لا تُسهم في تكوين الفكر الشيطاني رقميًّا

بواسطة | مايو 24, 2024

بواسطة | مايو 24, 2024

لا تُسهم في تكوين الفكر الشيطاني رقميًّا

الباطل بلا أقدام

يعرف أهل الباطل في قرارة أنفسهم أنهم بلا أقدام، وأنه لن يحمل رسالتهم مخلصٌ، ولن يدافع عنها عاقلٌ لأمد بعيد؛ لذا تراهم يعتلون أكتاف الحق كل عام مرة أو مرتين، على أمل أن يحجزوا لأسمائهم وفكرهم مكانًا ولو محدودًا في عقول الناس؛ لأنهم – كما علّمهم كبيرهم – يزرعون اليوم بذرة فِكَرهم الخبيثة ليجنوا ثمارها بعد أجيال؛ وما عبد قوم نوح ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا، إلا بعدما غرس الشيطان في عقول القوم فكرة تجسيد هؤلاء الرجال الصالحين في تماثيل تنشّطهم على الطاعة كلما رأوها، ومع الأجيال تحوّل التحفيز إلى تقديس، ثم أصبحت التماثيل أصنامًا تُعبد من دون الله.

الشهرة السلبية

ليس من خلال النشر الإيجابي وحده يصل أصحاب الأفكار برسالاتهم إلى الجمهور، بل يعتمدون في بعض الأحيان على الصورة السلبية، أو الأخبار الكاذبة، أو الإشاعات، وفي بعض الأحيان يلجؤون إلى الفِكَر المغرِقة في الغرابة للتغلغل في المجتمعات، وإقناع العوام بفكرهم ومشاريعهم، خاصة مع وجود مواقع التواصل التي تُسهم في تدوير الرسالة بشكل سريع للوصول إلى مجتمعات متباينة.

قد يدهشك أن تعرف أن بعض أصحاب العلامات التجارية يتمنى لو تمت إضافة منتجه إلى قوائم المقاطعة، وأن بعض المتصهينين يسعى جاهدًا ليشارَك حسابُه في قوائم العار، وأن كثيرًا من المشاهير استفادوا من وجود أسمائهم في قوائم مقاطعة المشاهير المتخاذلين، وأن بعض علماء السلطان يقتاتون لشهرتهم من الاستخفاف بالصحابة والتجديف في الإسلام!

تغلغل الفِكَر الغريبة

حين تصدمك فكرة غريبة في العالم الرقمي إما أن تسعى للبحث عن مصدرها ومعرفة أصلها، كي تتبناها إذا ثبت صدقها، أو تنبذها لو علمت كذبها، ثم تنبري للرد على الشبهات الواردة فيها والتحذير منها.

ولكن هذا للأسف ليس حال كل الناس؛ لأن هناك جمعًا غفيرًا ينشر الفِكَر الغريبة في مَن حوله ليكوّن رؤيته لها اعتمادًا على جمع انطباعاتهم؛ كي يصل في نهاية المطاف إلى تصوّر مناسب يتبناه عنها؛ لأنه عندما يفتقر إلى المعلومات الكافية لحل مشكلة تواجهه، أو في حال كان لا يريد أن يحل المشكلة، أو يفتقر إلى الوقت اللازم لذلك، فقد يكون من المنطقي أن يقلّد الآخرين، ويستوي في ذلك أن لا يعلم سوى القليل مع أن تكون المعلومات الواردة غزيرة، وهو لا يدري أنه بنشرها قد ساهم في الترويج لها، وقد يتلقفها متابعوه على اعتبار أنها حقائق مسلّم بها.

إنهم يتورمون فينتشون

ما يسعى إليه أصحاب الفِكَر المغرضة في المرحلة الأولى من نشر فِكَرهم هو حجز مكان لها على مسرح الأحداث، ومهما بدا صغيرًا فهو مهم؛ لأنهم يعوّلون على تضخُّمه عندما تتدحرج الفِكَر وتصبح متداولة، ولكي ينجح هؤلاء الأشقياء في الوصول لكل شرائح المجتمع فإنهم يعتمدون على النخب لتمرير رسائلهم السلبية من خلال استفزازهم بإعلان أو معلومة خاطئة أو فكرة سلبية، وعادة ما ينبري أهل الحق للدفاع عنه، والتصدي للهجمة المسعورة على القيم والخير والدين، وتفنيد الافتراءات بالحجة والمنطق والدليل، وتقديم روايتهم لجمهور المتابعين جنبًا إلى جنب مع الرسالة السلبية كاملة، وفق المعايير العلمية الصحيحة للرد على الشبهات، ولكن في خضم سعيهم لنشر الحق يقعون هم أيضًا في فخ إسناد الباطل وزبانيته – دون قصد- ومساعدتهم على التورم والانتشار.

أسباب انتشار فِكَرهم المغرضة

هناك أربعة أسباب لانتشار الإشاعات والأخبار المضللة والفِكَر المغرضة على مواقع التواصل:

أولها أن عقولنا مُصممة لأن تصدِّق خبرًا أو حدثًا أو معلومة أو فكرة وتعتبر ذلك حقيقية، بمجرد تكراره دون أي أدلة أخرى، فكلما تكرر حديثٌ أمامك شعرت براحةٍ أكبر في تصديقه؛ وهذا ما يوقع كثيرين منا في سوء الفهم، فيأخذون الأحاديث الكاذبة المتكررة على أنها حقائق.

