لماذا لن تنجح خطة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح”؟

بواسطة | فبراير 19, 2024

بواسطة | فبراير 19, 2024

لماذا لن تنجح خطة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح”؟

هناك سوابق لدول ناجحة غير مسلحة، لكن لا شيء منها ينطبق على الشرق الأوسط.

تحديات وآفاق حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي – “بين الأمن والسلام”

قاوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ فترة طويلة مفهوم حل الدولتين، ولكن نادرًا ما كان ذلك صريحًا كما كان الحال في الأشهر التي تلت هجوم 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل من قبل حماس، والحرب التي صارت في غزة. ومع ذلك، يصر الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن هناك طريقًا للمضي قدمًا نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة بالتعاون مع حكومة نتنياهو.

ومؤخرًا قال بايدن للصحفيين: “أعتقد أننا سنكون قادرين على التوصل إلى شيء ما… أعتقد أن هناك طرقًا يمكن أن ينجح بها هذا الحل”، في إشارة إلى الاتفاق على أوضاع ما بعد الحرب، الذي يمكن أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية مع التغلب أيضًا على الاعتراضات الإسرائيلية.

يبدو أن ما كان يدور في ذهن بايدن هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح؛ وأفاد موقع “أكسيوس” أن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية قد تم تكليفهم بالفعل بالنظر في الشكل الذي ستبدو عليه فلسطين منزوعة السلاح “استنادًا إلى نماذج أخرى من جميع أنحاء العالم”.

وهناك قبول متزايد للفكرة في المجتمع الدولي باعتبارها وسيلة ممكنة للخروج من المعضلة الحالية، أي من خلال تهدئة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، ومنح الفلسطينيين دولة خاصة بهم لإنهاء دائرة العنف.. قال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز إن أستراليا قد تعترف بالدولة الفلسطينية إذا كانت “منزوعة السلاح”. ويبدو أن هناك دعمًا من بعض اللاعبين المهمين في العالم العربي.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بحضور رئيسي الوزراء الإسباني والبلجيكي: “نحن مستعدون لأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح”. والسيسي حليف وثيق لدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومن المفترض أن القاهرة تشاورت معهما.

لكن حقل ألغام من العوائق الدبلوماسية يجب اجتيازه لإنجاح هذه الفكرة؛ ولا يمكن مقارنة أي من الدول والأقاليم القائمة التي تفتقر إلى قوات مسلحة بالظروف الصعبة الفريدة التي يواجهها الإسرائيليون والفلسطينيون، ولا تقدم أي منها نموذجًا يمكن تبنيه ببساطة لحل واحد من أكثر الصراعات استعصاءً على الحل، في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.

هناك ما يقرب من 40 دولة وإقليمًا بدون جيش دائم، وجميعها تقريبًا صغيرة الحجم نسبيًا، ولديها عدد قليل من السكان، والعديد منها عبارة عن دول جزرية، مثل غرينادا، المشهورة بصادراتها من جوزة الطيب، أو دومينيكا، المعروفة بينابيعها الطبيعية الساخنة وغاباتها الاستوائية المطيرة. ويتمتع العديد منها بالحماية من دول أكبر حجمًا وجيدة التسليح مثل الولايات المتحدة، أو من حلف شمال الأطلسي بالنسبة لبعض الدول الموجودة في أوروبا.

ومع ذلك، لا تتمتع ليختنشتاين بعضوية عسكرية ولا عضوية في حلف شمال الأطلسي، ومع ذلك فهي تستفيد بشكل غير مباشر من المظلة الواقية التي يوفرها حلف شمال الأطلسي. وقال سفير ليختنشتاين لدى الاتحاد الأوروبي، باسكال شافهاوزر، لمجلة “فورين بوليسي” في مكتبه ببروكسل: “إذا اندلعت حرب، فسيكون هناك العديد من الدول الأخرى التي سيتوجب عبورها أولاً”.

