“تكوين” هذا التشكيل العصابي.. من فمك أدينك!

بواسطة | يونيو 2, 2024

بواسطة | يونيو 2, 2024

“تكوين” هذا التشكيل العصابي.. من فمك أدينك!

بعد أيام قليلة، يكون قد مضى على تأسيس حركة “تكوين” شهر بالتمام والكمال، دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للترخيص القانوني لها، كما وعد أصحابها!

لا نعرف، ما إذا كان الرأي قد استقر لدى مؤسسي “تكوين” على اعتبارها جمعية، أم تنظيم، أم حركة؛ والحركة بركة.. واعذروني إن تعاملت معها تارة على أنها مؤنث، باعتبارها جمعية أو حركة، وتارة على أنها مذكر على أساس أنها تنظيم، يشبه التنظيمات التي نشأت وعوقب المنتمين إليها، لانتمائهم إلى تنظيم تأسس على خلاف القانون؛ بدءاً من تنظيم الإخوان المسلمين، ومروراً بالتنظيمات اليسارية، وانتهاء بتنظيم “الناجون من النار”. وقد يكون الرأي الغالب أن “تكوين” ليست مؤنثاً أو مذكراً، فربما تكون “خنثى”؛ لذا وجب التنويه!

من الخطأ بمكان ما فعله الناس عندما تجاوزوا الشكل مع عدم استيفائه، وتطرقوا للموضوع، وهذا يمثل خدمة جليلة لأصحاب الحركة؛ وعدم استيفاء الشكل يجعل من مؤسسي “تكوين” هاربين من العدالة، وإن تعلقوا بأستار القصور الرئاسية جميعها، لأن هذا التشكيل عنوان على غياب دولة القانون، ما يذكّرنا بمقال إحسان عبد القدوس، في مرحلة ما بعد حركة ضباط الجيش الأولى في 1952، عن الجمعية السرية التي تحكم مصر!

إن الآلاف ممن تم توقيفهم بعد الانقلاب العسكري في 2013 اشتركوا في تهمة واحدة، وهي الانضمام لجماعة إرهابية تأسست على خلاف القانون، ثم استشعر القوم الحرج لوجود رموز من المعتقلين، موقفهم معلن ضد الإخوان في سنة حكمهم، فأدخلوا تحديثاً على الاتهام فصار التعاون مع جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها.. وفي مرحلة متأخرة، وعندما بدأ بعض المتهمين الجدد يقفون على أن الاتهام غامض، فكان سؤالهم عن هذه الجماعة، وعدتهم جهات التحقيق بذكر اسم الجماعة عند تجديد الحبس، ولم يحدث أبداً، لأنه ليس معقولاً أن يُتّهم المحامي زياد العليمي – مثلاً- بأنه ينتمي لجماعة الإخوان، أو أنه يتعاون معهم في تحقيق أهدافهم، وعداؤه للإخوان معروف، وفي وقت كان الجنرالات فيه يؤدون التحية العسكرية للرئيس محمد مرسي!

وعندئذ تطور الاتهام إلى الانتماء لجماعة إثارية تأسست على خلاف القانون أيضاً، فإذا كان المتهم يسارياً يفهم من الاتهام أن المقصود بالجماعة الإثارية حركة “الاشتراكيون الثوريون”، وإن كان غير ذلك فهم أن الجماعة الإثارية قد تكون “حركة 6 إبريل”!

عندما تنادوا مصبحين:

والمعنى هنا أن القانون يجرّم تأسيس الجماعات، والحركات، والتنظيمات، دون الحصول على الترخيص القانوني لذلك من الجهة الرسمية، التي نص عليها قانون تنظيم العمل الأهلي، وهو ما لم يحدث إلى الآن بالنسبة لحركة “تكوين”، رغم وعود مؤسسيها بذلك، فهل نزل عليهم الوحي فجأة ذات ليله فتنادوا مصبحين، وعقدوا مؤتمرهم الشهير، دون أن يخططوا للتأسيس القانوني للحركة؟ فماذا ينقصهم من أوراق للقيام بهذه المهمة؟ ولماذا تصمت السلطات صمت القبور إزاء هذا الخروج المعلن على القانون، وتضرب به عرض الحائط وطوله؟!

في المناظرات التي كانت تحدث بيننا وبين مؤيدي الانقلاب عبر الشاشات الصغيرة، وإذ كانوا يضربون ضرباً عشوائياً هنا وهناك، كانوا يفاجئون بذلك بعضا منا، وكان مما قالوه إن جماعة الإخوان جماعة غير قانونية، لتبرير إسقاط الحكم المنتخب وإلقاء القبض على أصحابها، وكانت الردود عليهم متهافتة، فهذا يقول إنه ليس عضواً في الجماعة، وذاك يقول إنه ترك الجماعة منذ سنوات، لكني وجدت من المناسب وضع حد لذلك، فكان سؤالي: وماذا عن حركة تمرد؟ هل تملك الترخيص القانوني لعملها؟ وبماذا تختلف عن الإخوان من الناحية القانونية؟!

هو دفع يصلح مع حركة “تكوين”، وهي حركة تأسست على خلاف القانون، وتستُّر السلطة على ذلك يعني التواطؤ، ولا يجوز تجاوز الجانب الخاص بالقانون، والتعامل مع الحركة باعتبارها أمراً واقعاً، مالم تستوف شروط العمل بشكل قانوني!

