سؤال الشرق المسلم.. القوة أم الاستقرار؟

بواسطة | فبراير 14, 2024

بواسطة | فبراير 14, 2024

سؤال الشرق المسلم.. القوة أم الاستقرار؟

البحث في التوازن بين الاستقرار والديمقراطية يكشف عن تحديات داخلية وضغوط خارجية.
حيث نرى دور المركزية الغربية والتحديات التي تواجه مساعي الوحدة في العالم الإسلامي.

المسار الديمقراطي في الوطن العربي – بحث في الثنائية بين العدالة والاستقرار

من المهم حين نطرح قضية ترتيب الراحلة في قصة الشرق، أن نضع الحصان قبل العربة، ثم نطرح السؤال الأول عن العجز الذي كشفه مشهد مأساة غزة؛ أهو ضعف جماعي أممي، أم إنه ضعف تشكل في كل قُطرٍ بوضع ذاتي؟

 لقد حرصت المركزية الغربية بالفعل، على إبقاء الدول المسلمة ضعيفة، وعلى قطع أي طريق للوحدة بينها، حتى لو كانت كونفدرالية، بل حتى لو كانت مجرد اتحاد مصالح يجمع بين دولتين أو أكثر، وكان الغرب يقلق من أي إطار اتحادي حتى لو كان في منظومة دول إقليمية، وربما لو تأملنا اليوم في تعطيل تلك المحاولات لوجدنا دوراً دولياً فيها، وإن كان هذا التعطيل يُحرَّك من داخل الدول العربية أو المسلمة.

 لا شك أن الأنظمة الرسمية ذاتها تتحمل المسؤولية، في عدم دفع أطر الوحدة إلى بنية تعاضد ومصالح، كي لا تبقى مجرد خطابات شعبوية، غير أن هذا المآل ذاته كان هدفاً للمركزية الغربية، من أجل ضمان تدفق مصالحها من كل قُطر، وحماية مفهوم الدفاع الإستراتيجي عن وجودية الكيان الصهيوني. وكثرة استشهاد أنظمة الاستبداد العربي بالخطر الصهيوني، وتوظيف ذلك لقمع شعوبها وتشريع مظالمها، لا تنفي عنها الإدانة، وقد تصل إلى أن رأس النظام نفسه قد يكون متواطئا ضد قوة بلده وتحالفها مع قطرٍ مسلم آخر، في الوقت الذي يزايد فيه باسم فلسطين.

فضمان ضعف كل دولة يؤسس لأمة مريضة هزيلة، يسهل إشعال الفتن بين أجزائها، واستنزافها وحصد ثرواتها واقتصادها باسم أمنها لصالح الغرب! وهنا يبرز السؤال الفكري القديم، كيف تؤسس رابطة وثقى بين الحاكم والمجتمع؟ وكيف يصل شعبُ كل قطر إلى معادلة استقرار سياسي؟ وفي الأصل لن تكون هناك دولة رشيدة دون عدالة سياسية ومشاركة شعبية، بغض النظر عن كون ذلك في إطار ديمقراطي أو إصلاحي ملكي أو جمهوري، فالاستقرار الاجتماعي والعدالة السياسية – كما قال مهاتير محمد- هما أصلا قوة ونهضة الدولة.

لكن هذا المدار لم يتحقق، وعاشت الأمة في الغالبية الساحقة من أقطارها حالة صراع في داخلها.. وفي مآل الربيع العربي عاد من جديد طرح التساؤلات: أين الطريق لمقاربة الوصول إلى هذه الثنائية في الدولة؟ ومن أين يمكن البدء لصالح هذا المشروع؟ وما هو السبيل له؟ أَيُبنى بالضرورة على دولة تؤسسها ثورة، أم رحلة تساعد على الوصول إلى مستوى دولة، يُعترف فيها بالمواطن وليس الكائن المحسوب كعنصر من ممتلكات النظام، ويُضبط الكفاح قبل انهيار الأوطان؟ إننا ندرك رفض الأنظمة لمشاريع الإصلاح، وحربها على حَمَلَتِها، وبالتالي خسائر الشعب التي ترتد عليه وعلى استقراره؛ ولذلك فإننا نحتاج أن نطرح مأسسة مسيرة الإصلاح، وأن شرطها في بقاء الدولة.

