فيلم يستعرض لنا قوة وذكاء السينما في كشف تفاصيل “عملية الحياة”

بقلم: محمد القاسمي

| 2 مايو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: محمد القاسمي

| 2 مايو, 2024

فيلم يستعرض لنا قوة وذكاء السينما في كشف تفاصيل “عملية الحياة”

 The Curious Case of Benjamin Button

فيلم “الحالة المحيرة لبِنجامين بوتن” للمخرج المبدع “ديفيد فينتشر”، قد تبدو قصته ملائمة لفيلم خيال علمي أكثر من فيلم درامي تأمُّلي، حيث نرى رجلًا يبدأ عمره يمضي بشكل عكسي، إذ يولد في سن الثمانين ويصغر بمرور الوقت.

الفيلم مستوحى من قصة قصيرة للكاتب الشهير “إف سكوت فيتزجيرالد”، حيث تم تبنّي فكرتها وعنوانها فقط، ومن ثم أخذها إلى عالم شاسع بعيدًا عمّا كتبه “فيتزجيرالد”، فبالتالي امتلك الفيلم كيانه الخاص، وبالرغم من بعض الأخطاء الطفيفة فيه، فإنه واحد من أجمل وأغرب الأفلام التي شاهدتها في حياتي.

نظرية الفوضى – التي تقوم على فكرة كيف يمكن لاضطرابات صغيرة تحدث في مكان واحد أن تسبب آثارًا عديدة على مختلف سكان العالم – تكمن في قلب وروح هذا الفيلم. يقدم الفيلم في أحد أروع مشاهِدِه مثالًا واضحًا ولذيذًا حول حادث سيارة ناتج من سلسلة حوادث صغيرة غير مترابطة؛ بحذف واحد من تلك الحوادث الصغيرة، لن يقع حادث السيارة أبدًا، وبحذف هذا الحادث من الفيلم، سيتخذ الفيلم مسارًا مختلفًا ليصل إلى نهاية بديلة.. الحياة هي هكذا تمامًا! نحن لا نعرف أبدًا ما إذا كان أي فعل معين سيتلاشى مثل قذف حجر في الماء، أم إن تقافز ذلك الحجر في الماء سيقود إلى إعصار تسونامي.

إنْ كان هناك تقارب مع فيلم “Forrest Gump”، فالأمر ليس مفاجئًا، فكاتب نصّي الفيلمين هو نفسه المبدع “إريك روث”.. “فورست غامب” و”بنجامين بوتن” كلاهما منبوذ في مجتمعه، وكلاهما أيضًا شارك في عدة أحداث تاريخية على مر العصور، حتى لَنشعر أننا عشنا معهما حياة كاملة، ولكن “بنجامين بوتن” لم يعش حياته مثل “فورست غامب”، فالحياة بالنسبة له ليست مثل علبة شوكولاتة.

مدة الفيلم تقارب 3 ساعات، ولكننا أبدًا لا نشعر بمرور الوقت، والفضل يعود لرؤية “ديفيد فينتشر” الجميلة، والنص السينمائي المتقن لـ”إريك روث”، الذي كتبه مع زميلته “روبين سويكورد”، ولا أنسى الطاقم الرهيب من الممثلين النجوم، وعلى رأسهم “براد بيت” بشخصية “بنجامين بوتن”، و”كيت بلانشيت” بشخصية “ديزي”، و”تيلدا سوينتون” بشخصية “إليزابيث آبوت”، و”جوليا أورموند” بشخصية “كارولين”، و”تاراجي بي هينسون” بشخصية “كويني”، و”ماهر شاء الله علي” بشخصية “تيزي”، و”جاريد هاريس” بشخصية القبطان “مايك”، وبقية الممثلين الذين أبدعوا جميعًا في أداء شخصياتهم.

الفيلم مبهر بصريًّا من ناحية التصوير وتصميم المواقع والأزياء والمؤثرات، وأكثر ما أبهرني هو المكياج بالتقنيات الحديثة التي أتاحت لفنّيي المكياج مع فنّيي المؤثرات البصرية خاصية إظهار تصغير أعمار الممثلين، بشكل يُظهر الأمر قابلا للتصديق، حتى باتت رائدة الآن في الأفلام والمسلسلات الحديثة بعد نجاحها في هذا الفيلم في عام 2008.

نال الفيلم 3 جوائز أوسكار؛ لأفضل تصميم مواقع، وأفضل مكياج، وأفضل مؤثرات بصرية.. وترشّح لنيل 10 جوائز أخرى؛ لأفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل نص سينمائي مقتبس، وأفضل ممثل (براد بيت)، وأفضل ممثلة مساعدة (تاراجي بي هينسون)، وأفضل موسيقا تصويرية، وأفضل تصوير، وأفضل مونتاج، وأفضل تصميم أزياء، وأفضل تحرير صوتي.

الفيلم يجب أن يُشاهَد بشروطه الخاصة – كحكاية خيالية- وإلا سيفشل حتمًا.. وفي الحقيقة، كتب “إف سكوت فيتزجيرالد” قصته بعد أن ألهمته مقولة شهيرة للكاتب الكبير “مارك توين”، وفيها: “ستكون الحياة أكثر سعادة لو بدأنا من عُمر الثمانين ونزلنا بالعُمر إلى الثامنة عشرة”.

“الحالة المحيرة لبنجامين بوتن” هي حالة تستعرض لنا قوة وذكاء السينما في كشف تفاصيل “عملية الحياة”.. إنه فيلم جميل ونادر.

محمد-القاسمي

كاتب وناقد ومخرج بحريني

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...