“تيك توك”.. التطبيق الذي رقص على السلم

بواسطة | مايو 11, 2024

بواسطة | مايو 11, 2024

“تيك توك”.. التطبيق الذي رقص على السلم

معركة البقاء الأخيرة

يكافح تطبيق تيك توك الشهير جاهدًا للخلاص من قانون الحظر الأمريكي، هذا التطبيق الذي جعل العالم كله يرقص، يرقص الآن حرفيًا على سلم من خشب؛ فلا هو قادر على إقناع الأمريكي بالبقاء على أجهزة أطفال وشباب المجتمع الغربي، ولا الفلسطيني يراه داعمًا لقضاياه وحقوقه.

تيك توك في أرقام

استطاع تيك توك اليافع الصيني أن يحقق في 5 سنوات من الانتشار والتأثير في شرائح المجتمعات، ما لم يتمكن فيسبوك العملاق الأمريكي من تحقيقه في 20 عامًا، حيث يؤم تيك توك نحو 1.1 مليار مستخدم نشط شهريًا، وهو يأتي رابعًا على مستوى العالم بعد فيسبوك (2.9 مليار)، ويوتيوب (2.2 مليار)، وإنستجرام (1.4 مليار).

ويفتح المستخدم التطبيق يوميًا 8 مرات، ويُمضي في المتوسط 95 دقيقة عليه، وتؤكد الأرقام أن 83% من مستخدمي التطبيق قد نشر كل منهم فيديو واحدًا على الأقل على المنصة، وحسب فوربس فقد حقق تيك توك أعلى أرباح داخل التطبيق في العالم متفوقًا على يوتيوب وديزني، حيث كانت أرباح شهر فبراير/ شباط وحده تزيد عن 165 مليون دولار.

أما عن أرقام التطبيق في أمريكا

تم تحميل تيك توك أكثر من 220 مليون مرة، ويوجد أكثر من 150 مليون مستخدم، ما يعني أن اثنين من كل ثلاثة شباب في الولايات المتحدة لديهم حساب على تيك توك، وهناك أكثر من 5 ملايين شركة تستخدم التطبيق بنشاط، و60% من مستخدمي التطبيق هم من الجيل Z، الجيل الجديد ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة، وهم كلمة السر والنقطة الحرجة في المعادلة، جيل التقنية الذي سيتولى إدارة البلاد في السنوات القليلة القادمة، وتحافظ الحكومة على معرفة مصدر كل معلومة تصل إليه.

كشف العذرية

لك أن تتخيل أن تيك توك كي يُرضي الحكومة الأمريكية قدّم أصعب شيء يمكن أن يقدمه تطبيق لجهة خارجية، فقد وفّر لها إمكانية الوصول لـ (شرفه)، للكود المصدر لفهم ما إن كان النظام فيه يتصرف كما يريد التطبيق أم لا، وهو أمر لم يفعله أي تطبيق سابقًا؛ ولما تأكد مناصرو قانون الحظر أن خوارزمية تيك توك لديها إجراءات صارمة لمنع التلاعب، ولا تنحاز لأي طرف، ولا تقوم بالترويج لجانب على جانب الآخر، وأن المحتوى الذي يراه المستخدمون على تيك توك يستند إلى المحتوى الذي تفاعلوا معه مسبقًا، ارتقوا بالقانون لمستوى أعلى واعتبروا أن الحظر راجع لمسألة أمن قومي، وأعلنوا أن التطبيق أداة تجسس صينية تجمع بيانات الأمريكان وتؤثر على عقولهم.

أعطني حريتي

لم يكتف التطبيق بالتعري الكامل أمام الغرب للقبول به على رفوف متاجرهم، بل اعترف بإزالة ما يؤرق مضاجع العم سام حتى قبل أن يهمس له بالطلب، إذ تولى تيك توك مهمة تحديد وإزالة خطاب الكراهية قبل الإبلاغ عنه، وقال في بيان له أنه أزال بنسبة 100% المحتوى المعادي للسامية أو الذي ينكر الهولوكوست، مما تم الإبلاغ عنه بهذا الشأن عبر الإنترنت، ولسان حاله: “أعطني حريتي أطلق يديَّ إنني أعطيت ما استبقيت شيئًا”، ولكن يبدو أن ذلك لم يجدِ نفعًا، إذ جاءه الرد سريعًا: الحظر عليك هو المكتوب يا ولدي.

