عبد الحليم قنديل.. أم السنوار؟!

بواسطة | مايو 5, 2024

بواسطة | مايو 5, 2024

عبد الحليم قنديل.. أم السنوار؟!

لم أشاهد د. عبد الحليم قنديل، وهو يبدو كما لو كان زعيم المقاومة يحيى السنوار في الانحياز للمقاومة، والوقوف ضد الاحتلال، ولم يمثل ما نُقل لي مفاجأة من أي نوع، لكن هناك من فوجئوا وطلبوا مني التوضيح.. هل معنى هذا أنه عاد إلى قواعده سالماً؟!

اللقاء المشار إليه كان في إحدى المحطات التلفزيونية المصرية، وفيه بدا قنديل كأنه قد استعاد لياقته في الحدة، فتشكل لديهم اعتقاد أن هذا كاشف عن تحول في موقفه السياسي بالكلية، ومن ثم كان الطلب أعلاه!

وليس سراً أن قنديل كان من المناوئين لحكم الرئيس محمد مرسي، ومنحازاً تماماً لـ 30 يونيو وما أنتجته من آثار، أخَصُّها أنها مثلت غطاء مدنياً للانقلاب العسكري.. ثم ذهب بعيداً؛ فعندما جرت الانتخابات الرئاسية كان موضعه الطبيعي خلف حمدين صباحي، أستاذه التاريخي، لكنه وقف بالباع والذراع مع المرشح المنافس، الجنرال عبد الفتاح السيسي، وإذ كان صباحي عنده “غاندي” – كما ورد في مقال له في منتصف التسعينيات- فقد أصبح “الزعيم الموسمي” – بحسب وصفه- في معركة الحط من قدره لدى مؤيديه، وهم من الشباب المخلص الذي تعامل بجدية مع الأمر، ولم يكونوا يدركون أن زعيمهم الموسمي مستمر في مهمة الغطاء المدني لتمرير الجنرال إلى القصر الرئاسي!

الموقف من مرسي:

مثل الموقف المعارض من عبد الحليم قنديل لحكم الرئيس محمد مرسي مفاجأة لكثيرين، ممن كانوا يكنون له الاحترام قبل الثورة، ويطالعون مواقفه الجذرية من التمديد لمبارك، أو التوريث لنجله، وبعض هذا التقدير من جانب هؤلاء شاهدته في ميدان التحرير إبان ثورة يناير، فقد كان شباب الإخوان هم من يقومون بحماية مداخل الميدان، وكانوا يُخضعون الجميع للتفتيش عند الدخول، لكن الاستثناء – الذي شاهدته – كان لقنديل، مع الترحيب به بصوت جهير في كل مرة!

بيد أن أبا سفيان الذي يحب الفخر، تعرض لموقف أدركت في حينه أنه سيذهب به حيث ذهب، ففي اللقاء الأول والأخير لرؤساء تحرير الصحف المصرية، مع الرئيس محمد مرسي في بداية ولايته، وكنت حاضراً بصفتي، ظل الرئيس يعطي الكلمة لمن طلبها، وقد أُعطيت لخالد صلاح ومجدي الجلاد أكثر من مرة، بل وأُعطيت لكاتب النظام البائد سمير رجب، مع مزاح الرئيس معه بأنه رجل كل العصور، وقد طلب قنديل الكلمة لأكثر من مرة، ولا يمكن القول إن الرئيس لم يره، فقد كانت القاعة صغيرة، وثبت أن تجاهله كان متعمداً.. وفي نهاية اللقاء، وبينما نهم بالخروج، قال له الرئيس: لقد طلبت الكلمة أكثر من مرة يا دكتور عبد الحليم.. تتعوض المرة القادمة. فرد: إذا كانت هناك مرة قادمة!

ولك أن تعرف وقع ما حصل على شخصية في داخلها قدر هائل من النرجسية، بل إن الاعتزاز بالنفس يأبى هذه المعاملة، لاسيما إذا كانت مع واحد يرى نفسه أنه من مفجري الثورة!

الحقيقة أن هذا اللقاء رسم إطار المرحلة، وأنه سيرحب برجال المرحلة السابقة بالدرجة نفسها، من حيث إبعاد كل من كان لهم موقف واضح ضد نظام مبارك – لاسيما في مجال الإعلام- من دائرة الحكم الجديد، فبقي الحال على ما هو عليه، وبُذلت جهود للتقرّب من الإعلاميين المحسوبين على النظام البائد، وقد شهد الإعلام في هذه الفترة ما سمي بظاهرة المتحولين، الذين استداروا عندما وجدوا الفرصة مواتية، وصاروا معول هدم للحكم المدني المنتخب!

