“تكوين” العجل في بطن أمه!

بواسطة | مايو 13, 2024

بواسطة | مايو 13, 2024

“تكوين” العجل في بطن أمه!

لا نعرف إلى الآن، إن كان تنظيم “تكوين” قد حصل على الترخيص القانوني لممارسة عمله أم لا، فتصريحات أصحابه في هذا الصدد متضاربة، وأحيانا ضبابية! وفي كلٍّ من الحالتين نكون أمام وضع يدي السلطة، التي نعلم أنها تقف وراء هذا الكيان المشبوه، المشكَّل من شخصيات طفيلية، كانت طوال عمرها شخصيات وظيفية.

فإذا كان قد حصل على الترخيص، فما هو تعريفه؟ جمعية أم حزب؟ وكيف حصلوا عليه والمشتغلون بالعمل العام يعرفون أن الأمور لا تمر هكذا مرور الكرام وبهذه السهولة؟ وإذ لم يكن قد حصل عليه، فكيف تم السماح له بالعمل وممارسة النشاط والاعتراف الإعلامي به، وفي الإعلام المملوك للسلطة؟!

حركة “تكوين” تأسست في الأسبوع نفسه الذي تأسس فيه كيان “اتحاد القبائل العربية”، ومع أنه تشكيل مخالف للقانون، وغير حاصل على الرخصة القانونية، فإنه عقد مؤتمره، وأصدر بياناته، وخاطب مجلس الأمن، وتمدد في الإعلام المملوك للسلطة، وأخباره تذاع فيه مسبوقة بمفردة “عاجل”!.

نحن أمام خروج سافر على القانون، وبشكلٍ يخلّ بأركان الدولة الحديثة؛ والمُشكلة مع هذه الكيانات غير القانونية، التي تشكلت بالمخالفة للدستور والقانون، أنها تخضع لحماية النظام رأساً، والذي لم ينشغل بتقنين وضعها القانوني – وهو وضْع غير قابل للتقنين- لتضع السلطة نفسها في مأزق، فكيف يصبح الانضمام لجماعة الإخوان – مثلاً- جريمة، ولا ينسحب الأمر نفسه على أعضاء “تكوين”، وأعضاء “اتحاد القبائل”؟! وقيل إن العضوية في التشكيل الأخير بلغت عشرة آلاف شخص، لنكون أمام انتهاك صارخ لعرض القانون على قارعة الطريق وفي حماية السلطة، وهذا بيت القصيد!

ماذا يضيف لهم التنظيم؟

عقب الانقلاب العسكري، وعندما بدأ التجريم بتهمة الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون، سألتُ عن الوضع القانوني لحركة “تمرد”، لكن الأمر الآن صار أكثر سفوراً على نحو تتأذى منه دولة القانون وتتصدع له أركانها، ولاسيما أنه يأتي في حماية أهل الحكم أنفسهم، فما الذي يضيفه “التنظيم” لشخصيات متمددة بالفعل، وتفتح لها المنابر الإعلامية “على البحري”، بدون تطبيق المعايير الإعلامية من حيث وجود من يمثلون الرأي الآخر، من علماء الأزهر وشيوخه، وكأنهم محميات طبيعية يلزم حمايتها، أو منطقة عسكرية حيث يمنع الاقتراب والتصوير!

ماذا يمكن أن يضيفه إبراهيم عيسى مثلاً بالتنظيم، وهو بعد أن فشل صحفياً بعد تجربة جريدة “المقال” تم تمكينه من برنامجين أحدهما عبر قناة “القاهرة والناس”، والثاني في قناة “الحرة” الأمريكية؟! وماذا يضيف التنظيم لفاطمة ناعوت، وهي الكاتبة في صحيفة مملوكة للشركة المتحدة؟ والأمر نفسه ينسحب على أبو جهل، أو يوسف زيدان، الرجل الذي تستضيفه البرامج بمفرده، فيتحف المشاهدين بالترهات.. انظر كيف فسّر “فبات قلبي اليوم متبول”، بأن الشاعر يقصد أن قلبه وضع في التوابل، وهو تفسير يؤهله لأن ينافس الشيف الشربيني في إعداد طبق اليوم. إنه جاهل ويجهل أنه جاهل!

الإضافة أن التنظيم مطلوب لذاته، ليحصل على الدعم المطلوب من الإقليم ومن الجهة ذاتها التي موّلت “تمرد”، وكان الحساب تحت تصرف أولي الأمر منهم، فيبدو أن “سبوبة” القنوات التلفزيونية فشلت بفشل “دي إم سي” و”القاهرة الإخبارية”، وهي قنوات مموَّلة من الإقليم، فكان البحث عن وسيلة أخرى، فاليد العاطلة نجسة (كما يقول المثل الشعبي)، فكان اللجوء لتأسيس حركات وتنظيمات وكانت “تكوين”، وكأن مؤسسيها اجتمعوا لاختراع الذرة، أو “تكوين العجل في بطن أمه”، لنكون أمام دولة جديدة غير الدولة التي نعرف، والتي كانت تبالغ في البعد عن أصحاب الأفكار المخالفة للاعتقاد العام، والتي يمكن أن تمثل تكديراً للسلم العام، إذا انخرطت السلطة فيها!.

