كرة قدم جديدة عام 2030

بواسطة | أبريل 30, 2023

بواسطة | أبريل 30, 2023

كرة قدم جديدة عام 2030

يصف الإعلام الرياضي العالمي دوري السوبر الأوروبي بأنه أقصر البطولات عمرا في التاريخ، إذ عاشت لمدة يومين فقط، قبل انسحاب 80% من أعضائها المؤسسين؛ وهي النسبة التي إذا واجهت الحكومات فإنها ستسقط، لأنها نسبة عالية جدا من الاستقالات. وليس هناك أي أمل بتحقيق أحلام فلورنتينو بيريز بالانتصار في هذه المعركة؛ فشركاؤه يعانون الكثير، إذ إن برشلونة غارق ماليا، ويوفنتوس غارق ماليا وإداريا.
ورغم فشلها السريع، فإن هذه البطولة نجحت في تحريك المياه الراكدة والعالقة في حي صامت منذ سنين، وكانت كالنغمة الهادئة التي تعيد إلى أذهان عشاق الصمت جمال وضرورة التغيير في هذه الحياة. وزاد من تأثير هذا الحراك، أنه ترافق مع الأثر الاقتصادي المدمر لجائحة كورونا، التي كشفت عن هشاشة وضع أندية كرة القدم اقتصاديا، وأكدت أيضا تراجع نظام اللعبة العالمي. لقد كانت هذه البطولة بمثابة نداء يوجهه العالم، لتأكيد ضرورة تغيير الوضع الحالي لكرة القدم، والبحث عن سبل تطويرها، وجعلها أكثر شمولية وإثارة.

ستشهد كأس العالم تغييرا أيضا بدءا من 2026، مع زيادة عدد المنتخبات المشاركة بنسبة 50٪، لتصل إلى 48 منتخبا، وارتفاع كبير في عدد المباريات من 64 إلى 104 مباراة

رافق العواملَ السابقة ارتفاعٌ سريع في عالم التكنولوجيا، حيث أدت إجراءات الإغلاق لجعل الناس أكثر تواصلا وارتباطا بتطبيقات ومنصات السوشيال ميديا، وتحوّلت المنصات الرقمية للبث إلى مرجعية أساسية للملايين من البشر. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الإغلاقات في تعزيز وتسريع التحول الرقمي في جميع أنحاء العالم، وهذا التغيير لا يمكن تجاهله من قِبَل المسؤولين عن لعبة كرة القدم على مستوى العالم.
تتيح العناصر السابقة فرصة لمرحلة جديدة في بناء كرة القدم، سيتضح شكلها النهائي خلال السنوات القادمة، وقد بدأت ملامحها بالظهور من خلال إعلان عن شكل مختلف لبطولة دوري أبطال أوروبا ابتداء من موسم 2024-2025، حيث سيكون لدينا بطولة تجمع 36 فريقا، بزيادة 4 فرق عن الموجود في الوضع الحالي، وارتفاع يقارب 50% بعدد المباريات، وسيضمن الشكل الجديد مباريات متنوعة بين الفرق، بدلا من تكرار المواجهات في دور المجموعات.
وبالإضافة إلى ذلك، ستشهد كأس العالم تغييرا أيضا بدءا من 2026، مع زيادة عدد المنتخبات المشاركة بنسبة 50٪، لتصل إلى 48 منتخبا، وارتفاع كبير في عدد المباريات من 64 إلى 104 مباراة، وهو ما يوضح أن هناك تفكيرا متفقا عليه، بين القيادات الأهم في عالم كرة القدم، يتعلق بزيادة عدد المباريات وتنويع المتنافسين والمواجهات، ما سيؤدي لشغل أوقات البث لفترة أطول، واحتلال مساحة أكبر في نقاشات السوشيال ميديا، وتوفير مقاطع فيديو سريعة أكثر في تيك توك وانستغرام وغيرهما.
تنويع المواجهات وزيادة عددها يمثلان الملامح الأولى للشكل الجديد لكرة القدم، ويتم دعم هذا الاعتقاد بالتحول الرسمي لمونديال أندية أكبر، بزيادة عدد المشاركين والضغط المستمر لزيادة عدد مرات إقامة كأس العالم من قبل صناع القرار في فيفا. لذلك، لا تتفاجأ عزيزي القارئ إن شاهدت الاتحادات القارية والمحلية تخلق المزيد من البطولات في الفترة المقبلة.

البعض في وسائل الإعلام يشعر بالخوف تجاه “دوري الملوك” الذي أسسه جيرارد بيكيه وعدد آخر من اللاعبين والمؤثرين في عالم كرة القدم، وهو دوري للعبة كرة قدم بقوانين أكثر ترفيها؛ ومن الواضح أن منظور المراقب المنطقي يدرك أنه من المستحيل أن يهز عرش لعبتنا