جُمعت التبرعات.. فمن المتبرع؟!

ولم يقتصر أداء “تكوين” على ممارسة العمل بشكل علني بدون استيفاء الشكل القانوني، ولكنها ذهبت إلى خطوة أبعد من ذلك، بجمع التبرعات على النحو الذي ذكره أحد عناصرها، وهو إسلام بحيري، من أن رجال أعمال في الداخل والخارج تبرعوا بالأموال لهذه الحركة، ولا يعلم الفتى أنه يعترف بجريمة، والاعتراف هو سيد الأدلة!

فالقانون يحظر جمع التبرعات بدون ترخيص، وهو إن سمح به للجمعيات والمنظمات القانونية، فإنه ألزم بإبلاغ الجهات الرسمية بالتبرعات وبياناتها، إلا إذا كنا أمام تنظيم سري يمارس العلانية في بعض جوانبه، والسرية في جوانب أخرى!

ولأن “تكوين” منظمة غير قانونية، فالمعنى أنه ليس مخولاً لها فتح حساب في البنوك لتلقي التبرعات عليه، وهذا يؤكد أن هذه التبرعات السرية تذهب للقوم كأفراد بشكل ودي، وبدون تقديم مستند يفيد باستلام التبرع، فبأي صفة يستلمون هذه الأموال؟ وكيف علم رجال الأعمال في الداخل والخارج بأمر هذا “التشكيل العصابي”؟ لأن الإعلان عن التبرعات من رجال الأعمال في الداخل والخارج كان بعد قليل من إطلاق “تكوين”! والسؤال الأهم هو لماذا لم يفصح رجال الأعمال هؤلاء عن أنفسهم، انحيازاً للفكرة، وإيماناً بالمشروع، وهم لا يتبرعون لجمعية المطلقات والأرامل، ولكن لمشروع فكري، الأصل فيه أنه يشرِّف من ينتمون له؟!. إلا إذا كانوا يرون أن النية تضمر شراً لا يريدون الإفصاح عنه.. وقد ورد في الأثر أن الإثم هو ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس!

الجنين في بعض أمه يعرف أنه ليس هناك رجال أعمال ولا “هم يحزنون”، فالتمويل عابر للحدود، من جانب من يبغونها عوجاً، وينتمون لمؤسسات رسمية وربما دول في المنطقة، والتمويل السخي هو المحرض على جمع الشامي بالمغربي.. انظر كيف جمع هذا التشكيل بين يوسف زيدان من جهة وإسلام بحيري وإبراهيم عيسى من جهة أخرى، وهو الذي اتهمهما من قبل بالجهل؛ فهل أجرى لهما امتحاناً في الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار، فتأكد من إجادتهما القراءة والكتابة؟!

وقد تبادل معه بحيري القصف، هجوماً بهجوم، واتهاماً باتهام، وسخرية بسخرية، والخلاف ليس في أمور هينة، بل يمتد إلى “أصل الأشياء”، فكيف يمكن قبول تجاوزه لتجمعهما منظمة واحدة، هدفها التنوير والدفاع عن الدولة المدنية؟ وأصل التنوير هو احترام القانون، وأصل الدولة المدنية أنها دولة القانون!

ولا يمثل عدم امتلاكنا للدليل على أن دولاً تقف وراء “تمكين” خيطاً للبراءة، فحتى لو قامت هذه الدول بنقل الأموال بأسماء أشخاص هم من قاموا بالتبرع، فلابد من الإفصاح عن أسمائهم، وأن تخطر جهة الاختصاص بهذا التبرع وقيمته وأسماء المتبرعين؛ عندئذ يمكننا الوقوف على أسماء “صبيان المعلم”، وهو اصطلاح مستوحى من ثقافة تجار المخدرات، فالمعلم الكبير لا يظهر في الصورة، وإنما قد يدفع بأشعث أغبر لا يملك قوت يومه للوقوف أمام المحكمة، فيعترف أن هذه “البضاعة” تخصه!

ولا مانع لدينا من أن يبدو الممولون أمامنا مثل تجار “الكيف”، فيقدموا صبيانهم، فربما تحلو السهرة بمناقشتهم بسؤال: من أين لهم هذا، وما علاقتهم بالفكر، والتنوير، ومعالجة السيرة النبوية، ونقد أحاديث البخاري؟!

لا بأس، فلنسِر وراء الكذاب لباب الدار، كما يقول المثل المصري، ونسلم برواية إسلام بحيري، من أن المتبرعين هم رجال أعمال في الداخل والخارج، لنكون أمام واحدة من الخيبات الثقيلة، فمن فمك أدنيك؛ وكان عليه عندما يُسأل عن التمويل أن يجيب بالقول إنهم لم يمارسوا بعد عملاً يحتاجون تمويلاً من أجله، أو إن إبراهيم عيسى مثلا تبرع بزكاة ماله، بعد أن مر عليه الحول لتمويل أنشطة “تكوين”، وهي بالتأكيد تكفي وتفيض، ليقتصر الاتهام على جريمة تأسيس جمعية بالمخالفة للقانون، بدلا من إضافة اتهام جديد هو جمع تبرعات بدون ترخيص!

أين دولة القانون؟!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...