وتقع هذه الدولة غير الساحلية بين النمسا وسويسرا، وتقوم بتنسيق جهود الشرطة مع جيرانها المباشرين، وتحظى افتراضيًّا بحماية جيران أقوى عسكريًّا مثل ألمانيا وفرنسا في المنطقة الممتدة. ويقيم سكان ليختنشتاين البالغ عددهم نحو 40 ألف نسمة في منطقة مسالمة ومزدهرة، ولم يجدوا بعد سببًا مقنعًا لإلغاء القرار الذي أدى إلى تجريد البلاد من السلاح في عام 1868.

لكن، بمقارنة وضع ليختنشتاين مع فلسطين، فإنهما تظهرا على طرفي نقيض تمامًا.. ففي حين تقع ليختنشتاين بجوار دول كبيرة ومزدهرة تحميها من التهديدات الخارجية، فإن الأراضي الفلسطينية في مواجهة مباشرة مع إسرائيل – عدوها اللدود. علاوة على ذلك، لا يزال يتعين على فلسطين “المستقلة” أن تراعي إيران المتطفلة، والتي من المرجح أن تستمر في مساعدة الجماعات المسلحة غير الحكومية – مثل حزب الله والحوثيين- في إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتحدي استقرار أي ترتيب.

وكثيرًا ما يتم الاحتفاء والاستشهاد بكوستاريكا، باعتبارها نموذجا للتنمية في منطقة أمريكا اللاتينية؛ وفي حين أن هناك العديد من العوامل وراء نجاحها، فإن واحدًا منها على الأقل له اعتباره على نطاق واسع، وهو نزع السلاح. ففي عام 1948، ألغت كوستاريكا الجيش، وعلى عكس بعض جيرانها، لم تتورط في انقلابات أو صراعات عسكرية منذ ذلك الحين؛ وبدلًا من ذلك، أنفقت الأموال التي ستخصص لميزانية الدفاع على التنمية البشرية.. ولكن على النقيض من فلسطين، لا يحاول أي من جيرانها غزو أراضيها أو التحريض على انتفاضة مسلحة.

ومع ذلك فإن ديناميكيات الأمن الداخلي المتغيرة في كوستاريكا تقدم لنا درساً؛ ففي بحث حديث بعنوان “أسطورة التجريد من السلاح في كوستاريكا”، سلط ماركوس هوخمولر وماركوس مايكل مولر الضوء على حقيقة أن الجريمة آخذة في الارتفاع هناك، وأن هناك دعوات لتسليم صلاحيات متزايدة لوحدات الشرطة الخاصة المدججة بالسلاح، أو “قوات العمليات الخاصة”؛ وهذا يوضح الخطر المتمثل في إمكانية عسكرة البنية الشرطية الأساسية في مرحلة لاحقة.

ومن ناحية أخرى، تشكل هايتي مثالًا كلاسيكيًا لكيفية إصابة دولة منزوعة السلاح بالشلل الداخلي بسبب العصابات المسلحة المحلية! وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرة أخرى على إرسال قوات أجنبية لمساعدة الحكومة على استعادة الأحياء والبنية التحتية الأساسية، التي استولت عليها العصابات الإجرامية.

إذا لم توافق حماس على نزع سلاحها، ولم تنضم الجماعات المسلحة الأخرى في غزة إلى التسوية النهائية، فستكون هناك مخاوف مماثلة من استمرار الاضطرابات، ليس فقط بين هذه الجماعات وإسرائيل، ولكن أيضًا بينها وبين سلطات دولة مستقلة، هي الدولة الفلسطينية.

تُظهر حالة “جزر سليمان”، التي تحتضنها بكين، أنه حتى لو كانت الدولة منزوعة السلاح، فيمكنها اختيار حلفاء عسكريين محاربين يمكنهم إعادة تشكيل ديناميكيات أمنية أوسع في المنطقة. ولفترة طويلة، كانت الدولة الواقعة في المحيط الهادئ تحت النفوذ الأمني لأستراليا، ولكن في منتصف عام 2023، التقى رئيس الوزراء ماناسيه سوجافاري مع نظيره الصيني، ووقعا اتفاقية لتعزيز التعاون الشرطي، الذي من شأنه أن يسمح لبكين بتدريب ضباط الشرطة.

وتختلف الأراضي الفلسطينية إلى حد كبير عن أي من هذه البلدان، فهي تخشى تهديدًا وشيكًا من جارتها، وتواجه خطر الانقسام داخليًا، وهي ضحية لأجندة إيران الساعية لتوسيع نفوذها الإقليمي.

