دعونا نسميها باسمها.. ليست الإسلاموفوبيا، بل معاداة الفلسطينيين

بواسطة | مارس 24, 2024

بواسطة | مارس 24, 2024

دعونا نسميها باسمها.. ليست الإسلاموفوبيا، بل معاداة الفلسطينيين

بداية من جو بايدن إلى أصغر مسؤول، يدين الليبراليون “التحيز ضد المسلمين” لتجنب ذكر كلمة “كراهية الفلسطينيين”

كان وديع الفيوم طفلًا مسلمًا رائعًا يبلغ من العمر 6 سنوات، قُتل على يد مالك منزله في منزله بضواحي شيكاغو في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، متأثرًا بـ 26 طعنة.

هشام عورتاني، وكنان عبد الحميد، وتحسين علي أحمد، ثلاثة طلاب جامعيين تم إطلاق النار عليهم خلال عطلة عيد الشكر في فيرمونت العام الماضي؛ هشام مصاب الآن بالشلل من الصدر إلى الأسفل.

تعرض زكريا دوار، وهو أب مسلم يبلغ من العمر 23 عامًا ويعيش في تكساس، للطعن في أوستن في 8 فبراير بعد إحدى المظاهرات.

وقد رد الساسة، وخاصة الليبراليون البارزون، على هذه الهجمات العنيفة وغيرها بتصريحات حزينة تدين الإسلاموفوبيا. وبمناسبة بداية شهر رمضان، ذكّر الرئيس جو بايدن الأميركيين بأن “كراهية الإسلام ليس لها مكان على الإطلاق في الولايات المتحدة”.. وبعد أسابيع قليلة من القتل الوحشي لوديع الفيوم، أعلن بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس عن “الاستراتيجية الوطنية الأولى على الإطلاق لمكافحة الإسلاموفوبيا”. وعلى المستوى المحلي، أنشأ مستشار المدارس العامة في مدينة نيويورك ديفيد بانكس “مجلسًا استشاريًا عابرًا للأديان”، كما أنشأت مدارس عامة وخاصة أخرى عديدة مجموعات تقارب إسلامية.

تبدو هذه التحركات جوهرية وإيجابية، اتخذها المسؤولون الذين يُبدون قلقًا حقيقيًّا  بشأن تصاعد أعمال العنف ضد المسلمين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك، لم يُقتل وديع الفيوم لمجرد أنه مسلم؛ هشام وكنان وتحسين لم يُطلق عليهم الرصاص لأنهم مسلمون؛ وزكريا لم يُطعن لمجرد أنه مسلم.. لقد تم استهدافهم جميعًا لكونهم فلسطينيين. ولم تؤكد ردود الفعل الرسمية على الصورة الحقيقية لموجة العنف الأخيرة تلك، إذ من الآمن سياسيًا التحدث بشكل عام عن “مكافحة الإسلاموفوبيا”، بدلًا من مواجهة الظاهرة التي اجتاحت أمريكا بشكل أكثر وضوحًا منذ أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ وهي “معاداة الفلسطينيين”.

إن التعتيم على الهوية الفلسطينية للضحايا يسمح للسياسيين الليبراليين بممارسة اللياقة والإشارة إلى سياسات الهوية. على سبيل المثال، أرسل بايدن أبرز مسلم في إدارته، ديلاوار سيد، إلى حفل تأبين وديع الفيوم.. ديلاور ليست له خلفية فلسطينية، أو حتى عربية، وهو نائب مدير إدارة الأعمال المحدودة؛ قتل الطفل الصغير ليس له علاقة بإدارة الأعمال المحدودة.

إن الاستعداد لتجاهل معاداة الفلسطينيين دون ذكرها، يتجلى بشكل أكثر وضوحًا في المواقف التي لا تولد الكثير من العناوين الرئيسية مثل “طفل مقتول”. المسؤولون الليبراليون الذين أشادوا بوديع الفيوم هم أنفسهم غالبًا ما يختارون الصمت عندما يتم استهداف الفلسطينيين أو أنصار الحرية الفلسطينية بالمضايقات والانتقام بسبب نشاطهم.

إن الحديث عن الكفاح من أجل القضاء على التحيز ضد المسلمين، وليس العداء ضد الفلسطينيين، يمكن ملاحظته في بعض الجماعات التي تتصدى للإسلاموفوبيا؛ فحتى المجموعات التي تتمتع بسجل حافل في معارضة النشاط المؤيد للفلسطينيين مستعدة للانضمام إلى عربة مناهضة الإسلاموفوبيا. على سبيل المثال، رابطة مكافحة التشهير ليست صديقة للحرية الفلسطينية، ومع ذلك فقد ردت على مقتل وديع الفيوم مثل بايدن، من خلال إدانة الإسلاموفوبيا مع تجاهل هويته كطفل فلسطيني.

ومن خلال التركيز بدلاً من ذلك على الإسلاموفوبيا، يعتقد السياسيون الأمريكيون الليبراليون أنهم قادرون على الحفاظ على التوازن المتمثل في دعم الهجوم الإسرائيلي على غزة، بينما يبدون وكأنهم يهتمون بقواعدهم الانتخابية المحلية. وإذا واجه هؤلاء الليبراليون معاداة الفلسطينيين بشكل مباشر، فإن ذلك من شأنه أن يضعهم على مسار تصادمي مع الفصيل الأمريكي القوي المناهض للفلسطينيين، وهو القوة الموجودة منذ فترة طويلة في الحياة الأمريكية، والتي وصلت إلى ذروة تجليها بعد 7 أكتوبر 2023.