تعامل الدولة مع فودة والعشماوي:

لم يحدث أن تبنت الدولة فكر المستشار محمد سعيد العشماوي مثلا، ولو من خلال نشر مؤلفاته في المؤسسات الكبرى المملوكة لها، أو فتح منابرها الإعلامية له، فكان يعمل بجهده الخاص، وتركته فريسة لناشري مؤلفاته، كما لم تفتح له تلفزيونها الرسمي، وتركت جهات عليا تهدر قيمة حكم قضائي حصل عليه بإفلاس ناشر كتبه، وكان يتهم وزير العدل بأنه من خطط لذلك، ليس للخلاف في الرأي، ولكن لخلافات شخصية بينهما!

والسلطة لم تتدخل لتوقف مهزلة التفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته، وتركت قضاة يحكمون بعاطفتهم الدينية، وعندما تدخلت لتعديل قانون الحسبة كان هذا ذراً للرماد في العيون، فالوقت كان متأخراً، والقانون لا يطبق بأثر رجعي، فكان يستهدف المستقبل!

وعقب إصدار القانون اتصل المستشار فاروق سيف النصر بالمستشار العشماوي (كما روى لي) وهو سعيد بهذا الإنجاز القانوني، فقال له العشماوي لقد انتهى الأمر، ولو اتصلت بي من قبل لأخبرتك بما ينبغي أن يحتوي عليه القانون ليسري على حالة نصر أبو زيد، ولعل هذه الردود المحبطة منه كانت توغر صدر وزير العدل ضده، وكان العشماوي يقول إن أمر تمديد إحالة القضاء لسن التقاعد من 60 عاماً إلى 62 عاماً (قبل أن يصبح التمديد الى السبعين فيما بعد) كان مطروحاً قبل تقاعده، لكن الوزير انتظر حتى يخرج على المعاش ليقدمه للبرلمان!

وإن كان الإسلاميون قد قرروا أن الدولة هي من ترعى فرج فودة، فالأمر لم يكن كذلك، والرجل تم توظيف خلافه مع حزب الوفد بعد تحالفه مع الإخوان ضمن الحملة الانتخابية للسلطة، وكتبه لم تطبع في مؤسسات الدولة الرسمية، وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين مستقلاً ولم يتمكن من النجاح، وفي الأولى عُرض عليه الانضمام إلى الحزب الوطني بعد فوزه ورفض، فتركوه يسقط، وقال له الدكتور رفعت المحجوب إن الذي يمنع من أن تكون عضواً في البرلمان بالتزوير أو بالتعيين، هو أنك لا تزال فيك بقايا أفكار وفدية! وعندما تقدم فرج فودة للحصول على الترخيص له بجمعية تحمل اسم “التنوير”، رفضتها وزارة الشؤون الاجتماعية، فلجأ إلى القضاء لإلغاء قرار الوزارة، كما لم يمنح الموافقة من قبل لجنة شؤون الأحزاب على حزب يحمل اسم “المستقبل”!

وإذ كان الرئيس يعقد لقاء سنوياً مع المثقفين في افتتاح معرض الكتاب، لم تتم دعوة فرج فودة إلا مرة واحدة في العام السابق لاغتياله، وفي اللقاء التالي وقف الدكتور عبد العظيم رمضان، ليقول إن لديه أمرين يريد الكلام فيهما، الأول أنه كان بيننا هنا مفكر قدم حياته من أجل فكره، الأمر الذي يستوجب الوقوف دقيقة حداداً على روحه، فقال له مبارك: والأمر الثاني؟.. وذلك للالتفاف على الوقوف دقيقة حداداً!

ولم يكن فرج فودة قد مات في حادث سير، لكنه قتل من ذات الجماعات التي تبادلها الدولة العداء، واغتالت أحد رموزها وهو الدكتور رفعت المحجوب، لكن مبارك لم يكن يريد في معركة الأفكار أن يذهب بعيداً!

وليس في تنظيم “تمكين العجل في بطن أمه” من هم في رشاقة قلم فرج فودة، وقدرته على الإلمام بموضوعاته، وليس فيهم من هو في عمق سعيد العشماوي، أو رصانة فؤاد زكريا، أو تمكُّن نصر حامد أبو زيد من أدواته، وقد قرأت معظم مؤلفات هؤلاء وهذا يمكنني من الحكم، قرأت مؤلفات فرج فودة وسعيد العشماوي كلها، وكتابين لزكريا الأول في الرد على ما سُمي بالصحوة الإسلامية، والثاني في الرد على “خريف الغضب” لهيكل بـ “كم عمر الغضب”، بجانب مؤلفات نصر حامد أبو زيد، واقتربت منهم جميعاً عدا زكريا لأنه كان يعيش في الكويت.. ولأنهم كذلك، فإننا بالمقارنة بإفرازات المرحلة  نكتشف أن الفرق بين “السما والعمى”، بيد أن الدولة القديمة كانت تضع مسافة مع الأولين، في حين أن الآخرين، الذين ليسوا أكثر من طحالب فكرية، يخضعون لرعاية الجمهورية الجديدة، وتسبغ عليهم حمايتها، وتمكّنهم من مخالفة القانون بحثاً عن “السبوبة”.. ولها فيهم مآرب أخرى!

إن مراعي السلطة لا تصلح لتسمين العجول!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...