، ومؤلف سيرة ذاتية لنتنياهو: “نتنياهو غير قادر على الشعور بالخجل أو تحمل المسؤولية، وليس لديه أي نية للاستقالة من تلقاء نفسه”.

5- حماس لن تبرح مكانها

تسبب الهجوم الإسرائيلي في دمار شامل في جميع أنحاء غزة، وألحق خسائر فادحة بحماس؛ وتدعي إسرائيل أنها قتلت حوالي 13 ألفا من مقاتلي حماس، وفككت القدرات العسكرية للحركة في معظم أنحاء غزة.

ولكن حتى لو كانت هذه الادعاءات صحيحة، فإن حماس لا تزال سالمة في رفح، وقد أعاد مقاتلوها تجميع صفوفهم في المناطق التي أعلنت إسرائيل انتصارها فيها في السابق؛ وعلى الرغم من وجود مظاهر بسيطة من السخط العام تجاه حماس في غزة، فإنه لم تكن هناك علامات عامة على وجود معارضة واسعة النطاق لهذه الجماعة.

وقال خليل الصايغ، المحلل الفلسطيني، إن حماس تستمر في الظهور مرة أخرى وإن إسرائيل لم تسمح بظهور أي بديل؛ وأضاف: “عندما تخوض حرب عصابات، أعتقد أن النجاح أو الفشل النهائي هو ما إذا كنت قادراً على البقاء على قيد الحياة، لذلك إذا تمكنت حماس من البقاء كهيئة حاكمة، فسيكون هذا نجاحًا وانتصارًا”.

يقول مايكل ميلشتين، وهو ضابط سابق رفيع المستوى في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، والآن خبير في الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، إن إسرائيل تواجه خيارين سيئين: إما قبول صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، ما يعني الاعتراف ببقاء حماس، أو تكثيف العمليات العسكرية واحتلال غزة على أمل أن يتم تدمير حماس في نهاية المطاف. وأضاف بأن التوقعات بأن النهج الحالي للجيش الإسرائيلي يمكن أن يدمر حماس أو يجبرها على الاستسلام هو مجرد “أماني وتفكير واهم”.

6- لا سياسة أو خطة لما بعد الحرب

لا يوجد إجماع على مستقبل غزة بعد الحرب.

قدم نتنياهو رؤية غامضة تدعو إلى سيطرة إسرائيلية مفتوحة على المنطقة، مع قيام شركاء فلسطينيين محليين في غزة بإدارة الشؤون اليومية؛ وتأمل إسرائيل أن يتم تمويل إعادة الإعمار من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك دول الخليج العربي الغنية. لكن هذه الخطط تتعارض مع الرؤى التي تروج لها الولايات المتحدة والشركاء الدوليون الآخرون والفلسطينيون.

وقد دعت الولايات المتحدة إلى عودة السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، والتي أطاحت بها حماس من غزة عام 2007، وإلى تجديد الجهود لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومؤخراً قامت السلطة الفلسطينية، ومقرها في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، بتعيين رئيس وزراء جديد لتلبية الدعوات الأمريكية للإصلاح.

ويعارض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية أو أي دور للسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه فالرغبة بين الدول المانحة للمساهمة في إعادة الإعمار دون توافق سياسي ضعيفة؛ وتقول دولة الإمارات العربية المتحدة – على سبيل المثال- إنها لن تمول إعادة الإعمار دون اتباع نهج الدولتين.

وقال عوفر شيلح، النائب السابق وهو الآن باحث كبير في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، إن النجاحات في ساحة المعركة “لا معنى لها تقريبًا” بدون رؤية دبلوماسية؛ وأضاف: “التهديد الحقيقي لحماس لن يكون الدبابات أو الطائرات الحربية الإسرائيلية، بل سيكون هو البديل المنتظر لإدارة الحياة في غزة بعد الحرب”.

المصدر: أسوشيتيد برس | JOSEF FEDERMAN
تاريخ النشر: 05/04/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

بعد أن طُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في المحراب في صلاة الفجر، يومَ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، احتمله الناس إلى بيته وجراحُه تتدفق دما. همّ الخليفة أن يعرف قاتله كان من أوائل ما طلبه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعرف...

قراءة المزيد
حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع "دودي الفايد" مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات "ديانا"!. للتذكرة.. "دودي" (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن. نحن –...

قراءة المزيد
الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

ظل مالك بن نبي مصراً على أن ملحمة الاستقلال العربي الإسلامي، الممتد إنسانياً بين أفريقيا وآسيا، تنطلق من معركة التحرير الفكري بشقّيها؛ كفاح الكولونيالية الفرنسية عبر روح القرآن ودلالته الإيمانية، ونهضة الفكر الذاتي الخلّاق من أمراض المسلمين، والرابط الروحي والأخلاقي...

قراءة المزيد
Loading...