تجويع غزة من بوابة الأونروا

بواسطة | فبراير 1, 2024

بواسطة | فبراير 1, 2024

تجويع غزة من بوابة الأونروا

في وسط العدوان الصهيوني على غزة، تبرز جهود متكاملة لتجويع السكان وإضعاف دور وكالة الأونروا UNRWA التابعة للأمم المتحدة بالتنسيق مع تحالف دولي، مما يكشف عن استراتيجية مدروسة لتحقيق أهداف إبادية في المنطقة بشكل مثير للقلق.

إستراتيجية إبادة – سياسة التجويع في غزة بالتواطؤ الدولي

من الواضح أن العدوان الذي تشنه دولة الاحتلال الصهيوني على غزة وأهلها، منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى اللحظة، ليس عدوانا فرديا، ولا يمكن أن يصدق أحد أن الصهاينه يقومون لوحدهم بهذا الدور، لا على الصعيد الحربي ولا السياسي.

فإمدادات جيش المحتل بالأسلحة لم تتوقف يوما واحدا، بل إن طوفان الأقصى ساهم بمضاعفتها مرات ومرات، والمصدر دائما هو الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؛ كما أن المساندة السياسية أكثر وضوحا وانكشافا من أن تتوارى خلف أي محاولة للتغطية عليها بحجة الحياة والخضوع للمقررات الأممية على سبيل المثال. فتصريحات الرئيس الأمريكي بايدن بضرورة استمرار العدوان ربما تجاوزت تصريحات نتنياهو نفسه، والفيتو الأمريكي كان دائما هو الحاضر الأقوى في أي جلسة لمجلس الأمن تتعلق بما يحدث في غزة، انتصارا لدولة الكيان الصهيوني ومنعا لأي مساندة يمكن أن ترشح من قرارات مجلس الأمن لصالح غزة والمقاومة الفلسطينية فيها.

بالتالي، لا يمكن قراءة خبر إعلان الخارجية الأمريكية قبل أيام تعليق أي تمويلات إضافية مخصصة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) (UNRWA)، إلا في سياق سياسة الاحتلال الصهيوني المستمرة في تجويع شعب غزة، بعد فشل محاولات حكومة تل أبيب الدؤوبة لتهجير أهل غزة نحو الداخل الفلسطيني والخارج.

الخارجية الأمريكية قالت إن قرار تعليق المساعدات للأونروا، أتى  بسبب مزاعم مشاركة بعض موظفي الوكالة في عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني في أكتوبر 2023؛ ومع أن الجانب الأمريكي لم يقدم للوكالة أي دليل على صحة تلك المزاعم، بادرت الأونروا تحت ضغط معرفتها بخطورة الخطوة التعسفية على عملياتها التشغيلية في غزة، بإنهاء عقود 9 موظفين مشتبه بهم بلا دليل، كما فتحت تحقيقًا لتحديد المسؤوليات الدقيقة لعدد من الموظفين الآخرين.

الغريب أن قرار الولايات المتحدة المتواطئ مع سياسة الصهاينة في تجويع غزة وأهلها، شجع دولاً أخرى تدور حكوماتها في الفلك الأمريكي، على اتخاذ خطوات متطابقة مع الخطوة الأمريكية، إذ علقت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفنلندا وكندا وأستراليا، التمويل الحيوي للأونروا. وهذا يعني إصدار حكم بالإعدام على أهم وكالة تعنى بمساعدة الفلسطينيين إنسانيا، وتنفيذ الحكم فورا رغم صعوبة الحياة التي يواجهها أهالي غزة، في ظل عدوان مستمر منذ أربعة أشهر تقريبا، سبقه حصار ممتد لسنوات طويلة.

والأونروا (UNRWA) وكالة تابعة للأمم المتحدة، تأسست في العام 1949 لتقديم المساعدة والرعاية للاجئين الفلسطينيين، لكنها لا تعمل في فلسطين وحسب بل في العديد من البلدان، وبالتأكيد تعمل في قطاع غزة، لتلعب دورًا حيويًا في تلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في المنطقة، والتركيز على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية.

على صعيد التعليم تدير الأونروا شبكة واسعة من المدارس في القطاع، حيث توفر تعليمًا مجانيًا للجميع، ما يساهم في تأمين فرص التعليم للأطفال في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها؛ كما تقدم الوكالة خدمات الرعاية الصحية الأساسية للفلسطينيين من خلال مستشفياتها، كالعلاج الطبي الأساسي والوقاية والرعاية النفسية أيضا. وعلى صعيد الإغاثة الاجتماعية توفر الأونروا المساعدة الاجتماعية للفلسطينيين في قطاع غزة من خلال برامج مثل المساعدات النقدية والغذائية والدعم الاجتماعي، وتهدف هذه البرامج إلى تلبية الاحتياجات الأساسية للأسر الفلسطينية الفقيرة والمحرومة.

وفي ظل الأزمة الإنسانية الخانقة التي كان قطاع غزة يعاني منها بسبب الحصار الصهيوني المفروض منذ سنوات، كانت الأنروا هي الجهة الوحيدة تقريبا العاملة رسميا لتقديم المساندة لأهالي غزة، وقد تضاعف دورها بعد استمرار العدوان الذي دمر كل شيء في القطاع تقريبا، ورغم كل المضايقات التي تعرضت لها الوكالة، من تقليص للتمويل والحد من الصلاحيات والاتهامات المستمرة بالتحيز لصالح الفلسطينيين وغير ذلك، بقيت صامدة لاستكمال دورها في الحدود المتاحة؛ وهو ما جعلها – كفكرة- تمثل تحدّيا كبيرا أمام سياسة الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، الذي يعتمد على تهجير أصحاب الأرض الحقيقيين، عبر التضييق عليهم في كل سبل الحياة – حتى وإن كانت بحدودها الدنيا- على صعيد العمل والتعليم والصحة والإغاثة الإنسانية.

ولهذا، فلا يمكن التصديق بأن القرار الأمريكي بتعليق المساعدات للأونروا قرار فردي معزول عن سياقاته العامة؛ فالولايات المتحدة لا تريد معاقبة الوكالة الوحيدة التي يمكنها إنقاذ شعب غزة من مجاعة محققة تحت وطأة القصف والحصار المستمرين وحسب، بل هي تريد أيضا المساهمة بالإبادة الجماعية بسياق قانوني هذه المرة، فخلقت تلك الكذبة المفضوحة عبر تحقيق صحفي كتبته صحفية صهيونية كانت – ويا للصدفة- تعمل في جيش الاحتلال! وبلا تحقيق قانوني وبلا تحقق ميداني، أصدرت حكمها السريع ونفذته، هي وبقية الدول “الكبرى” التابعة لها!!

الغريب أن هذه الدول تجاهلت مقتل أكثر من مائة وخمسين موظفا من موظفي وكالة الأونروا إثر قصف جيش الاحتلال، وهو أكبر عدد من القتلى في صفوف موظفي الأمم المتحدة في حرب واحدة منذ تأسيسها؛ وهذا التجاهل يثبت مرة أخرى أن الكيل بمكيالين هو ما تجيده الولايات المتحدة الأمريكية دائما في سياستها عندما يتعلق الأمر بـ “إسرائيل”، حتى وإن أدت تلك السياسة إلى جريمة إبادة جماعية إضافية، فمن لم يمت بالقصف مات بالجوع هذه المرة.. لكن الفاعل واحد دائما، حتى وإن حمل أسماء كثيرة!

1 تعليق

  1. علي فندي محمد

    احسنتِ استاذتي الفاضله. تحليل منطقي لما يحدث
    بارك الله فيج

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...