– وثانيها أن ملَكة الوعي، والتمييز بين الغث والسمين، والقدرة على معرفة الخبر الحقيقي من الخبر المضلّل، هي صفة لا يتقنها أغلب المتابعين، الذين يهمهم نشر المعلومة بأقصى سرعة، في زمن أصبح السبق في النشر أهم من المحتوى نفسه.

– وثالثها أن الجمهور يبحث دائمًا عن الإثارة، التي غالبًا ما تتمتع بها الأخبار المزيفة ولا تمتلكها الأخبار الحقيقية.

– أما السبب الرابع فيعود لخوارزميات منصات مواقع التواصل، التي تنتقي المحتوى الجدلي والمثير، حتى لو كان يحض على العنف والكراهية والفكر الشاذ، لتقترحه لأكبر عدد ممكن من المتابعين؛ لأنه سيبقيهم لأطول فترة ممكنة يتصفحون المنصة ويتناقلون المنشورات عليها، ما يزيد من فرصة تعرضهم للإعلانات وزيادة أرباحها؛ وهذه معلومة وردت ضمن التسريبات التي أدلت بها فرانسيس هاوغن، المديرة السابقة بإدارة المحتوى في شركة ميتا أمام مجلس الشيوخ الأمريكي.

الأجيال في خطر

حريٌّ بنا أن نقلق على الأجيال القادمة مع تطور تقنيات الثورة الرقمية، وتغلغلها في ثقافة الشعوب واختراقها معظم مجتمعاتنا، لأن أهل الباطل تجرؤوا على استخدام هذه المنصات وتصدّروا المشهد بوقاحة؛ إنهم يعرفون كيف يتسربون بيننا من خلال نشر المقاطع المفرطة في التناقض، وترويج الأكاذيب بلا توانٍ، والإغراق في الغرابة تارة والنيل من رموز الدين تارة أخرى.

هم نشروا فتوى إرضاع الكبير، وأشغلوا الناس في ديباجة “المرأة غير ملزمة”، وروّجوا لكل قبيح بأسماء مبهرجة لا شية فيها، وقالوا عن الشذوذ “مثلية” وعن الزنا “علاقة خارج إطار الزواج”، وتطاولوا على البخاري، وحاربوا ابن تيمية، وهمّشوا التراث ونشروا الإلحاد، وغيّروا موقع المسجد الأقصى الجغرافي، وشكّكوا في حادثة الإسراء والمعراج، وأعلنوا حديثًا عن تدشين مركز “تكوين” لنشر اللادينية وإنكار السنة بين المسلمين، والطعن في سيرة الصحابة رضوان الله عليهم؛ ولضمان نجاح مركزهم دشّنوا له حسابات على منصات مواقع التواصل، وضخوا الأموال في أستوديوهات تصوير وإعلانات ممولة بغرض التشكيك في الدين والسنة وثوابت الشريعة؛ وهو أخطر مشروع علني للنيل من الثوابت، لقدرته على التسرب إلى عقول أبنائك عبر الأجهزة التي بين أيديهم، وبالطريقة التي تجذبهم وتبقيهم أطول فترة في شك دائم وتشوّه عقيدتهم، وفي الوقت نفسه تلهيهم عن الأحداث والقضايا المهمة حولهم.

الهلاك أو النجاة

يعتمد المرجفون في استراتيجية انتشارهم على استغلال ثغرة في تفكيرنا البشري، الذي يبدأ رؤية الفكرة صحيحة بعد تكرارها مرات عديدة ومن أشخاص متفرقين، ويلجؤون إلى إثارة الجدل للبقاء في وهج (التريند)، ويسخرون من الشعائر الإسلامية ليُسقطوا هيبتها من قلوب الناس، ويتطاولون على أعلام الصحابة ليوهموا الناس أنهم والقمم نظراء.

فِكَرهم طين لازب إن جادلتها طفَت على السطح، وإن تركتها تمددت كخلية سرطانية تنهش ما حولها، وإن حذرت الناس منهم حفّزتهم إلى البحث عنهم وربما تبنوا فكرهم، هي حلقة كل ما فيها يقود إلى شر كأفعى تأكل ذيلها.

وهم سفلة سطَوا على السفينة فأصابوا أدناها، وعاثوا فيها فسادًا، ونشروا السوء والفحشاء، وهم على وشك أن يخرقوا فيها بفِكَرهم المسمومة، فلو تركناهم وحماقاتهم سيهتكون الجدار في نصيبهم، وسيهلكون ونهلك معهم جميعًا، ولو تحدثنا عنهم على اعتبار أنهم فئة لها الحق في نشر الوقاحة والقذارة ساعدناهم في تصدير أسمائهم وإشهارهم، وضحينا بمستقبل أجيال قادمة ستعتقد أن تفاهاتهم مُثلٌ عليا، ولكن لو أخذنا على أيديهم، وأعدمنا كلماتهم ونحرنا فِكَرهم في مهدها، نجوا ونجونا جميعًا..

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...