وهناك نقطة جوهرية هنا، وهي أن عبد الحليم قنديل في أصله وفصله ناصري، ومن الجنون انتظار موقف من ناصري ضد الانقلابات العسكرية، أو حكم العسكر، أو رفض للاستبداد وانحياز للديمقراطية، فالمشروع الناصري هكذا كله، ويركز المشروع على الاستقلال الوطني، وحقوق الفقراء، ويمكن أن يتنازل الناصريون عن الجانب الأخير كما شاهدنا، كما يمكن أن يتعاونوا مع من فرط في الجانب الأول كما شاهدنا أيضا، وأنا هنا أتحدث عن قاعدة لها استثناءاتها أيضاً.

بيت القصيد:

ثم إن على رأس المشروع الناصري رفْض إسرائيل، وهذا يضم القاعدة العريضة، والاستثناء هو للناصريين الذين التحقوا بالمشروع الغربي، فيما عُرف بمرحلة “دكاكين حقوق الإنسان”!

وهنا نكون قد وصلنا لبيت القصيد، وأزمة الجيل الجديد من الإسلاميين، هو في تصور أن قضية فلسطين تخصهم ولا تخص أحداً غيرهم، ومن ثم بدا موقف عبد الحليم قنديل مفاجئاً، وهو يبدو كما لو كان السنوار، بحسب وصف أحد المتابعين!

إن شئت الدقة، فإن قضية الصراع العربي الإسرائيلي، هي قضية كل الوطنيين في مصر، وإن حدث نوع من التراخي بعد أوسلو وقبلها في مرحلة التمهيد لها، فذهب بعض اليساريين للانحياز لياسر عرفات ومشروعه، وباعتباره من يقرر مصلحة فلسطين، وبدت تلوح في الأفق إمكانية الحل والسلام!

قبل هذا كان اليسار في الجامعات وخارجها حاضراً في مشهد الصراع، ورد غيبة الإسلاميين مع تفجر الانتفاضة الأولى، كما أن النظام المصري على مدى ثلاثين عاماً لم يعتبر العداء لإسرائيل يعني المعارضة له، إلا إذا تعلق الأمر بالشارع وبالخروج في مظاهرات، فقد كانت لدى مبارك حساسية مفرطة ضد المظاهرات، لعلها استقرت في وجدانه منذ انتفاضة الخبز في يناير 1977، وهي التي كادت تقتلع السادات من جذوره!

بعض القلق أصاب نظام مبارك من تنامي شعبية حسن نصر الله بعد انتصاره في 2006، كما يصيبه القلق عندما يوضع في جملة مفيدة تفيد تقصيره بالاسم، إنما كان يمكن لأي مخبر في الحياة السياسية أن يقف تحت قبة البرلمان ويهاجم الحكام الخونة، والانبطاح العربي، فالأمر هنا لا يشغله، ومن هنا كنا نقول إن معارضة إسرائيل هي من النضال المجاني، لأنه لا ثمن يدفع من جراء هذا النضال.. ابعد عن الحراك الشعبي والفعل، وعن مبارك بشخصه، وطريقك أخضر..

ولا يمكن تجاوز أن سليمان خاطر – مثلا- لم يكن منتمياً للتيار الإسلامي، وكذلك سعد إدريس حلاوة، هذا فضلاً عن أن تنظيم ثورة مصر بقيادة محمود نور الدين كان ناصرياً، وهو الذي انتقل بالفكرة من الكلام إلى الفعل ضد إسرائيل، ومات رحمه الله في السجن!

فلسطين هي قضية جامعة.. فلم يتحول عبد الحليم قنديل، وإن بدا كما لو كان السنوار!

أبشر!

3 التعليقات

  1. أيام

    المعيار الديمقراطية

    الرد
  2. سيد أمين

    لم اشاهد موقف عبد الحليم قنديل وماذا قال .. ولكن انا مؤمن تماما انه لن يتحدث منحازا للمقاومة الا باذن وقد يكون هدفه لملمة ما بعثرته السنوات العشر الماضية .. سنعرف لماذا اعطوه الاذن قريبا

    الرد
  3. أحمد سنبل

    أتصور أن نرجسيا ك عبد الحليم قنديل ليس منافحا ولا مناضىلا باللسان من أجل قضية فبسطين لكن الآن القضية هي محور الاهتمام العالمي كله وظهور قنديل بلاذع لسانه يسب كما كان في الماضي سيظهره مرة أخرى كمناضل وثوري ومفكر.لكن الذي لم يفهمه قنديل أن الناس قد شبعوا من عنترياته هو وأمثاله وأنهم صاروا يقيمون مجمل مواقف المتصدر للعمل العام ويصدرون عليه حكمهم.وقنديل صدر ضده حكم شعبي بأنه تافه وأن نضاله مجرد قشرة تغطي جلده السميك الذي تربى من الحاكم الظالم.قنديل مستقبله السياسي انتهى ونرجسيته تمنعه من فهم الموقف والمزاج المصري.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...