الحظر أو الشراء

إذا تم تنفيذ قانون الحظر فإن على شركة “بايت دانس”، المالكة لتطبيق تيك توك، أن تواجه المنع من الوجود على متاجر التطبيقات ومنصات الإنترنت في الولايات المتحدة، وهذا الحظر سيجلب المزيد من الحظر في بلاد أخرى؛ نظرًا لأن حلفاء أمريكا عادة ما يتماشون مع مثل هذه القرارات.

والخيار الآخر أمام الشركة لضمان البقاء في أمريكا هو أن تبيع التطبيق خلال أقل من 6 أشهر لجهة أمريكية، وهو الخيار الأمثل عند داعمي الاحتلال من مؤيدي القانون، بغرض تسليمه لمالكين يرقصون في دهاليز الاحتلال، للسماح لهم بتكميم الانتقادات الموجّهة ضد الإبادة الجماعية والفصل العنصري، كما يقول المدير السابق لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في نيويورك كريغ مخيبر، وهو السبب الحقيقي على عكس الأسباب المعلنة.

أسباب الحظر المعلنة

كعادته راوغ الأمريكي بالتذرع بأن هدف قانون الحظر مرتبط بالأمن القومي وسلامة وخصوصية المواطنين، وعلى غير عادته قدّم الصيني التنازلات تلو التنازلات على أمل الفِكاك من قانون الحظر المسلّط على رقبة تطبيقه الجامح، بعدما نصب الأمريكي له فخًا من ثلاثة محاور معلنة لحظره، وهي: جمع البيانات بشكل مفرط، والتجسس لصالح الحكومة الصينية، وغسيل الأدمغة.

1- جمع البيانات: كل مواقع التواصل تمارس هذا النوع من جمع البيانات عن المستخدمين لمعرفة المحتوى المفضّل لديهم، لعرضه لهم من أجل ضمان بقائهم لأطول فترة ممكنة، لتحقيق أفضل عائد من الإعلانات التي يتعرضون لها، وهذا ما خلص له اختبار أجراه مختبر Citizen Lab المتخصص بأمن الإنترنت حين قال: “بالمقارنة مع منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة الأخرى، يجمع تيك توك أنواعًا مماثلة من البيانات لتتبّع سلوك المستخدم”.

2- التجسس: وعن فرية التجسس أكدت شركة (بايت دانس) أنها منذ انطلاقه عام 2017 لم تقدم بيانات المستخدمين للحكومة الصينية، ولن تفعل ذلك حتى إن طُلب منها، وتصر الشركة على أنها لم تخزن بيانات المستخدم مطلقًا في الصين، وأنها تبني مراكز في تكساس خاصة لبيانات المستخدم الأمريكي، وفي مواقع في أوروبا للبيانات من مواطنيها، وتؤكد أنها ليست وكيلاً للصين ولا لأي دولة أخرى، حيث يعود 60% منها لشركات استثمار عالمية.

3- غسيل الأدمغة: أما عن غسيل الأدمغة فقد بدت التهمة مقبولة بالنسبة للمشرعين الأمريكيين، بعد عقدهم المقارنة بين رقابة الشركة المرنة على المحتوى المنشور على تيك توك، وبين الرقابة الشديدة على المحتوى المنشور على شقيقه دوين (Douyin)ِ، المتاح فقط في الصين، والذي يشجع على انتشار المواد التعليمية والمفيدة لليافعين والشباب هناك، كما أكد الباحثون في مختبر Citizen Lab أن تيك توك لا يستخدم الرقابة السياسية نفسها.

