
يتكوّن حتى يكتمل، فيضحك ويضحك، ثم يخرج من رحم الحياة مضرجًا بالدماء Joker
بقلم: محمد القاسمي
| 21 مارس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد القاسمي
| 21 مارس, 2024
يتكوّن حتى يكتمل، فيضحك ويضحك، ثم يخرج من رحم الحياة مضرجًا بالدماء Joker
لو سألني أحدهم يومًا، كيف تصف فيلم “جوكر”؟ فلن أستطيع أن أجيبه إجابة مستوفية تليق بالسؤال، فالفيلم السينمائي المعتاد هو تشكيلة من عناصر أساسية مجتمعة، كالمخرج والكاتب والممثلين وطاقم العمل والمؤثرات الفنية والتقنية.. ولكن، أنا هنا لا أشاهد فيلمًا بالمعنى الدقيق، أنا فقط أشاهد “خواكين فينيكس”، وكأنما الفيلم هو مجرد رداء، و”فينيكس” هو الجسد الذي يرتديه.
لقد شهدت إبداعًا لا يُوصف من ممثل مدهش، انسلخ حرفيًّا من ذاته، وفقد أكثر من 23 كيلوغرامًا من وزنه، وتقمّص شخصية مضطربة وصعبة، وأظهر فيها كل المشاعر المتوغلة في النفس البشرية، من حب وكره وخوف وحقد وألم ووحدة ومعاناة.
الشعور بالنقص، وعدم التقدير، والاحتقار والسخرية والتنمّر من قِبَل الآخرين، ونظرة المجتمع، والتجاهل واللامبالاة، وأمور أخرى كثيرة، نرى انعكاساتها في تلك الشخصية.. إلى أي مدى يمكن أن تتحمل النفس البشرية كل هذا الأذى؟ لا شيء أصعب من السعي إلى الكمال في عالمٍ ناقص.
في مدينة غوثام عام 1981، نرى “آرثر فليك” جالسًا أمام المرآة، يتأمّل نفسه كمهرّج محترف وهو يضع المساحيق والأصباغ على وجهه، محاولًا أن يبتسم باستخدام يديه لتمديد شفتيه حتى تصل ابتسامته إلى أُذنَيْه. تلك الابتسامة تنسفها دمعة صغيرة، لتكشف لنا عن رجل حزين وتعيس ومريض نفسيًّا، وأكثر ما يتمناه هو أن يصبح فنانًا كوميديًّا. “ابتسم” أو “Smile” هي الأغنية الشهيرة من الفيلم الكلاسيكي العريق “Modern Times” للفنان الكبير “تشارلز شابلن”، وهي مرتبطة روحيًّا بالفيلم وبـ “آرثر”.
كالماء والزيت، لا يستطيع “آرثر” أن يندمج مع العالم، وذلك يدفعني لمعرفة أسباب ذلك، ولعل أحدها هو أنه يعاني من حالة مرضية غريبة تدعوه للضحك اللا إرادي في مواقف غير ملائمة على الإطلاق، كالضحك بعد موت شخص عزيز أو خلال تقديم عرض كوميدي فاشل. الأمر أشبه بدراسة للشخصية ومعرفة أصولها والعوامل التي أدّت إلى وصولها إلى ما هي عليه الآن، وكيفية تحولها لتصبح في نهاية المطاف واحدة من أكثر الشخصيات اضطرابًا وجنونًا في تاريخ الشخصيات السينمائية الشريرة.
الفيلم للكاتب والمخرج “تود فيليبس”، وأشيد بجهوده هنا؛ المستوى الفني والتقني للفيلم بشكل عام كان مميّزًا، من تصوير ومونتاج وموسيقا ومواقع تصوير وأزياء ومكياج، ولا أنسى أداء طاقم الممثلين أيضًا. فاز الفيلم بجائزتَيْ أوسكار، لأفضل ممثل “خواكين فينيكس” وأفضل موسيقا تصويرية، وترشّح لنيل 9 جوائز أخرى، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص سينمائي مقتبس وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل تصميم أزياء وأفضل مكياج وتصفيف شعر وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية.
فيلم “جوكر” لا يبدو أبداً كواحد من أفلام عالم DCولا يريدنا أن نشعر بذلك، فهو فيلم مستقل بذاته وشخصيته.. انتابتني أثناء المشاهدة لحظات من التفكير في أفلام “سكورسيزي” الرائعة، وكأنما هذا الفيلم من إخراجه، فهناك ارتباط وثيق بين هذا الفيلم وفيلمين سابقين له، وهما “Taxi Driver” في جانب العوامل التي جعلت البطل يصل إلى ما وصل إليه، وفيلم “The King of Comedy” الذي يدور أيضًا عن مهرج يحاول تحقيق حلمه وإضحاك الآخرين، والأمر المثير أن “روبرت دي نيرو”، الذي كان البطل الرئيسي في الفيلمين السابقين، يشارك في هذا الفيلم، وقد أبدع برغم ظهوره القصير.
في هذا الفيلم يؤدي “دي نيرو” شخصية الفنان الكوميدي “موراي فرانكلين” الذي يقدّم برنامجًا كوميديًّا شهيرًا، و”آرثر” معجب به جدًّا، ويعتبره قدوته ويتمنى أن يصبح مثله، حيث اعتاد مشاهدة البرنامج مع والدته في شقتهما، ويقول لها: “أتمنى أن أصبح فنانًا كوميديًّا”، وهي ترد قائلة: “كيف تصبح كوميديًّا وأنت لست مضحكًا؟!”.
قدّم “فينيكس” في هذا الفيلم أقوى أداء له في مسيرته السينمائية، فبجسمه الهزيل والمخيف، وبإيماءات وجهه ونظراته المريبة، وبطريقة سكونه وحركته ومشيته وركضته وجلسته، وبابتسامته وضحكته، لا يحاول أبدًا أن يقترب من جوكر “هيث ليدجر” أو جوكر “جاك نيكلسون” أو حتى جوكر “جاريد ليتو”، ولا يريدنا أن نقارن شخصيته وأداءه بهؤلاء إطلاقًا، فجوكر “فينيكس” ليس ذلك الجوكر الذي تم تجسيده عشرات المرات في الأفلام والمسلسلات والكوميكس، فهذا جوكر بلا “باتمان”، كما لو لم نره من قبل أبدًا، كالجنين الذي يتكوّن ويتشكّل شيئًا فشيئًا، حتى يكتمل، فيضحك ويضحك ويضحك، ثم يخرج من رحم الحياة مضرجًا بالدماء.

كاتب وناقد ومخرج بحريني
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق