حظر المشاهير رقميًّا طوفان جديد لدعم غزة

بواسطة | مايو 17, 2024

بواسطة | مايو 17, 2024

حظر المشاهير رقميًّا طوفان جديد لدعم غزة

فليأكلوا الكعك

“فليأكلوا الكعك”.. هو شعار يستخدم للدلالة على الانسلاخ عن الواقع، ويُنسب لآخر ملكة لفرنسا (ماري أنطوانيت) حين قيل لها إن الفلاحين من رعاياها لا يجدون الخبز ليأكلوه، فأجابت بلامبالاة: “فليأكلوا الكعك”!

وفي ظل المجاعة التي تضرب أطنابها على كل خيمة في غزة، ومن بين كل المقاطع الصوتية المنتشرة على تيك توك، لم تجد عارضة الأزياء الأمريكية (هالي بايلي) غير هذه لتقولها للكاميرا في الفيديو الترويجي لفعاليات مهرجان (ميت جالا)، الذي انطلق في السادس من مايو/ أيار في نيويورك، وشارك فيه عدد كبير من المشاهير بأزياء وملابس تزكم الأنوف بذخًا وإسرافًا، لتربط بقولها بين ماضٍ طبقي وحاضر غير مبالٍ، بين مشاهير رغم اختلاف الأزمان مازالوا يعيشون في عالم موازٍ ولا يشعرون بمن حولهم، ممن يتعرضون للإبادة في قطاع غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر.

أقوى حملة

وتعليقًا على البذخ في الحفل الصاخب الذي بلغت تكلفة تذكرة حضوره 75 ألف دولار للفرد، وبعد أيام قليلة من إعلان رئيس وكالة الأغذية التابعة للأمم المتحدة عن “مجاعة كاملة” في غزة، نشرت ناشطة على حسابها على تيك توك مقطعًا تقول فيه: “لقد أعطيناهم منصاتهم، وحان الوقت لاستعادتها، وحذف إعجاباتنا، وتعليقاتنا، واستعادة أموالنا من بين أيديهم”، لتعلن عن انطلاق حملة مقاطعة المشاهير. (Blockout2024) : واحدة من أقوى الحملات على السوشال ميديا منذ أن وطِئت أصابع البشرية هذه الفضاءات الرقمية؛ ذلك لأنها في ساعات معدودة اكتسحت المنصات كافة، وتابعها عدد مهول من المستخدمين وأصحاب العلامات التجارية، ما بين مراقب وداعم ومتشفٍّ، ونصب كل متابع مقصلة رقمية، تزيل المتابعة وتحظر المشاهير الصامتين في مجزرة جماعية شرعية لحساباتهم.

الصمت القاتل

انطلقت الدعوات لحرمان المشاهير من الإعجابات وتجويعهم من المتابعين؛ لأنهم بقوا صامتين ولم يتفوّهوا بمنشور لدعم المحاصَرين من الجائعين، الذين وصلت آهاتهم ممزوجة بالمعاناة، وطرقت أصواتهم الأسماع وحركت آلامهم الأحرار، وجعلت معاناتهم الطلابَ الموجودين على مقربة من مكان احتفالهم يقيمون الخيام في ساحات الجامعات، للضغط على إداراتها لسحب استثماراتها مع الاحتلال، والتوقف عن دعم الإبادة. انطلقت الحملة بهدف تنظيف منصات مواقع التواصل من الغثاء، وسحب البساط من تحت أرجل التافهين، وإظهار المتواطئين بصمتهم في الإبادة، فالصمت خيانة، والحديث في شأن آخر غير غزة ملهاة تصرف المتابعين عن القضية الجوهرية.

حظر وليس إلغاء متابعة فقط

“عندما نكرههم فإنهم يكسبون المال، وعندما نمدحهم فإنهم يكسبون المال، ولكن عندما نحظر حساباتهم على مواقع التواصل وننسى أسماءهم تمامًا، فإنهم يخسرون كل شيء”.. هذا ما نشره حساب Blockout2024 على تيك توك.

منذ اللحظة الأولى طالب القيّمون على الحملة بحظر الحسابات وليس إلغاء المتابعة؛ ذلك لأن إلغاء المتابعة سيزيل المشهور أو المؤثر من قائمتك فقط، لكن الحظر سيمنع المنصة من اقتراح محتواه لك مستقبلاً، كما سيعطي إشعارًا للخوارزمية بأن هذا النوع من المحتوى غير مرغوب فيه لدى الجمهور، وبالتالي سيتراجع وصوله، وسيتناقص عدد متابعيه، ومن ثمّ تقل عقود الشركات الداعمة لأعماله التجارية.. وقتها سيعرف قوة الجمهور، الذي تخاذل عن دعوته لنصرة غزة وأهلها في وقت الإبادة المصنّفة بأنها الأشرس في التاريخ الحديث.

انطلاق الحملة عربيًا

سرعان ما انتقلت الحملة لتكوي بنارها حسابات التافهين من المشاهير العرب، خاصة أولئك اللواتي كنّ يتراقصن على (التريند الهندي) على تيك توك، ويلهثن وراء ملايين المشاهدات، ولا يكترثن لارتقاء 15 ألف طفل في حرب الإبادة، فانتشرت القوائم التي تضم أسماءهن وآخرين من الصامتين والمتخاذلين مع وسم (احظروهم) على كل المنصات.

وتؤكد الأرقام في واحدة من هذه القوائم التي تضم 140 حسابًا لمؤثرين عرب على إنستجرام أن إجمالي عمليات إلغاء المتابعة لهم جميعًا بلغ (3,312,290) خلال الأيام الأربعة الأولى لانطلاق الحملة، بمعدل وسطي مقداره (23,660) إلغاء متابعة لكل حساب منهم، في أسرع عقاب من الجمهور على تواطئهم، أما المؤثرون والمشاهير الأجانب فقدْ فقدَ العديد منهم – حسب موقع Social Blade- ملايين المتابعين على حساباتهم.

رد فعل المشاهير

لجأ العديد من المؤثرين والمشاهير إلى تجاهل الحملة وكأنهم لم يتأثروا بها، مستفيدين من عدم تغيّر عدّاد المتابعين ظاهريًا، ومنهم من أطلق العنان للمعجبين المنتمين بولاء شديد (Fans) لتولي مهمة الدفاع عنهم، ومنهم من علّق حسابه لحين انتهاء موجة الحملة ورياحها العاتية كي لا يفقد المتابعين، وهناك من أطلق حملة إعلانات ممولة لدعم حساباته، ووصل الأمر بآخرين لشراء متابعين وهميين لتغطية العجز في العدد، وكان سيغنيه عن ذلك كله أن ينشر منشورًا واحدًا يناصر فيه المكلومين والجرحى والمصابين في غزة، ويعلن وقوفه إلى جانب الحق.

احظروه قبل أن يتكاثر

تذرّع بعض المشاهير بعدم معرفتهم بالأحداث الجارية، وأنه قد يضر بالقضية لو نشر شيئًا خطأ، وهو تبرير يدينهم بشكل مضاعف، مرة لأنهم جاهلون بقضية محورية هي بوصلة الأمة، وأخرى لأنهم رغم ثمانية أشهر من المعاناة لم يهتموا لآلام أكثر من مليوني محاصَر، ولم يتابعوا الحدث الأبرز الذي شغل العالم، ولم يثقّفوا أنفسهم بمعلومة يعرفون من خلالها أصحاب الحق وكيفية مناصرتهم، فالجهل ليس سببًا مقبولاً للصمت.

ما فائدة المؤثرين؟

عندما يتحدث المؤثر عن قضية فإن احتمال وصولها إلى جمهور ضخم من المتابعين وتأثرهم بها كبيرة جدًا، وعندما يشارك بثقله في معركة الوعي سيُحرّك الجماهير بشكل أسرع، وعندما يدعم المظلومين سيُسهم في إعلاء صوتهم وإيصاله إلى الجهات المسؤولة، ويجعلها تُعيد تقييم مواقفها سياسيًا واقتصاديًا لما لهم من ثقل وتأثير مجتمعي، وللأسف قد لا يعلم كثير من المؤثرين هذه الحقيقة، ولا يركّزون في النشر على القضايا الجوهرية والحساسة.

