حتى لا تكون علاقتنا بالقرآن طقوساً

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 25 مارس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 25 مارس, 2024

حتى لا تكون علاقتنا بالقرآن طقوساً

يعيش المسلمون في شهر رمضان في علاقة روحانية مع القرآن الكريم، فتجد الصغار والكبار والرجال والنساء يقبلون على قراءة القرآن وتلاوته طلبا للأجر والثواب الجزيل، الذي وعده الشارع الحكيم في شهر رمضان.

ذلك كله خير، ولا مجال لمناقشة ذلك الأمر.. ولكن، ألا يتفق معي كثيرون أن المقصد من وجود القرآن ليس تلاوته فحسب، إنما التفكر في آياته، والتأمل في إعجازه، والتحول من النظر إلى التطبيق حتى يكون القرآن حيا في قلوبنا؟ والواقع أن كنوز القرآن الكريم لا تنفد، ومعارفه لا تنتهي، ولم تزل همم العلماء تسمو في كل عصر إلى التأمل في كلام الله، وتبيان معانيه الظاهرة والباطنة، وكل عالم أو باحث له هدفه الذي يسعى لتوضيحه.. وإنّ من أشكال التأمل العقلي التدبري للقرآن الاطلاع على الآيات التي تحوي الحقائق العلمية التطبيقية، أو ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن.

 ويُقصد بالإعجاز العلمي إشارة القرآن الكريم إلى عدد من الحقائق الكونية التي أثبتها العلم التجريبي، وهذه الحقائق لم يتم إدراكها بالوسائل البشرية زمن الرسول ﷺ، بمعنى أن هذه الحقائق الكونية موجودة في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا، ولكن لم يتم إثباتها بمقاييس العلم المادية إلا في العصور الحديثة. وهذا الإعجاز العلمي فيه دليل على أن محمد ﷺ رسولٌ من عند الله تعالى، ودليل على صدق نبوته.

وقد حث القرآن الكريم الإنسان في العديد من الآيات على التفكر والتأمل والتدبر في خلق الله، والنظر في هذا الكون الفسيح وما به من ظواهر وآيات كونية عجيبة، لأن النظر في هذا الكون والتدبر فيه يقود الإنسان إلى الإيمان بالله وتوحيده وعبادته، قال تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيَّن لهم أنَّه الحقُّ أو لم يكفِ بربِّك أنَّه على كلِّ شيءٍ شهيدٌ﴾؛ وقال تعالى: ﴿قل انظروا ماذا في السَّماوات والأرض﴾؛ وقال أيضًا: ﴿وينزِّل من السَّماء ماءً فيُحيي به الأرض بعد موتها إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون﴾.

فالإعجاز العلمي له دور في فتح الآفاق أمام المسلمين للإقبال على العلم والمعرفة والبحث، وقبول ما هو جديد في العلم، كما أن له دورًا في تأليف قلوب غير المسلمين وزيادة إقبالهم على الإسلام، ويؤدي إلى زيادة التوافق بين الحقائق التي يعرضها القرآن الكريم وبين الحقائق التي يثبتها العلم، ويعتبر وسيلة فعالة ومناسبة للدعوة إلى الله، خاصة في هذا العصر الذي يموج بالاكتشافات والتقنيات الحديثة وشيوع العلوم الكونية.

إلا أنه من الواجب علينا أن ننوه بأن الذين يتصدرون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم يجب أن يكونوا من أهل الاختصاص والدراية بالعلم الشرعي، فالقرآن الكريم في مغزاه كتاب هداية يسعى لهداية البشر إلى الغاية العظمى من الوجود، وليس كتابًا في الفلك أو الطب، والقرآن الكريم لم يأت بذكر الآيات العلمية إلا لزيادة جرعة الإيمان بالله وفردانيته، وإن مهمة الأنبياء والرسل هي هداية الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، وليس تعليمهم أمور الدنيا، وذلك مصداقًا لقول الرسول ﷺ: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”.

فالواجب على الأمة أن تقرن التلاوة بالتدبر والتفكر، والتأملات المبنيّة على الآراء السديدة لأهل الشأن في العلم، فيجد المقبلون على القرآن وقود مهجتهم في زمن المادية الطاغية في معجزة القرآن في جميع الجوانب، التشريعية والقانونية، واللغوية والعلمية وغير ذلك.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...