وبسبب الحاجة الماسة للتوسع والانتشار مكانيا وزمنيا، فإن كرة القدم ستتجاوز الحدود بشكل أكثر وضوحا وصراحة؛ فقد أعلن رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، عدم ممانعته لعب نهائي دوري الأبطال في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من دول العالم، وكان دوري السوبر الأوروبي قد تم اقتراحه كوسيلة لإلغاء القالب المحلي للعبة.
هذا التحول الكروي لامس بعض دول المنطقة أيضا، والصورة الأوضح في دول الخليج العربي، حيث تم تنشيط فكرة “لاعب المواليد”، التي تعني أن اللاعب لا يحمل جنسية الدولة الخليجية ولكنه ولد فيها، ويحق له تمثيل المنتخبات الخليجية بموجب القوانين الدولية لكرة القدم. كما اتخذت السعودية خطوة جريئة، برفع عدد المحترفين الأجانب، والسماح بالحارس الأجنبي؛ وهذا يعكس الإيمان بأن نجاح صناعة كرة القدم في المستقبل، وإنقاذها من المنافسة في صناعات الترفيه، يتطلب تجاوز الحدود المحلية والتفكير بشكل أوسع.
يمكن رصد ظاهرة كرة القدم العابرة للحدود، في مجموعات أندية كرة القدم التي تعمل كـ “سلسلة إمداد” من بلد إلى آخر، وذلك للوصول في النهاية إلى فريق يمثل قمة الهرم، كما هو الحال في مجموعة سيتي جروب ورأس هرمها فريق مانشستر سيتي، وكذلك في مجموعة ريد بول ورأس هرمها نادي لايبزيغ الألماني؛ ويُتوقع أن تظهر قريبا مجموعات أخرى، ستضم أندية عربية أيضاً.
ولعلك لاحظت أن البعض في وسائل الإعلام يشعر بالخوف تجاه “دوري الملوك” الذي أسسه جيرارد بيكيه وعدد آخر من اللاعبين والمؤثرين في عالم كرة القدم، وهو دوري للعبة كرة قدم بقوانين أكثر ترفيها؛ ومن الواضح أن منظور المراقب المنطقي يدرك أنه من المستحيل أن يهز عرش لعبتنا، نظرا لأنه يعتمد عليها بالأساس وعلى مشاهيرها، كما أن جانبا من نجاحه كان بسبب البث لساعات غير معقولة ومستمرة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو أمر غير مستدام ولا يمكن الاعتماد عليه لسنوات كي تنجح اللعبة.

 كرة القدم ستشهد تحولا ثوريا في تعزيز عنصر الترفيه فيها أكثر من العنصر التنافسي. قد نرى تجارب لتقليل وقت المباراة، وقد نرى قوانين فيها لمسة ألعاب الفيديو، مثل قوانين “بيكيه”.

أريد العودة إلى نقطة “الخوف على لعبتنا”، الذي أظهره البعض تجاه “دوري الملوك”، كما أشار له من قبل رئيس نادي يوفنتوس السابق أندريا أنييلي عندما قال إنه اطلع على دراسات ترى الجيل بين 16 و24 سنة لا يهتمون بكرة القدم، وأنهم أكثر انجذابا نحو بطولات الألعاب الإلكترونية مثل “Call of Duty” و “Fortnite”.
وقبل فترة، اطلعت على دراسة لشركة استثمار إعلام رياضي عالمية، تشير إلى أنه خلال المباراة الواحدة، يشاهد الشخص نصف المباراة فقط، في حين يقضي النصف الآخر من الوقت بالتفاعل على أجهزته الذكية. هذا التحول في سلوك المشاهدين هو ما جعل شركتي “UFC” و “WWE” تقرران الاندماج لخلق جانب ترفيهي أقوى؛ في حين أن الرياضات التي تجاهلت هذا الجانب تتراجع بشكل كبير، مثل البيسبول في الولايات المتحدة، التي تم الحديث عن تراجعها في تقرير لـ “سي إن إن” عام 2022، بسبب شعور الجيل الجديد بالملل منها، وكان التقرير بعنوان قوي “لماذا لم تعد البيسبول لعبة أمريكا؟”
أصبحت مقتنعا، بعد النقاش السابق، بأن كرة القدم ستشهد تحولا ثوريا في تعزيز عنصر الترفيه فيها أكثر من العنصر التنافسي. قد نرى تجارب لتقليل وقت المباراة، وقد نرى قوانين فيها لمسة ألعاب الفيديو، مثل قوانين “بيكيه”. كما أنه قد يحدث المزيد من الاندماج مع صناعات الترفيه الأخرى، وتطوير تقنيات البث، لنعيش تجربة شبيهة بأجواء الألعاب الإلكترونية؛ وذلك لأن المنافسة لم تعد محصورة بين كرة القدم والرياضات الأخرى فقط، بل أصبحت بين كرة القدم وخدمات البث والترفيه المختلفة، مثل نتفليكس وتيك توك ومنصات الترفيه الأخرى. فالحرب الآن هي على وقت المشاهدة، لا على نوعها.
ركّز صناع كرة القدم بشكل كبير على تطوير اللعبة من الناحية التنافسية، ونجحوا في ذلك بشكل مذهل، ولهم الشكر عليه، فجعلوها الأكثر شعبية وتنافسية على مستوى العالم. ومع ذلك، فإنهم الآن يواجهون معركة مختلفة تماما، وهي معركة جذب الاهتمام والانتباه. فالهدف هو إقناع الشباب بأن مشاهدة 90 دقيقة من الكرة المستديرة وهدف واحد في الشباك يستحق كل الجهد والتركيز، وأفضل بكثير من مشاهدة 90 مقطع فيديو مختلف ومضحك على منصات التواصل الاجتماعي.
لذلك.. دعونا ننتظر حتى 2030 لنرى شكل كرة القدم الجديد، حيث يزداد عدد المباريات، ويتوسع تنوعها، ونتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ويكون الاهتمام بالعناصر الترفيهية على حساب العناصر التنافسية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...