في المقابل، عندما ينشر المؤثر محتوى عابرًا سينافس بمنشوره المحتوى الإيجابي الداعم للقضية، فما بالك لو كان جُل ما ينشره هو التفاهة، وصورًا زائفة من حياته الشخصية المبهرجة؟ ما بالك لو كان ينشر إعلانات لترويج المنتجات الداعمة للاحتلال؟ وقتها يتوجّب على المتابع الحصيف حظره ومنع محتواه من الظهور أو الوصول أو المنافسة، طالما أنه ليس معجونًا بنكهة فلسطينية.

طوفان المشاهير

لم تُبقِ غزة شيئًا في العالم على حاله، بدأت بتشكيك القادة في قدرات الاحتلال وقوته العسكرية، ثم وجّهت العامة للبحث عن دين أهلها الكامن وراء صمودهم في الشدائد والمحن، ودعت المفكرين لمراجعة توجهاتهم بعدما كشفت زيف أفكار الحضارة الاستعمارية المهيمنة على مساراتهم، وألهمت الاقتصاديين فكرة الإضراب عن استخدام البطاقات الائتمانية لتقويض اقتصاد الدول الرأسمالية، وأخرجت الناس في مظاهرات ضد الظلم والاستبداد، ومنحت الطلاب الجرأة للوقوف في وجه الاستثمارات الداعمة للإبادة، وها هي اليوم على مشارف طوفان من نوع جديد ينبذ المحتوى الغث على منصات مواقع التواصل، ويعمل على تقويض تمدد المشاهير المتواطئين، ومن نصّبوا أنفسهم نخبًا مجتمعية مؤثرة بينما هم غثاء لا قيمة له، ومازالت الأيام حبلى بالتفاصيل المثيرة، ولا ندري أي طوفان جديد ستغمرنا به غزة!

أنت أشد حاجة لغزة

كتب أحدهم: “نشرك عن الأحداث في غزة ليس لأنها تحتاج إليك، ولكن لأنك أنت من يحتاج الاقتراب من الشرف، والبقاء إزاء العزة والكرامة، والخروج إلى العالم بشيء يستر عيبك، فمن لا يرتدي غزة عارٍ عن العزة، وأولئك الذين لا يبالون بعدّاد الذين يرتقون من الشهداء كل يوم في غزة، وكل همّهم عداد المتابعين على منصاتهم، هم فقراء بمعنى الكلمة، فقراء للعزة، فقراء لكل المعاني السامية في الحياة، هم كلاب المال وعبيد الشهرة، ودعاة الزيف من أقذر ما أفرزت الثورة الرقمية..

غزة لعلها المهلكة، غزة لعلها المنجية.. فتصالحوا معها جميعًا.

2 التعليقات

  1. سهير الاخرس

    رائعة غزة اصبحت بوصلة العالم

    الرد
  2. رحيق شهاب الدين

    جزاك الله خيراً

    إنه طوفان الأقصى المبارك، معركة تحرير أقصانا وأسرانا وفلسطين، ومعركة تحرير الأمَّة من الدنس والرجس والفكر الصهيوني الذي تغلغل فيها، وصحوة عالمية للتحرُّر من أنظمة الفساد والاستبداد وعبيد المال والشهرة…والقادم أجمل وأعظم بإذن الله…

    صدقت أ. خالد، والله نحن من نحتاج غزة الحبيبة أكثر مما تحتاجنا، وإنه لشرف وفضل وكرم وتوفيق من الله لأي أحد يقف مع غزة، ولأي أحد يقف مع الحق، ولأي أحد يقف مع الجانب الصحيح من التاريخ!

    اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا، واجعلنا ننصر أهلنا ومجاهدينا نصرةً ترفع عنا بها الإثم يا أرحم الراحمين.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...