عبرنا إلى هذا المنعطف أو عنق الزجاجة لنراجع ذات السؤال، كيف تبدأ رحلة العودة إلى الوطن الجديد، دون التخلي عن المبادئ الأساسية للربيع العربي، في الحرية السياسية والمشاركة الشعبية وتوزيع الثروة، وتأسيس المرجعية الدستورية الملزمة، لا النصية الشكلية التي يهوي عليها كل مستبد بحسب موسمه؟

 بعض هؤلاء المستبدين وصلوا إلى الحكم بتصويت شعبي، بل إن القوى التي زعمت أنها ذات مرجعية ديمقراطية مطلقة، انقلبت إلى تأييد مطلق للمستبد، أو سلبية شمولية تجاهه حتى في المشاعر، بحجة أن خصومهم الإسلاميين هم وقود المعركة. وهذا يعني أن البنية التأسيسية في قناعات الشعوب والنخب معا، كانت لا تمثل تلك المبادئ، أو ليس لديها أرضية صلبة للدفاع عنها.

هنا يجب أن نُشير إلى أن فكرة وصول الشعب إلى مضمون موحد ليست سهلة، وأنه حتى في تاريخ الثورات الغربية، فإن زحف الشعوب إلى إعلان منصة حكم مستقلة، تهوي بأطر الاستبداد خلال محاكم ثورية، لا يمثل بالضرورة الغالبية العددية مطلقا، وإنما الطليعة الشعبية التي قادت الحراك المؤيد للثوار.

فإذا أضفنا إلى ذلك احتمالية فساد الثورات ذاتها، أو تورطها الدموي الموسع، فإن السؤال يتركز هنا من جديد، أين هو ذلك الوطن الجديد الذي يؤسس لمبادئ العدالة المنشودة؟ ولذلك، فاعتبار الديمقراطية – كمصطلح وبيان ثوري- مخرجاً مطلقاً إلى المستقبل، هو في ذاته أمر خاطئ.. ما هو المقصود بالقاعدة الديمقراطية التي يجب أن يصل لها هذا الوطن أو ذاك؟ وما هي معايير التغيير الإيجابي الذي نقيس عليه الوصول إلى الهدف الحلم، والذي يحقق ثنائية العدالة والاستقرار؟ والعدالة هنا بكامل مفهومها.

وعليه، فإن التفكير اليوم يجب أن ينصب على إخراج هذه الأوطان من وحل الانهيارات التي تتداعي على دول الشرق، وخاصة في الوطن العربي، وأن تستعاد أكبر مساحة من الاستقرار، ثم يُستأنف الكفاح السياسي، سواء أكان للإصلاح أم للتغيير، دون أن يتحول مشروع الأمل على بيدر، بيد دولة تستثمر في تضحيات الشعب، أو جماعات تستنزف جراحه وتُغرقه في مآل أسوأ. وحينها سوف نبصر أن الحد الأدنى من هذا المستوى، ربما كان ساهم في الدفاع عن غزة – على سبيل المثال- أفضل من واقعنا المر، وأنه كلما تحققت مساحة تقدُّم في هذا الاستقرار اقتربنا من آمال الشعب المهدرة.

هذه الخلاصة تستدعي بعث الجدل الإستراتيجي، والتوقف عن الصياح العاطفي، لتتحقق الرؤية التي يحتاجها الخطاب الإسلامي والوطني العام للخروج من عنق الزجاجة، بتحريك وسائط التسبب لا اعتذارية الملاعنة للخصوم، فهذه الملاعنة دون السعي للخروج لن تنقذ الضحية، بل ستزيد مساحة العذاب والسقوط.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...