السبب الحقيقي

تلك هي الأسباب التي يروق للمشرّع الأمريكي ترويجها للمستخدمين لإقناعهم بشرعية قانون الحظر، وعندما قالت تيك توك إن ذلك شأن مشترك عند جميع المنصات الأمريكية لم تسمع إلا صوت صرصور الحقل، واعتراف السيناتور الجمهوري (ميت رومني) في محادثته التي أجراها مع وزير الخارجية (أنتوني بلينكن)، حين أكد أن الضغط لحظر تيك توك يهدف إلى فرض رقابة على الأخبار الصادرة من غزة، حسب موقع (كومن دريمز)، الذي وصف تعليقات بلينكن ورومني بأنها لحظة إزالة الأقنعة، لأن الأخبار حسب رؤيتهم لابد أن تمر عبر قنواتهم لتصل إلى الجمهور الأمريكي في قوالب تتوافق مع توجهاتهم، فالمحتوى الذي يحظى بشعبية كبيرة على تيك توك متعاطف للغاية مع الفلسطينيين تحت الحصار في غزة.

نيران صديقة

وعندما لجأ تيك توك لورقة ضغط من خلال المشاهير في منصته، وطلب منهم مخاطبة أعضاء الكونجرس للعدول عن إقرار قانون الحظر، وانهالت الاتصالات على الكونجرس من اليافعين وأصحاب الأعمال والمستفيدين من المنصة تحمل رسائل رجاء تارة وتهديد بإيذاء النفس تارة أخرى، اعتبر المشرعون أن هذه الجهود تبرهن على قدرة التطبيق على تحريك الشارع وإثارة الرأي العام، ما جعلهم أكثر تصميمًا على المضي في تمرير قانون الحظر.

هو متهم عندنا أيضًا

انتشار المحتوى الفلسطيني ونجاحه في الوصول إلى المجتمعات الغربية عبر منصة تيك توك ليس بسبب تحيزها لفلسطين، حسب ادعاءات بعضهم، بل يعود بشكل كبير لتحايل صناع المحتوى المناصرين لفلسطين على الخوارزميات، وإبداعهم في نشر وإيصال الرسالة إلى سفراء يتحدثون عن الحق الفلسطيني بلسان قومهم، واعتمادهم على جهود القبيلة الكونية في طَرق أبواب معركة الوعي؛ لذا تبيّن أن ما يراه المشرع الأمريكي على أنه تحيز ومؤامرة ما هو إلا انعكاس للواقع، فبنظرة واحدة على ديموغرافية مستخدمي التطبيق، يتضح أن أغلب مستخدميه من اليافعين من الشريحة الأكثر دعمًا لفلسطين في المجتمع الأمريكي.

كما لم يتمكن الذين يتهمون المنصة بالتحيز من توفير أدلة مقنعة على أن خوارزمية تيك توك تروّج للمحتوى الفلسطيني على حساب الإسرائيلي، فهي منذ الشرارة الأولى لانطلاق طوفان الأقصى تحارب انتشار السردية الفلسطينية، وتحظر المضامين التي تنشر الآلام والمعاناة بدعوى التحريض على العنف، وقد تعرضت المنصة لانتقادات بسبب هذه الممارسات، حتى هددت الحكومة الماليزية باتخاذ إجراءات قانونية ضدها هي وميتا، إذا ما استمرتا بحظر وحجب المحتوى المناصر لفلسطين.

لأجل عينيها

لا فرق بين الأنظمة الاستبدادية، جمعيها تسلك النهج نفسه في كبت الحريات ومنع انطلاق الصوت الحر.. سابقًا حظرت الأنظمة العربية مواقع التواصل الاجتماعي إبان ثورات الربيع العربي، ومازالت تحاصر صنّاع المحتوى عليها، واليوم تحظر أمريكا تيك توك وأوروبا ماضية على خطاها، ورغم أن قانون الحظر ينتهك حرية التعبير، وسيدمر ملايين الشركات، وسيغلق منصة تساهم في الاقتصاد الأمريكي بما يزيد عن 24 مليار دولار سنويًا، وسيثير سخط جيل كامل على حكومة لا تسمع رأيه، فإن أمريكا مصرة على إنفاذ قرارها بالحظر لأجل عيون حبيبتها، ورضا نفس سيدتها المصون ودرة التاج حاملة النجمة السداسية، مستوجبة الطاعة الأبدية، ولاية إسرائيل المفضلة على الولايات الخمسين الأخرى.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...