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الغياب عن الأرض في غزة يمكن أن يؤدي إلى هجوم آخر شبيه بهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من قبل المسلحين الذين لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود.

وقال عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لمجلة فورين بوليسي إنه في أفضل الأحوال، ستقبل إسرائيل “حل الدولة 1.8″، مع قيود جدية من شأنها أن تمنع الفلسطينيين من متابعة سياساتهم المستقلة في شؤون الدفاع. وقال ليرمان: “أولًا، نحتاج إلى الاحتفاظ بنوع من السيطرة على الحدود حتى نتمكن من رؤية ما سيأتي؛ ثانيًا، نحتاج أن يكون لنا رأي في عدد ونوع الأسلحة التي يمكن لفلسطين الاحتفاظ بها، وفي حجم قوات الشرطة والأمن التي يمكن أن تمتلكها، لضمان عدم تحولها إلى جيش في المستقبل”. وبدلًا من ذلك، اقترح نتنياهو “دولة منقوصة”، وهذه من شأنها أن تشمل فرض قيود على السيادة، وتقديم ضمانات لإسرائيل تتجاوز نزع السلاح، وهو ما يقول المراقبون إنه أكثر انسجامًا مع المزاج العام بين الإسرائيليين.

وتساءل دانييل شوامينثال، مدير معهد “عبر الأطلسي” التابع للجنة اليهودية الأمريكية في بروكسل: “هل سيسمح للدولة الفلسطينية بالدخول في اتفاق عسكري مع إيران؟ أو إجراء مناورات عسكرية مع حزب الله؟”، وقال إن “فلسطين يجب أن توافق على عدم الدخول في اتفاقيات دفاع مع الدول المعادية لإسرائيل”.

وقالت نور عودة، المحللة السياسية الفلسطينية، إن السؤال الرئيس من وجهة نظر الفلسطينيين ليس ما إذا كانت الدولة المرتقبة لديها جيش أم لا، وإنما التسوية الحدودية النهائية. وأضافت في اتصال هاتفي مع مجلة “فورين بوليسي” من رام الله: أتكون على غرار “بانتوستان” أم على حدود 1967؟ هذا هو الأهم.. في إشارة إلى مخاوف الفلسطينيين من أن إسرائيل تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بطريقة تحافظ على الأراضي الفلسطينية مفككة. وأردفت: “إذا لم تهاجم إسرائيل، وتعهدت بعدم الغزو، وإذا كانت هناك ضمانات دولية بهذا المعنى، فإن امتلاك جيش ليس أولوية فلسطينية ملحة، في رأيي”.

لكن، قد لا يشعر كل فلسطيني بالشعور نفسه.. وقد أشار شوامينثال إلى أنه وفقًا لاستطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والاستقصائية، فإن 72% من الفلسطينيين يؤيدون هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول؛ وقال إن ذلك يثبت أن التأييد للحركة المسلحة بين الفلسطينيين مرتفع.

اقترح السيسي، الرئيس المصري، أنه يمكن الاستجابة للمخاوف الأمنية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين إذا تم نشر قوة أمنية متعددة الجنسيات لتسهيل العملية الانتقالية. وقال في نوفمبر/ تشرين الثاني: “من الممكن أيضًا أن تكون هناك ضمانات للقوات، سواء كانت قوات الناتو، أو قوات الأمم المتحدة، أو القوات العربية أو الأمريكية، حتى نحقق الأمن لكلا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة ودولة إسرائيل”. وقد أيد بعض المثقفين الإسرائيليين فكرة إنشاء قوة متعددة الجنسيات، لكنهم يريدون تجربة ذلك في غزة أولًا لمعرفة ما إذا كانت ستنجح أم لا.

وكل هذا بالطبع، مع الافتراض مسبقًا أن نتنياهو – أو أي خليفة له يمكن تصوره- سوف يفكر بجدية في الموافقة على إنشاء أي دولة فلسطينية مستقلة على الإطلاق.

المصدر: فورين بوليسي | Anchal Vohra
تاريخ النشر: 15/02/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...