إن الضغوط التي تمارسها هذه القوى المؤيدة لإسرائيل، هي بالضبط التي من شأنها أن تحول مجرد كلمتي “فلسطين” و”فلسطيني” إلى غياهب النسيان، ناهيك عن فكرة الشعب الفلسطيني. ومن الممكن أن يثير الليبرالي العادي الجدل، على سبيل المثال، بمجرد ذكره “غزة” أو “الاحتلال” في خطاب الأوسكار دون أن ينطق بكلمة “فلسطين”.

إن القول بأن الفلسطينيين لا ينبغي لهم، أو لا يستطيعون، أو لا وجود لهم.. هو عبارة شائعة لدى الشخصيات المؤيدة لإسرائيل. الشعار الصهيوني “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” موجود منذ أكثر من قرن ونصف، وقد أعلنت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير في عام 1969 أنه “لم يكن هناك شيء اسمه فلسطينيون”؛ ويتكرر هذا الشعار في كل مكان، من قاعات السلطة الإسرائيلية إلى النزاعات المعاصرة في الحرم الجامعي الأمريكي.. إن تجاهل معاداة الفلسطينيين لا يمكن فصله عن حملة المحو التام هذه.

إن تجنب ذكر معاداة الفلسطينيين ليس أمراً خاطئًا فحسب؛ بل إن له آثارًا جانبية ضارة.. إن عدم الاعتراف يصور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه معركة بين اليهود والمسلمين، ومن الاختزالي وغير التاريخي – ومن الحماقة- أن ننظر إلى الأحداث الأخيرة المثيرة للقلق باتجاه العنف ضد الفلسطينيين في الولايات المتحدة من خلال هذه العدسة. وحتى الليبراليون ذوو النوايا الحسنة يمكن أن يقعوا فريسة لها.. على الرغم من أن ذلك لم يكن خطأ ضيوفه، فإن حلقة “ذا ديلي شو” التي قدمها جون ستيوارت حول إسرائيل وفلسطين لم تُظهر أي فلسطيني، وإنما ظهر فقط مسلم أمريكي ويهودي أمريكي.

وهذه الرواية الطائفية الخطيرة تنفي أيضًا وجود المسيحيين الفلسطينيين.. المسيحيون الفلسطينيون، وهم أقلية مؤثرة منقسمة تقريبًا بين الأرثوذكسية والكاثوليكية، متحمسون لتحرير وطنهم مثل المسلمين الفلسطينيين، كما هو الحال بالنسبة للأميركيين غير الفلسطينيين – ويشمل ذلك الأميركيين العرب ذوي الأصول من دول أخرى، والأميركيين من أصل أفريقي، والأميركيين اليهود، والأميركيين الآسيويين، وغير المسلمين من مجتمع المثليين، وعدد لا يحصى من الآخرين – الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع مواطنيهم الفلسطينيين. (في مثال على مدى صعوبة الخلط بين الفلسطينيين والإسلام، لم يتم تعريف الطلاب الجامعيين الثلاثة الذين تم إطلاق النار عليهم في فيرمونت من خلال ديانتهم في تقارير وسائل الإعلام).

وقد عانى العديد من هؤلاء الأشخاص أيضًا من عواقب شخصية ومهنية لا تحظى بدعم المسؤولين الذين “يواجهون الإسلاموفوبيا”، وذلك لأنهم لم يتخذوا مواقف إسلامية، بل مواقف مؤيدة لفلسطين.

وبطبيعة الحال، فإن الإسلاموفوبيا ظاهرة حقيقية للغاية، لقد كانت موجودة قبل هجمات 11 سبتمبر 2001، وتكثفت وأصبحت أكثر وضوحًا بعد ذلك.. إنها ظاهرة عالمية قوية للغاية، لدرجة أنه بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لإطلاق النار على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين على الاعتراف بيوم 15 مارس باعتباره اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا؛ وفي الولايات المتحدة، كان التعصب ضد المسلمين يغلي باستمرار تحت السطح، مع تصاعد الحوادث بشكل دوري في أعقاب التحريض المرتبط بأحداث حالية مختلفة، ومفتعلة في بعض الأحيان.

القنابل الإسرائيلية لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين

غالبًا ما يكون هناك تداخل بين معاداة الفلسطينيين وكراهية الإسلام.. عندما قام ستيوارت سيلدويتز، المسؤول السابق في إدارة أوباما، بمضايقة بائع عربات الطعام المصري بشكل متكرر في نيويورك، تقاطع تعصبه مع كليهما.

ينبغي على الليبراليين مكافحة الإسلاموفوبيا بكل الوسائل، وأن يتم الثناء عليهم عندما يكون ذلك مناسبًا. ومع ذلك، ينبغي للنخبة السياسية الليبرالية أن تدرك أن القنابل الإسرائيلية لا تميز بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، الاحتلال وأتباعه الحاقدون لا يهمهم إن كانوا يستعبدون المؤمنين أو غير المؤمنين.. وهنا في الداخل، يهاجم المؤيدون لإسرائيل الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، واليهود والمسيحيين، والمسلمين والملحدين؛ وطالما أنهم يناضلون من أجل الحقوق الفلسطينية، فهم أهداف بالنسبة لهم.

ولهذا السبب يجب على الليبراليين أن يعترفوا بمعاداة الفلسطينيين على حقيقتها، وإذا كانوا بالفعل يدركون مسؤوليتهم فيجب عليهم مكافحتها بكل ما يستطيعون؛ وأحد أهم المواضع التي يمكن البدء بها هو معارضة الحرب الإسرائيلية على غزة.

المصدر: انترسبت | Hani Sabra
تاريخ النشر: 18/03/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...