فيلم يرصد آخر عامين من حياة الأديب الروسي “ليف تولستوي”

بقلم: محمد القاسمي

| 14 مارس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: محمد القاسمي

| 14 مارس, 2024

فيلم يرصد آخر عامين من حياة الأديب الروسي “ليف تولستوي”

The Last Station

فيلم “المحطة الأخيرة” هو فيلم دراما وسيرة ذاتية، من إنتاج عام 2009، وهو يدور حول آخر عامين من حياة الأديب الروسي الشهير “ليف تولستوي”، المنحدر من عائلة نبيلة، والذي تحوّل إلى مزارع، وصار ناشطًا في حركة تحمل اسمه لنشر مبادئه في المقاومة السلمية والعمل لأجل مصلحة الجميع.

يقرّر “تولستوي” تغيير وصيّته بالتنازل عن حقوق نشر أعماله العظيمة بحيث تذهب إلى الشعب الروسي؛ زوجته المُحبّة “سوفيا” التي عاشت معه طوال 48 عامًا لا تتقبّل الأمر بتاتًا، حيث ترى أنّ الحقوق يجب أن تظل معها ومع أبنائها، لأنهم الأحق بها.

“تولستوي” رجل مثالي، و”سوفيا” امرأة واقعية، والمثالية والواقعية يصعب مزجهما معًا في هذا العالم.. “شيرتكوف”، صديق “تولستوي” المقرّب ومساعده في الحركة الخاصة به، يقوم بتعيين سكرتير شاب يُدعى “فالنتين” للعمل مع “تولستوي”، وهذا يظل حائرًا طوال الفيلم بين التعاطف مع “تولستوي” في التنازل عن حقوقه الأدبية، وبين التعاطف مع “سوفيا” التي تحاول استمالته للتأثير على زوجها كي لا يستجيب لوَسْوسة “شيرتكوف” حول موضوع تغيير الوصيّة.

إنّ “فالنتين” يمثّلنا كمشاهدين في حيرته المنطقية أمام الصراع المتكافئ الذي يملك كل طرف فيه مبرّراته القوية: “سوفيا” تكاد تعتبر الثروة أقرب إلى مكافأة نهاية الخدمة، وهي تحب زوجها كثيرًا برغم الخلاف، كما أنها ترفع شعار “من أجل أبنائي وأسرتي وليس من أجلي”، و”تولستوي” أصبح رجلًا عجوزًا محطّمًا، ومن حقّه أن يشعر بالسلام في أيامه الأخيرة، ويتوجّب على الآخرين مساعدته في تحقيق ذلك وبالأخص زوجته “سوفيا”، وهو لن يشعر بالسلام ما لم يقدّم ثروته للشعب الروسي الذي استلهم منه رواياته.

المخرج “مايكل هوفمان” قام بعمل مدهش، وقد كتب النص السينمائي باقتباسه من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب “جاي باريني”. الفنانة الكبيرة “هيلين ميرن” بشخصية “سوفيا” قدّمت أداءً أسطوريًّا، وأنا شخصيًا أعتبر أداءها في هذا الفيلم أفضل ما قدمته طوال مسيرتها الفنية، وقد ترشّحت لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وكانت الأحق بالفوز، ولكن الجائزة ذهبت إلى “ساندرا بولوك” عن فيلم “The Blind Side”.

الفنان الراحل “كريستوفر بلامر” أبدع هو أيضًا بشخصية “تولستوي”، وقد ترشّح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد؛ ولا أنسى بقية الممثلين المبدعين الذين قدّموا أداءً جميلًا، وأبرزهم “بول جياماتي” بشخصية “شيرتكوف”، و”جيمس ماكافوي” بشخصية “فالنتين”، و”كيري كوندون” بشخصية “ماشا”، و”آن ماري داف” بشخصية “ساشا تولستوي”.

الموسيقا التصويرية كانت مذهلة جدًّا، وقد جعلتني أعيش أجواء تلك الحقبة، والفضل يعود للموسيقار الروسي المبدع “سيرغي ييفتوشينكو”؛ التصوير كان جميلًا أيضًا، وكذلك المونتاج وتصميم الأزياء والمكياج، أمّا تصميم المواقع فكان احترافيًّا، ولم يكن ذلك غريبًا لكون مصمّمة المواقع هي نفسها التي عملت في الفيلم العظيم “Amadeus”، ونالت عن عملها جائزة الأوسكار، وهي المصممة “باتريتزيا فون براندنستاين”. الفيلم ليس فقط حول “تولستوي”، بل أيضاً حول حيرة البشر بين الواقعية والمثالية، وحلمهم بالحب والحرّية، وهو يستحق المشاهدة بكل تأكيد.

الجدير بالذكر أن “تولستوي” مسيحيّ الديانة، ولكن لديه مواقف وآراء نبيلة حول الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلّم، وأصدر كتابًا يدافع فيه عن الإسلام بعنوان “حكم النبي محمد”، وقال عنه: “مما لا شك فيه أن النبي محمدًا كان من أعظم الرجال المُصلحين الذين قدّموا خدمات جليلة للمجتمع الإنساني، ويكفيه فخرًا واعتزازًا أنه هدى أمّة كاملة إلى طريق الحق، وحياة يكسوها الزهد والسلام والأمان والنظام والرُقيّ والتحضّر، ونهاها عن الظلم والقتل وسفك الدماء، وهذا عمل عظيم لا يقوم به إلّا شخص يملك من القوة والإيمان ما يؤهّله لذلك، وشخص كهذا جدير بالاحترام والتقدير”. كما أشاد “تولستوي” في كتاباته بالقرآن الكريم، وذكر أنّ البشرية في أمسّ الحاجة إلى قوانين الشريعة الإسلامية، وهي ستسود العالم لأنها تُوافق العقل.

محمد-القاسمي

كاتب وناقد ومخرج بحريني

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...